|
|
التاريخ: كانون ثاني ١١, ٢٠١٩ |
المصدر: جريدة النهار اللبنانية |
|
السعودية بين الـ2017 - 2018 والـ2019 - سركيس نعوم |
كيف ستكون السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية في العام الجديد 2019؟ هل ستبقى على حالها كما رسمها ونفذها عاهلها الجديد الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده (ابنه) الأمير محمد منذ وصولهما الى الحكم أم ستشهد بعض التغيير والتعديل؟
هذان السؤالان وأسئلة أخرى كثيرة طرحتها مراكز أبحاث أميركية أواخر السنة المنصرمة، وحاولت البحث عن أجوبة جدّية لها مستندة الى معرفة عميقة بالمملكة وقادتها الجدد وأوضاعها، كما بالعالم العربي والاسلامي والشرق الأوسط وقضاياهما وأزماتهما ومشكلاتهما والحروب، وتوصلت الى بعضها. لكن الممارسة خلال هذه السنة ولا سيما في النصف الأول منها ستثبت إذا كانت صحيحة جزئياً أو كلياً أو إذا كانت بعيدة من الصحة.
ماذا في الأجوبة التي تم التوصل اليها؟ يجيب باحث أميركي مطلع على الابحاث المشار اليها أعلاه ونتائجها فيقول ربما تبقى السعودية الدولة الأكثر أهمية في صياغة المنطقة أو تشكيلها كما في حجم نفوذها داخلها من بين الدول الأخرى الأساسية فيها. ويشير الى تغيير في ثقافتها وأولوياتها داخلياً وخارجياً بدأت ملامحه مع العهد الجديد فيها. ويعني ذلك على صعيد السياسة الخارجية أن القرارات لم تعد تتميز بالبطء والتروّي، بل صارت أكثر دينامية وربما إثارة للتعجب أو الاستغراب. إذ رغم "نزوات" ولي عهدها الذي صار يمثل وجهها في العالم لا تزال سياستها الخارجية على حالها. فالمملكة لا تزال مصممة على حماية نفسها في منطقة تعيش صراعات وتهديدات أمنية داخلية (الجهاديون – والمشاعر المعارضة للحكومة)، وخارجية آتية من إيران. الى ذلك هي تسعى الى التحوّل لاعباً فاعلاً بل استراتيجياً في الشرق الأوسط قادراً على تحدي منافسيه (إيران وتركيا) بتجميع القوة الناعمة والقاسية ومراكمتهما ضدهم رغم عملها معهم أحياناً أي عند الضرورة. لكن ذلك لا يدفع السعودية الى التخلّي عن المظلة الأمنية الأميركية حتى وهي تنوِّع اقتصادها وشركاءها الأمنيين تلافياً لأن تصبح معتمدة أكثر من اللازم على واشنطن. في اختصار هي تتطلع الى سنة جديدة تؤمن خلالها نفسها من تهديدات دول مثل ايران ولكن بصخب أقل من السنتين السابقتين 2017 و2018. ففي أثنائهما ضربت المملكة حصاراً على قطر المجاورة لها، واحتجزت موقتاً رئيس حكومة لبنان، وقطعت بعض العلاقات الاستثمارية مع ألمانيا. وفي الحقيقة فإن بعض الموضوعات التي ظنتها داخلية تبيّن أن لها تأثيراً عميقاً على علاقاتها الخارجية ومنها مكافحة الفساد عبر احتجاز أمراء ورجال أعمال سعوديين في فندق للتحقيق معهم عام 2017 الأمر الذي أثار مخاوف المستثمرين الأجانب. وفي العام التالي تشاحنت السعودية مع كندا في أعقاب "تغريدة" تويترية لرئيس حكومتها تتعلق بحقوق الإنسان. هذا فضلاً عن الغضب الدولي الذي أثاره قتل الخاشقجي في اسطنبول. لكن المملكة سعت رغم ذلك كله الى تهدئة العواصف التي أثارت. "ففكّت دكّتها" كما يُقال ودعمت الأردن مالياً بعد سنة من امتناعها عن ذلك. كما أعادت تأكيد تقديم مساعدات سياسية واقتصادية الى لبنان. لكنها لا تزال تتمنّى أن تضبط أو تسيطر أو تتحكم بقطر بواسطة استمرار حصارها. علماً أنها بدعوتها إياها الى القمة الأخيرة لمجلس التعاون الخليجي التي انعقدت على أرضها أعطت إشارة تودّد الى رئيسها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. أما في اليمن فإن السعودية لن تتردّد في استعمال مزيد من القوة العسكرية ضد الحوثيين المدعومين من إيران إذا شعرت أن ذلك لن يثير في وجهها عواقب عند حلفائها القريبين. وهذا ما حصل قبل أشهر إذ دفع المجتمع الدولي الى فرض محادثات بين الفريقين لايجاد حل سياسي للحرب في هذه الدولة المنكوبة.
ما هو المتوقع في العام الجديد 2019؟
يقول الباحث نفسه جواباً عن ذلك أن العربية السعودية ستتابع تأكيد بل تثبيت علاقاتها الوثيقة مع حلفائها الشرق الأوسطيين باعتبارهم متراساً أو حصناً متقدماً ضد إيران. ورغم أن أولويتها الأولى هي إقامة علاقات مع دول عربية أخرى تقلقها إيران فإنّ علاقات أخرى غير تقليدية ستنشأ أيضاً في مستقبل غير بعيد، ولا سيما مع إسرائيل التي كانت عدواً رسمياً ومعلناً لها. والدافع إليها هو إرادة احتواء إيران التي تشكل خطراً عليهما معاً. وهو رغبة اسرائيل في التعاون مع المملكة تكنولوجياً واستثمارياً. ورغم أن القطاع الخاص الاسرائيلي راغب في علاقة دافئة معها فإن الأقنية السعودية الرسمية وغير الرسمية لا تزال متردّدة في التجاوب. علماً أن نشوب أي صراع بين إيران والسعودية أو إسرائيل سيدفع الاثنتين الى التعاون المفتوح. وهذا ما يجعل عام 2019 مهماً لعلاقة الدولتين. وفي هذا المجال يشير باحثون آخرون بعضهم من الشرق الأوسط الى تغيير سعودي ما في العلاقة مع سوريا الأسد أو في الموقف منها. ففتح الامارات العربية المتحدة سفارتها في دمشق وتوقع فتح البحرين سفارتها أيضاً يشير الى أن المملكة ستحذو حذوهما لكن ليس في سرعة. والدافع هو استعادة سوريا الى الحضن العربي وإخراج إيران منها ومن المنطقة عموماً. ويضيف الباحث نفسه أن "تحالف البحر الأحمر" الذي أُعلن أخيراً يدل على تاريخية السعودية في اجتذاب أصدقاء جدد وحلفاء وجيران لتكوين جبهة واسعة عامة. ورغم أن مجلس التعاون الخليجي لم يُظهر أنه وسيلة فاعلة للسياسة السعودية بدليل فشل حصار قطر فإن هذا النوع من التجمعات الإقليمية يبقى مفيداً.
ما المتوقع سعودياً أيضاً عام 2019؟ |
|