|
|
التاريخ: كانون الأول ١٨, ٢٠١٨ |
المصدر: جريدة النهار اللبنانية |
|
إلى كم حقيبة يحتاج لبنان من منطلق علميّ؟ دراسة استقرّت على 14 |
مجد بو مجاهد
تدفع بورصة مقترحات صيغة الحكومة العتيدة المتقلّبة، التي ارتفعت مؤشّراتها في غضون الأسابيع الأخيرة الى 32 مقعداً، قبل أن تستقرّ مجدّداً على الرقم 30، الى التنقيب العلمي عن المؤشّر الرقمي الذي ينعكس ايجاباً على الاقتصاد والتنمية. وتناولت "الدوليّة للمعلومات" هذه الإشكالية، في ظلّ الأزمة الحكوميّة المستمرّة، من خلال دراسة حديثة أجرتها وتطرّقت فيها الى إطار حجم القطاع العام. واستندت الدراسة الى معايير علميّة، أبرزها الحؤول دون تضارب مهمات الوزارات وقراراتها والحدّ من الهدر المالي. وصنّفت الدراسة الحقائب بين أساسية يبلغ عددها 21 وزارة، يضاف اليها مقعد رئاسة الحكومة، فيستقرّ عدد الوزارات الأساسية على 22. وتصنَّف المقاعد الوزارية المتبقية في خانة وزارات الدولة، ومن بينها التنمية الإدارية وشؤون مجلس النواب. وتوصّلت الدراسة الى استنتاج مفاده أن الوزارات الـ21 الأساسية تشكّلت لاعتبارات سياسية لا ادارية، ويمكن خفض عددها ليستقرّ على 14 وزارة. ويتمّ ذلك من خلال دمج بعض الوزارات ذات المهمات المتشابهة والتي تتمتع بمجال عمل متقارب أو مشترك، والغاء بعضها الآخر. ويمكن دمج وزارتي الثقافة والسياحة، ووزارتي العمل والشؤون الاجتماعية، ووزارتي التربية والتعليم العالي والشباب والرياضة، ووزارتي الاقتصاد والتجارة والصناعة. ويتوجّب إلغاء وزارة الاعلام وتعزيز دور مجلس الاعلام المرئي والمسموع فيتولّى مهماتها، واقفال ملفّ وزارة المهجّرين فإلغائها. ويستقر عدد الوزارات (مع الغاء وزارات الدولة)، والحال هذه، على 14 وزارة، مع ضرورة الحفاظ على منهجية عمل الوزارات الرئيسية كالمال مثلاً. ويساهم اتباع هذه الاستراتيجية في تعزيز القرار والحدّ من الهدر، مع امكان خفض عدد الموظفين في المدى البعيد بعد إلحاقهم بالوزارات المدمجة كمرحلة أولى. وتتولى وزارة واحدة، والحال هذه، إصدار القرار بدلاً من تشتّته بين أكثر من وزارة، ما يحدّ من تضارب المهمات ويخفّف العبء على القطاع العام في المدى البعيد.
واذا كانت هذه الدراسة تعتبر غير قابلة للتنفيذ في لبنان في ظلّ الاتجاه نحو توسيع الدولة وسيطرة القرارات السياسية، فإن عدد الوزراء والحقائب كان محدوداً في مرحلة ما قبل الحرب اللبنانية. وقد شُكّلت الحكومة الأولى في عهد الرئيس بشارة الخوري من 6 وزراء شغلوا 14 حقيبة من ضمنها رئاسة الحكومة ونيابة الرئاسة. ووصل عدد الوزراء في حكومة الرئيس حسين العويني في شباط 1951 الى 3 وزراء فقط بمن فيهم رئيس الحكومة نفسه الذي شغل منصب وزير الدفاع والداخلية والخارجية والمالية، اضافةً الى الوزيرين بولس فيّاض وادوار نون.
