حددت غرفة الاستئناف في المحكمة الخاصة بلبنان في قرار تمهيدي أصدرته أمس برئاسة القاضي أنطونيو كاسيزي يقع في 152 صفحة، المسائل القانونية الـ15 التي طرحها قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرنسين. وقال بيان للمحكمة نشره موقعها الإلكتروني ان الغرفة توصلت إلى هذا القرار بعد الاستماع إلى الملاحظات الشفوية التي أدلى بها المدعي العام دانيال بلمار ومكتب الدفاع في الجلسة العلنية التي عُقدت في السابع من شباط، بعد الاطلاع على مذكّرتيهما الخطيتين وموجز حججهما". وأشارت الى ان الغرفة أخذت في الاعتبار مذكرتين (للعاملة في مكتب بحوث جرائم الحرب في كلية الحقوق في واشنطن والأستاذ في جامعة غوتينغين كاي آمبوس) من نوع مذكرة صديق للمحكمة تتضمن آراء قانونية من أستاذين جامعيين".
وللمرة الأولى منذ تقديم بلمار مشروع قراره الإتهامي الى قاضي الإجراءات التمهيدية في كانون الثاني الماضي تتناول المحكمة في بيانها المهل الزمنية المحتملة لصدور قرار القاضي فرنسين، فحددته بين أربعة أسابيع، وعشرة أسابيع مشيرة الى إمكان صدوره بعد أكثر من عشرة أسابيع" نظرا الى درجة التعقيد التي يتسم بها هذا الموضوع".
رئيس المحكمة وتحدث كاسيزي خلال الجلسة عن مضمون القرار التمهيدي مشيرا الى اعتماده "بالإجماع". وقال إن الهدف من تفسير أحكام النظام الأساسي هو"ضمان سير العدالة بطريقة منصفة وفعالة وأخذ التفسير الأكثر ملاءمة لحقوق المشتبه فيهم والمتهمين بما يتوافق وقاعدة القانون الجنائي العامة التي تدعو الى تفسير الشك لمصلحة المتهم". وأمل كاسيزي "أن تساعد جهودنا المحكمة في السير بخطى ثابتة وسريعة على طريق العدالة". وقال "إن هذه الجهود التي بُذلت لتحديد القانون الواجب التطبيق على الوقائع والإدعاءات التي رفعها المدعي العام أمام قاضي الإجراءات التمهيدية، إضافة الى الوقائع والإدعاءات الأخرى التي يؤمل أن يقدمها قريبا إلى قاضي الإجراءات التمهيدية، من شأنها أن تكون مرشدا لغرفة الدرجة الأولى، رغم أنه قد يكون من الضروري إعادة النظر في إجاباتنا النظرية وضبطها في ضوء الظروف المحددة لكل قضية".
وشدد على أن "وظيفة محكمتنا لا تقتصر على محاكمة المسؤولين عن الاعتداءات الإرهابية التي حصلت بين 2004 و2005، بل تشمل أيضا ترسيخ مفهوم في الأذهان هو أن مبدأ المساءلة عنصر أساسي في أي نظام ديموقراطي، ومن الواجب أخلاقيا ألا تُسوى النزاعات السياسية من خلال سفك الدماء،بل بالوسائل السلمية عبر الحوار والنقاش والمفاوضات". وأعرب عن ثقته بالإثبات "من خلال هذا القرار التمهيدي أن محكمتنا تعتزم في شكل مطلق الحياد والاستقلال بمعزل عن أي ضغط أو تدخل أو اعتبار سياسي، وإن غايتها الوحيدة هي تحقيق العدالة بأكثر السبل نزاهة وبالسرعة اللازمة خدمة لمصلحة المدعى عليهم والمجتمع اللبناني عموما".
وبالعودة الى قرار غرفة الإستئناف فقد أخذ تعريف مفهوم الإرهاب الحيز الأكبر منه والذي اعتمد تفسيره على القانون اللبناني المتعلق بمكافحة قانون الإرهاب الصادر في 11/1/1958. واعتبر قرار الغرفة في هذا السياق أن "التفسير للقانون اللبناني يعالج بصورة أفضل الأشكال المعاصرة للإرهاب، ويجعل القانون اللبناني أكثر توافقًا مع أحكام القانون الدولي المتعلقة بالإرهاب والملزمة للبنان، لأن هذا التفسير يتوافق مع الجريمة وفقًا لتعريفها الصريح في القانون اللبناني، ولأنه كان في وسع المتهمين الاطلاع عليه خصوصا بالنظر إلى نشر الاتفاق العربي ومعظم الاتفاقات الدولية التي صادق عليها لبنان في الجريدة الرسمية".
