|
|
التاريخ: كانون الأول ٢٣, ٢٠١٨ |
المصدر: جريدة النهار اللبنانية |
|
ترامب يغادر سوريا: مخاطر مواجهات واسعة النطاق - جوزف باحوط |
يتناقلون دعابةً ساخرة في واشنطن أن نهاية الوجود الأميركي في شمال شرق سوريا كانت على بعد تغريدة واحدة فقط من تغريدات ترامب. وقد أثبت الإعلان المفاجئ، الذي لطالما وعد به ترامب، أن الولايات المتحدة ستسحب جنودها البالغ عددهم ألفَي عنصر من سوريا، أنه دعابةٌ صائبة.
كان ذلك متوقَّعاً بالنسبة إلى الدوائر الداخلية في واشنطن. لم يقتنع الرئيس الأميركي قط بأن الولايات المتحدة في حاجة إلى وجود على الأرض في مكانٍ حيث تمتلك قدراً ضئيلاً من النفوذ والتأثير.
غير أن هذا التحليل لا يتشاركه كثرٌ في البيت الأبيض. فقد رأى مستشار الأمن القومي جون بولتون في الوجود الأميركي رادعاً محتملاً لإيران التي لطالما كانت هاجساً له. وخشيَ وزير الدفاع جيمس ماتيس من أنه من شأن انسحاب مبكر من سوريا أن يُخلّف فراغاً سوف تبادر "الدولة الإسلامية" إلى ملئه، ما يُرغم واشنطن على الانتشار من جديد في ظروف أسوأ.
يتيح الانسحاب لترامب القول بأن "الدولة الإسلامية قد هُزِمت"، والوفاء بالوعد الذي قطعه خلال حملته الانتخابية بتنفيذ انسحاب كامل للقوات الأميركية. من شأن الأكثرية أن تعترض على هذا التقييم، بما في ذلك الفريق الاستخباري التابع للرئيس والبنتاغون. لقد أشارت الاستخبارات الأميركية، في تقارير نُشِرت في آب/أغسطس الماضي، إلى أنه لا يزال لفلول الدولة الإسلامية نحو 17 ألف عنصر في العراق، ونحو 14500 عنصر في سوريا. تحمل هذه الأرقام خطراً مشابهاً للخطر الذي أحدق بإدارة أوباما عام 2011 عندما استعجلت مغادرة العراق، ما أدّى إلى اشتداد وتيرة العنف والهجمات الإرهابية. في الواقع، استمتع ترامب، خلال حملته الانتخابية، بالحديث عن هذا الأمر واصفاً إياه بأنه الخطأ الأكبر الذي ارتكبه سلفه في الشرق الأوسط.
والقرار الفجائي الذي اتخذه ترامب في الملف السوري يحمل مخاطر أكبر. فقد تؤدّي الاضطرابات في شمال شرق سوريا إلى اندلاع مواجهة إقليمية أوسع نطاقاً وخارجة عن السيطرة. وسوف يؤدي الفراغ الذي يُخلّفه رحيل القوات الأميركية، إلى انطلاق سباق مهلك على السيطرة. لطالما كانت "قوات سوريا الديموقراطية" الحليف الأقرب لواشنطن في القتال ضد "الدولة الإسلامية". تعتبر تركيا، وهي من الأفرقاء الأساسيين الآخرين في المنطقة، أن الأكراد يشكّلون تهديداً لحكومتها، وسوف تحظى أخيراً بفرصة ذهبية لمحاولة سحق أعدائها الأكراد بعد رحيل حُماتهم الأميركيين. وسوف تتسبب هذه الجبهة الجديدة في الحرب بتحويل القوى بعيداً من القتال مع "الدولة الإسلامية" – ما يُتيح فرصة للتنظيم ويؤدّي إلى اشتداد العنف في المنطقة.
كذلك، يحمل الانسحاب مخاطر جيوسياسية أوسع نطاقاً. فسوف تستشفّ روسيا فرصةً لتعزيز دورها في موقع الحكَم في النزاع السوري، الأمر الذي من شأنه أن يساهم بمدّ حليفها، أي نظام الرئيس السوري بشار الأسد، بمزيد من القوة والزخم. كان يُفترَض بالوجود الأميركي العمل على تجنُّب هذه النتيجة تحديداً.
لكن المخاطر لا تنتهي عند هذا الحد. على غرار كل القرارات التي اتخذتها الإدارة الأميركية الحالية، يجب النظر إلى هذه الاستراتيجيا في السياق الأوسع للهاجس الإيراني الذي يسكن الإدارة المذكورة. كان الهدف من الوجود العسكري الأميركي على مقربة من الحدود السورية - العراقية كبح النفوذ الإيراني المتزايد في المنطقة. أطلع ترامب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على قراره الانسحاب من سوريا قبل أيام قليلة. وفي رد فعل أولي على الإعلان الأميركي، أقرّ نتنياهو بالتغيير الحاصل في البيئة الاستراتيجية لإسرائيل.
وقال في هذا الصدد: "سنحرص على الحفاظ على أمن إسرائيل والدفاع عن أنفسنا في المنطقة". هل يعني ذلك أن إدارة ترامب وافقت على توسيع إسرائيل لغاراتها الجوية، التي تتركّز حتى الآن في منطقة دمشق، وكذلك توسيع انخراطها العسكري بغية التصدّي مباشرةً لإيران؟
سوف تترتب عن سحب بضعة آلاف الجنود للوفاء بوعدٍ انتخابي، وذلك خلافاً للنصيحة التي أسداها إلى ترامب مستشاروه في الداخل وحلفاؤه في المنطقة، تداعياتٌ وخيمة على المنطقة. لقد تحوّل النزاع السوري صراعاً بالوكالة عن الصراع الإقليمي على النفوذ في الشرق الأوسط. ويترك الانسحاب الأميركي وراءه هذه المعركة حاميةً من دون أن تلوح نهاية في الأفق، كما أنه يساهم في تفاقم عدم الاستقرار الإقليمي.
باحث غير مقيم في برنامج كارنيغي للشرق الأوسط
ترجمة نسرين ناضر |
|