ويقول المؤرّخ الدكتور عصام خليفة لـ"النهار" معقّباً، إن "مرحلة الأزمات كانت تشهد تشكيل حكومة من أقطاب. وهؤلاء الأقطاب، على سيئاتهم، تولّوا الحكم في فترات لم تشهد فيها الدولة فلتاناً، خصوصاً في فترة حكم الرئيس فؤاد شهاب الذي أسس مجلس الخدمة المدنية، وكانت الرقابة تتسيّد الموقف، مع ظلال فريد الدحداح في الادارة الذي لم يكن حتى شهاب نفسه يتجرأ أن يتحدّث اليه. وكانت الادارة مبنية على التوازن والصّرامة والكفاءة". ويشير الى أن "التوازن هو موقف علماني في هذه الفترة، اذ لا يمكن استبعاد أي مكوّن، ولا بد من استقطاب كفاءات من كافة الطوائف، وهذه فلسفة الرئيس شهاب الذي صهر الكفاءة مع التوازن، وهذا هو روح الميثاق اللبناني. فما فعله أجدادنا سنة 1938 في منزل يوسف السّودا لا يمكن انتقاده".
دستورياً، ليس ثمّة نص في الدستور يتطرق الى عدد الوزراء. ويتعلق النص الدستوري الوحيد بالمناصفة في عدد الوزارات بين المسلمين والمسيحيين، وفق ما يقول الوزير السابق زياد بارود لـ"النهار"، مشيراً الى أن "المقاربة ليست دستورية بقدر ما هي سياسية، إذ يزيد عدد الوزارات ولا ينقص، بحسب رغبة بعض القوى السياسية، ولإجراء تسويات تتعلق بالطوائف والحصص". تكمن الخطوة الأولى التي لا بد من اتباعها في رأي بارود، في "اقتصار الحكومة على وزارات مع حقائب. ويمكن دمج، في شخص وزير واحد، أكثر من وزارة، اذا كانت هذه الوزارة تحتمل ذلك، خصوصا أن الجهد ينكب عمليا على مستوى المديرين العامين أكثر منه على صعيد الوزير الذي لا يعدو كونه منصبا سياسيا. ويوفر الدمج على خزينة الدولة، ذلك أن الوزراء يحصلون على تعويضات خلال فترة توليهم مهماتهم الوزارية، ودفع رواتب لعشرين وزيرا يختلف عن تسديدها لثلاثين. ويمكن دمج عدد من الوزارات أيضاً". ويقول إن "رفع عدد الوزارات الى 32 اقتراح ينطوي على مخاطر وهو خيار غير مجد على مستوى الإدارة وترشيد الإنفاق لبلد بحجم لبنان".
ويساهم تقليص عدد الوزراء، في رأي بارود، في "تحقيق دينامية أكبر على مستوى مجلس الوزراء، على قاعدة أن النقاش بين 30 شخصاً ليس كالنقاش بين 20، فضلاً عن تخفيف الأعباء المالية الناتجة من تعويضات الوزراء". ويستدعي المرور بفترة اقتصادية دقيقة "شد الحزام الذي يبدأ من اعلى هرم الدولة، الذي هو مجلس الوزراء على مستوى السلطة التنفيذية".
ويلفت الى أن "مبدأ حكومة الوحدة الوطنية يتعارض مع مبدأ الرقابة. وتكمن المشكلة في تحوّل الحكومة إلى مجلس نواب مصغّر. ومن المؤسف عدم اختيار وزراء من خارج النادي النيابي، فلا يستطيع مجلس النواب أن يناقش سياسة حكومة منبثقة منه بشكل شبه مستنسخ". ويخلص الى أن "تمثيل الموالاة والمعارضة داخل الحكومات أمر غريب. تكمن أهمية حكومة الوحدة الوطنية في فترات الأزمة الكبيرة في البلد للتمكن من انقاذه، لكن يجب ألّا يتحوّل هذا الاستثناء إلى قاعدة". |
|