وقال البيان في هذا الإطار "إن غرفة الإستئناف، في تفسير النظام الأساسي، وخلافا لسائر المحاكم الدولية، تقتصر على تطبيق قواعد القانون الموضوعي اللبناني في شأن تعريف الجرائم. وهي ستطبق القانون اللبناني كما تفسره وتطبقه المحاكم اللبنانية ما لم يتبيّن أن هذا التفسير أو التطبيق غير معقول، أو أنه يمكن أن يؤدي إلى ظلم مبين، أو انه لا يتوافق مع المبادئ والقواعد الدولية الملزِمة للبنان". وأكدت الغرفة أن المحكمة ستطبّق القانون اللبناني في ما يتعلّق بجريمة الإرهاب، القائمة على الأركان الآتية: فعل مرتكب عن قصد لنشر الذعر، سواء أكان يشكّل جريمة بحسب الأحكام الأخرى من قانون العقوبات أم لا واستعمال وسائل تحدث خطرا عاما كالأدوات المتفجرة والمواد الملتهبة والمنتجات السامة أو المحرقة والعوامل الوبائية أو المكروبية".
وأفادت غرفة الاستئناف في تحليلها المفصَّل في قرارها "أن المحاكم اللبنانية تعتمد بصورة عامة مقاربة ضيقة النطاق فيما يخصّ الركن الثاني، وذلك بحصر جرائم الإرهاب في تلك الجرائم المرتكَبة بالوسائل المعدَّدة في قانون العقوبات، والتي لا تشمل الاعتداءات المرتكبة بالرشاشات على سبيل المثال".
وخلصت إلى "أن قانون العقوبات اللبناني نفسه يدل على أن تعداده لوسائل الجريمة الإرهابية إنما هو على سبيل المثال لا الحصر، وبالتالي يمكن المحكمة أن تفسّر أحكام قانون العقوبات ذات الصلة تفسيرا أوسع نطاقا".
وفي المسؤولية الجنائية رأت "أن القانون اللبناني ينطبق على جريمتي القتل والمؤامرة. وترد في النظام الأساسي للمحكمة إشارتان إلى أشكال المسؤولية الجنائية، وذلك في المادة 2 التي تركّز على قانون العقوبات اللبناني، وفي المادة 3 التي تبيّن أشكال المسؤولية وفقًا للقانون الجنائي الدولي.
ونظرت غرفة الاستئناف في احتمال وجود تنازع بين هذين القانونين، وانتهت إلى استنتاج مفاده أن القانون اللبناني يتوافق مع القانون الدولي في معظم الأحوال في هذا الصدد. وتفيد غرفة الاستئناف بوجوب تطبيق القانون اللبناني عندما لا يوجد تنازع بين هذا القانون والقانون الدولي، وبوجوب تطبيق النظام القانوني الذي يتبيّن أنه يحفظ حقوق المتهمين أكثر من غيره عندما يوجد تنازع بين هذين القانونين".
ولفتت إلى أن "القانون اللبناني يُجيز الإجتماع المعنوي للجرائم، وتقضي بالتالي بوجوب الأخذ بذلك في المحكمة"، مذكرة المدعي العام "بضرورة الحرص على إطلاع المتهمين على التهم الموجهة إليهم بأوضح طريقة ممكنة. ولن يُسمح بالادعاء بأكثر من وصف جرمي للفعل الواحد إلا عندما تختلف الجرائم المنسوبة إلى المتهمين اختلافًا حقيقيًا بحكم طبيعتها".
القرار الإتهامي وعن المهلة الي ستستغرقها عملية نظر قاضي الإجراءات التمهيدية في قرار الاتهام قال بيان المحكمة: "تفيد التقديرات الأولية الخاصة بعملية النظر في قرار الاتهام أن هذه العملية ستستغرق فترة تراوح من ستة أسابيع الى عشرة أسابيع على الأقل، ولم يطرأ أي تغيرّ على هذه التقديرات رغم احتمال استغراق هذه العملية أكثر من عشرة أسابيع نظرا الى درجة التعقيد التي يتسم بها هذا الموضوع وحجم المواد المؤيدة لقرار الاتهام".
وعن زمان إعلان محتوى قرار الاتهام قال البيان انه يبقى سريا أثناء عملية النظر فيه من أجل حماية الفرد المذكور (الأفراد المذكورين) فيه. ويُتوقّع إعلان محتواه إذا ما تمّت المصادقة عليه. ويجوز مع ذلك، في ظروف استثنائية، لكلّ من المدعي العام ورئيس مكتب الدفاع أن يطلب الإبقاء على سرية قرار الاتهام بعد المصادقة عليه (مختوم) حفاظًا على مصلحة العدالة. ويَفصل قاضي الإجراءات التمهيدية في أي طلب في هذا الصدد".
|