|
|
التاريخ: كانون ثاني ١٣, ٢٠١٩ |
المصدر: جريدة النهار اللبنانية |
|
دينامية "مضادة" أطلقها الانسحاب الأميركي - روزانا بومنصف |
تخشى مصادر سياسية أن يكون إعلان الرئيس الاميركي دونالد ترامب سحب القوات الاميركية من سوريا أطلق دينامية مضادة في المنطقة قد يصعب ضبطها كليا، في انتظار النتائج التي ستسفر عنها جولة وزير الخارجية مايك بومبيو في بعض دول المنطقة، ولا سيما منها الحليفة لواشنطن، وكذلك الزيارة التي قام بها مستشار الامن القومي جون بولتون لاسرائيل وتركيا، على قاعدة واضحة تتصل بمحاولة الحد من التداعيات السلبية التي ترتبت على هذا الاعلان بالشكل المفاجىء الذي حصل فيه. وترى هذه المصادر أن الاندفاع الذي شهده موضوع اعادة النظام السوري الى الجامعة العربية عبر البوابة اللبنانية فجر وضعا داخليا هشا اصلا، واخذ ابعادا جديدة على وقع السعي الى قطف ثمار الانسحاب الاميركي وترجمته بسرعة، وكذلك موضوع بدء الزيارات لبعض رؤساء الدول لدمشق، وكذلك فتح إعادة السفارات التي كانت اقفلت في بداية الحرب السورية، والى ذلك كله يسجل ترجمة سريعة تستفيد من الموقف الذي أعلنه الرئيس الاميركي. ففي غضون أسابيع قليلة اعقبت اعلان الرئيس الاميركي، اعادت قوات سوريا الديموقراطية النظر في تحالفاتها في سبيل الا تذهب ضحية الطموح التركي بالقضاء على الاكراد، وهو أمر سارعت واشنطن الى معالجته وارتفعت وتيرة الخلاف مجددا في شأنه مع تركيا على اثر تصريحات بولتون ان تركيا لن تقوم بأي هجوم ما لم تطلع عليه الولايات المتحدة اولا. كما تحركت اسرائيل من جهتها من اجل السعي الى ضمان امنها بعد انسحاب القوات الاميركية، وهو ما ادى الى امرين احدهما اعلان بولتون ان هذه القوات لن تنسحب من التنف وهي النقطة التي تربط من حيث المبدأ الطريق لايران من العراق الى سوريا فلبنان، ومن ثم اعلان المسؤولين الاميركيين "دعم جهود اسرائيل بقوة لمنع طهران من تحويل سوريا الى لبنان آخر". لكن وزير الخارجية الاميركي لم ينف في المقابل ان القوات الاميركية ستنسحب كما اعلن الرئيس ترامب وجدد من القاهرة سياسة بلاده في التصدي لايران وطموحاتها في المنطقة باعتباره البند الذي اسقط من اهداف الوجود الاميركي في سوريا الى جانب محاربة تنظيم ما يسمى بالدولة الاسلامية وفق ما كانت حددت الادارة الى جانب تبرير الوجود العسكري الاميركي بهدف ثالث هو دفع النظام السوري الى الحل السياسي. وهذه النقطة الاخيرة وحدها لم ترد بعد على لسان رئيس الديبلوماسية الاميركية، ولكن لوحظ تذكير وزير الخارجية المصري سامح شكري النظام السوري بالتزامات يتعين عليه تنفيذها قبل عودته الى الجامعة العربية مسميا القرار 2254 بما يعنيه ذلك على لسان رئيس الديبلوماسية المصرية. وشمل بومبيو من ضمن تأكيده من جامعة القاهرة عدم التخلي عن مواجهة ايران ونفوذها في المنطقة والتصدي لـ"حزب الله"، معلنا عدم القبول بالوضع الراهن للحزب في لبنان، والعزم على تأمين رحيل ايران كليا عن سوريا. وقال بومبيو: "ان ايران تعتقد انها تملك لبنان لكنها مخطئة".
والواقع كما تقول هذه المصادر ان كل القوى المنخرطة بالوضع السوري والمعنية به انطلقت بسرعة للاستفادة من الموقف الاميركي وتسييله ميدانيا وعملانيا في المنطقة، تماما مثلما طرح موضوع ملء الفراغ الميداني بالنسبة الى انسحاب هذه القوات. وهذا الامر يسري على روسيا كما على إيران وتركيا واسرائيل والعراق وحتى "حزب الله" والنظام السوري، على رغم أن محاولة معالجة مسؤولي الادارة الاميركية تداعيات موقف الرئيس الاميركي المفاجئ لن تغير كليا واقع الانسحاب الذي سيحصل وفق ما يؤكد بومبيو. وسرى سريعا، فيما هو يكمل جولته في المنطقة، أن الولايات المتحدة بدأت فعلا سحب قواتها قبل ان يصدر توضيح انه تم سحب بعض المعدات فحسب، ما يؤشر لأهمية هذا العامل الحاسم في تقرير اتجاهات الدول والقوى الفاعلة في المنطقة وسياسة الارباك التي يستفيد منها كثر، بين نفي حصول انسحاب سريع وتأجيله، وبدء الانسحاب عملانيا قبل اكتمال جولة وزير الخارجية الاميركية، ووضع كل زعماء الدول الحليفة في اجواء الخطوات الحقيقية او الفعلية التي ستعتمد وطمأنتها الى السياسة الاميركية في المنطقة.
وبالنسبة الى بعض السياسيين في لبنان، فإن هذا الكلام الاميركي بالذات قد يشكل مادة دسمة للتوظيف، إذ إنه يعبر عن الاسباب الحقيقية وراء عدم تأليف الحكومة حتى الآن، على خلفية أن لا الولايات المتحدة ولا حليفتها المملكة العربية السعودية في وارد قبول حصول "حزب الله" على الحصة التي يطالب بها عبر سنة 8 آذار، باعتبارها العقدة التي افتعلها أخيرا ربطا بضمان ولادة الحكومة، وهي التي تضمن له نفوذا أكبر في الحكومة بناء على الشروط لتوزير أحد هؤلاء، علما ان هناك اعتراضا أصلا على اعطاء الحزب حقائب أساسية مؤثرة. واذا كان الامر ينطوي على عدم اقرار بالواقع القائم حول هيمنة الحزب التي تمت في مجلس النواب مع حلفائه او عبر ايصاله مرشحه الى رئاسة الجمهورية وحصول ذلك تاليا عبر الحكومة، فإن الامر قد يطول وسيدفع لبنان الثمن. ويعود ذلك الى اعتقاد هؤلاء السياسيين أن المسار المعبر عن قدرة او اتجاه الحزب الى احكام سيطرته هو بمثابة امر واقع، خصوصا ان هناك تصعيدا للمطالب عبر حكومة من 32 وزيرا او ربما ايضا التهديد برفع سقف المطالب التي لا تلبي المعايير الحقيقية للتمثيل، وفق ما لوح به الحزب اكثر من مرة. ومن هذه الزاوية ينظر باهتمام الى زيارة مساعد وزير الخارجية للشؤون السياسية ديفيد هيل لبيروت في نهاية الاسبوع لكي تشكل مؤشرا بالنسبة الى لبنان حول اتجاهات الادارة الاميركية في ضوء الانسحاب الاميركي من سوريا وكيفية منع تدفيع لبنان ثمنا أو أثمانا في الطريق. |
|