التاريخ: شباط ٣, ٢٠١٩
المصدر: جريدة الشرق الأوسط
البحرين: أول رئيسة منتخبة للبرلمان - سوسن الشاعر
أسفرت انتخابات جمعية الصحافيين البحرينية الأسبوع الماضي عن فوز سيدة للمرة الأولى منذ تأسيسها عام 2002، وهي السيدة عهدية أحمد.

لم يمضِ على عودة الحياة النيابية في البحرين سوى 16 عاماً إلا واختار المجتمع البحريني بإرادته الحرة سيدة لترأس المجلس النيابي، ولقياس وضع الحقوق السياسية للمرأة في البحرين علينا أن نقيس عدد السنوات التي استغرقتها المجتمعات الغربية حتى اقتنعت بقدراتها وسمحت لها بالتصويت، ومن ثم سمحت لها بالترشح، ومتى فازت أول برلمانية غربية، أي متى اقتنع المجتمع بها وانتخبها، كي تكون مقارنتنا عادلة.

أول امرأة تفوز في الانتخابات النيابية الأوروبية كان عام 1907 في فنلندا، وبريطانيا لم تمنح المرأة حق الانتخاب والترشح إلا عام 1918، وأميركا 1918، وفرنسا 1944. أول برلمان بريطاني كان عام 1225 أي أن كل المجتمعات استغرقت مئات السنين حتى تقتنع بالمرأة ممثلاً لها. 

وللعلم خاضت السيدة فوزية زينل الانتخابات ثلاث مرات؛ الأولى عام 2006 أي بعد أربع سنوات من منح المرأة حق التصويت والانتخابات، وكان منافسوها خمسة رجال والدائرة التي ترشحت بها كانت شبه محسومة لجماعة «الإخوان المسلمين» حين ذاك، ومع ذلك حققت مركزاً متقدماً رغم خسارتها. في المرة الثانية كان منافسوها من السلفيين واستطاعت أن تصل للدور الثاني مع رئيس الجماعة، وحصدت المزيد من الأصوات عن المرة الأولى وخسرت بفارق بسيط. أما المرة الثالثة فقد انحسرت التيارات الدينية في قوة تأثيرها في معظم مناطق البحرين مما جعل من فوزها فرصة قابلة للتحقيق.

الجميل في الأمر هو أن الدافع الأكبر لنزولها المرات الثلاث كان زوجها وابنها بدعم مادي ومعنوي ولوجيستي بإدارة الحملة، والأجمل أن أكثر الأصوات التي صوتت لها كانت من الرجال، وفي اعتقادي يعد هذا أحد أهم المؤشرات لإنجازات المجتمع البحريني.

تقول السيدة زينل عن ذلك «لن أنسى مواقف زوجي ودعمه اللانهائي لي، فقد عزفت عن الترشح للمرة الثالثة، لكنه أصر وتعذرت بضيق اليد وأن الحملة الانتخابية ستكون مكلفة وربما تقضي على المبلغ الذي كنا نجمعه لزواج ابننا لكنه أصر أيضاً». 

يقال إنك إن أردت قياس وضع المرأة في أي مجتمع عليك أن تراقب اختياراته بإرادته الحرة، بلا نظام للكوتة، فإن وجدت اختياراته خالية من العنصرية ومن التحيز للجنس أو اللون أو العرق، فاعلم أن ذلك المجتمع تخلص من مظاهر حواجز التخلف البشري ونجح في تجاوزها لفضاء الإنسانية الرحبة، حيث الأريحية في الاختيار تتفحص الكفاءة والإمكانيات والقدرات والأفضلية فقط دون النظر لاعتبارات أخرى، ومن يتمتع بهذه الأريحية بغض النظر عن أي عوامل بيولوجية لا يد له فيها، فاعلم أنه نجح في أهم اختبار «مدني» على الإطلاق.

وهنا يثبت البحرينيون أنهم مجتمع مدني حين تتركه لخياراته الحرة وأزحت عن كاهله الوصاية الكهنوتية، فلا مرجعيات تُفرض عليه (كتل إيمانية) أو (كتل إخوانية) تخيره بينها وبين جهنم، فيعامل مع المرأة بمساواة مع الرجل دون اعتبارات جندرية، والأبيض والأسود بعدالة والأعراق دون تفرقة والمعتقدات بلا تمييز، هذه الأريحية هي بناء تراكمي تبرز من خلالها أفضل صور المدنية الحضارية لأي مجتمع.

المؤشر الأكثر دقة من هذا كله أن كل سيدة من اللاتي دخلن الانتخابات النيابية أو البلدية أو انتخابات أي مؤسسة مدنية، كان الرجل هو من يدير حملتها وأحياناً يكون زوجها أو أخوها هو مدير حملتها. نحن ننتقل هنا إلى درجة من درجات الثقة والتمكن لدى هذا المجتمع بحيث لا تعيقه ولا تثقل كاهله أي نظرة مجتمعية ما زالت مقيدة تشده للخلف.

بعدها تستطيع أن تقيس مكانة المرأة من خلال المؤشرات التقليدية الأخرى، كنسبتها في القوى العاملة ونسبتها في المراكز القيادية ونسبتها في المهن التي كانت حكراً على الرجال وقياس الفارق بينها وبين الذكور في المجال الوظيفي... إلخ، إنما تلك المؤشرات تحددها منظومة التشريعات وتحددها سياسة الدولة وتحددها قناعة وإيمان القيادة في الدولة أكثر من قناعة وإيمان المجتمع.

في البحرين كان للقيادة دور مساعد في وصول المجتمع البحريني لتلك المرحلة من الإدراك والاقتناع الحر بمكانة المرأة، حين أعطى الملك فرصة لقرينته كي ترأس المجلس الأعلى للمرأة فأزال أحد الحواجز التي كان من الممكن أن تعيق، وحين أعطاها الفرصة في المجلس التشريعي المعين «الشورى»، وفي اختيار أكثر من عضو في مجلس الوزراء من النساء. الثقة الملكية أسقطت العديد من الحواجز المفتعلة الدخيلة فوجدت القناعات الأصيلة للشعب البحريني فضاءها الحر للتعبير عن نفسها.

بقي أن نعلم أن الانتخابات النيابية الأخيرة أسفرت عن فوز ست سيدات، والبلدية أربع.