التاريخ: كانون الأول ٢١, ٢٠١٨
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
انهيار محتمل للأهداف الأميركية في سوريا! - روزانا بومنصف
خلال زيارة مسؤول اميركي سابق الى لبنان في الاسابيع الاخيرة، لم يخفِ امام من التقاهم اعتقاده بان موضوع الانسحاب الاميركي من سوريا قد يكون خيارا موجودا على الطاولة، وان الامر قد يعود الى الواجهة على رغم القرار الاميركي المعلن في بقاء قوات اميركية شمال شرق سوريا، اذ ان هذا القرار كان اساسا في موقف الرئيس الاميركي دونالد ترامب في آذار من هذه السنة قبل ان يعاد النظر فيه بناء على حسابات المؤسسات الاميركية، اي وزارتي الدفاع والخارجية، فيتم ارسال بضع مئات من القوات الاميركية وُضِع هدف رئيسي لها هو هزيمة تنظيم "الدولة الاسلامية" وانهاؤه. لكن في الوقت نفسه تطور الموقف الاميركي ليغدو متعدد الاهداف وفق ما بذل المبعوث الاميركي الى سوريا جيمس جيفري جهوده في شرح ذلك خلال الاسابيع الاخيرة، وهو قال يوم الاثنين تحديدا، اي مطلع الاسبوع الجاري، في مؤتمر صحافي عقده في واشنطن، إن على جميع القوات البرية والقدرات الصاروخية الإيرانية أن تخرج من سوريا، وأن التواجد الإيراني يمثل تهديدا للولايات المتحدة وحلفائها وشركائها في المنطقة مثل تركيا والأردن وإسرائيل. وجدد جيفري التأكيد أن لدى الولايات المتحدة ثلاثة أهداف رئيسية في سوريا تتمثل في "إلحاق الهزيمة بتنظيم داعش، ورؤية نظام لا يؤدي إلى المزيد من المآسي الإنسانية، فضلاً عن إخراج القوات الإيرانية من هذا البلد". وعلى هذا الاساس يبدو قرار الرئيس الاميركي مفاجئا من حيث خلط الاوراق التي كانت حددتها وزارة الدفاع كما وزارة الخارجية في الولايات المتحدة نظرا الى القلق من فكرة الانسحاب من سوريا قبل التوصل الى حل سياسي ينهي الحرب ويمكن ان يسمح باحتمال عودة تنظيم "الدولة الاسلامية" كما حصل في العراق. ولعل المعارضة السريعة للقرار التي بادر اليها اعضاء جمهوريون في مجلس الشيوخ الاميركي تظهر حجم المفاجأة وتداعياتها، اذ قال السناتور الجمهوري ليندزي غراهام، المدافع الدائم عن الرئيس ترامب، إن أي قرار يتخذه الرئيس بسحب القوات الأميركية من سوريا سيكون "خطأ" محددا، او مستبقا ما يمكن ان يكون رد الفعل الذي يمكن ان تعتمده كل من روسيا وايران والنظام السوري، وحتى ما تبقى من تنظيم "الدولة الاسلامية".

فاعتبر غراهام ان الانسحاب سيكون انتصارا كبيرا لتنظيم "داعش" وإيران وبشار الأسد وروسيا، معربا عن خشيته من ان يؤدي ذلك إلى "عواقب مدمرة على أمتنا والمنطقة والعالم بأسره". ولاقاه في الموقف نفسه السناتور الجمهوري ماركو روبيو ايضا. كما كان رد فعل وزير الدفاع البريطاني لجهة عدم موافقته الرئيس الاميركي من ان تنظيم "داعش" انتهى معبّرا عن المفاجأة التي شكلها موقف ترامب عبر تغريدة له.

وعلى رغم الاهداف الاميركية المحددة سابقا للوجود الاميركي، فان مصادر ديبلوماسية تقول ان الاهداف الاخرى المتصلة بغير هدف انهاء تنظيم ما يسمى "الدولة الاسلامية" صعبة التحقيق، خصوصا ان القوات الاميركية في سوريا والتي يقارب عددها 2000 لا تعني ان الولايات المتحدة تملك القدرة على ارغام ايران مثلا على الانسحاب من سوريا، وهي تعول على روسيا ومساعدتها في هذا الاطار او على ارغام النظام السوري على الجلوس الى طاولة المفاوضات، وهو امر آخر تحتاج فيه الولايات المتحدة الى روسيا الرافضة للمقاربة الاميركية. لكن هذا الوجود الاميركي يبقى ورقة مهمة للضغط ولمساومة روسيا من اجل العمل مع الولايات المتحدة على تحقيق هذه الاهداف، علما ان لا اوهام فعلا حول القدرة على انجاز حل في سوريا في المدى المنظور بالنسبة الى المصادر الديبلوماسية على رغم وقف العمليات العسكرية في معظم الاراضي السورية. لكن المسألة ستكون مطروحة بالحاح على ضوء ضمان ألا يعود تنظيم "الدولة الاسلامية" في ظل اقتناع بان عاملين مؤثرين يمكن ان يغذيا هذه العودة هما استمرار وجود الرئيس السوري في السلطة على خلفية ان من حمل السلاح من المعارضة او من تحوّل الى ارهابي انما يتصل بهذه الفكرة، وكذلك الامر بالنسبة الى استمرار وجود ايران في سوريا. وستكون الاسئلة المطروحة حكماً على ارتباط بماهية الخطوات التالية المتعلقة بالتصدي للوجود الايراني في المنطقة. ولهذا صلة وثيقة مع حلفاء الولايات المتحدة في الدول العربية وحتى اسرائيل ما لم تتغير الاولويات الاميركية المتصلة بهذا الموضوع ايضا، علما ان اسرائيل يمكن ان تتسلم قيادة امورها بنفسها كما فعلت خلال الاعوام الماضية عبر توجيه ضربات الى مواقع ايرانية في سوريا. ومع ان اعتبار واشنطن منذ اشهر قليلة ان بشار الاسد لم يعد هو الهدف في سوريا ولم تعد تطالب برحيله، فان واشنطن ربطت وجودها في سوريا ايضا بالعمل على إحداث او فرض تغيير جذري في اداء الاسد والحكومة السورية من اجل منع تكرار الاسباب التي ادت الى الحرب في سوريا في حال استمرت الامور على ما هي، اي تسجيل بقاء الاسد من دون اي تغيير جوهري وفق ما تعمل روسيا وايران عبر رفض اظهار اي مرونة في اللجنة الدستورية لوضع دستور جديد. فحتى مع تأكيد الولايات المتحدة وجود قواتها، فان ممارستها ضغطا معينا وملموسا على روسيا كان محدودا فكيف في حال الانسحاب؟

هل يمكن اعتبار الانسحاب الاميركي عامل تغيير جوهرياً في المنطقة بناء على ذلك؟

سيكون كذلك على رغم رمزيته وسيفرض تداعيات على مستويات متعددة من بينها على الاقل، الى جانب احتمال انهيار الاهداف الاميركية المحددة لوجود القوات الاميركية في سوريا، التغيير المفاجىء بالنسبة الى الاكراد في الاعتماد على الحليف او الداعم الاميركي، وكذلك امكان التأثير في الموقف الاميركي بناء على تطورات في الموقف مع تركيا.