|
|
التاريخ: كانون الأول ١٣, ٢٠١٨ |
المصدر: جريدة النهار اللبنانية |
|
عرضت واشنطن بقاء روسيا في سوريا وإخراج إيران منها فرفضت - سركيس نعوم |
عن الوضع الإقليمي الدولي تفيد معلومات الجهات المُطّلعة نفسها أن أميركا ترامب اقترحت على روسيا بوتين بقاءها في سوريا سياسيّاً وعسكريّاً وقواعد بحريّة وجويّة وإشرافاً على الجيش السوري، لكنّها اشترطت عليها أن تخرج إيران من سوريا سياسيّاً وعسكريّاً، وبذلك تحفظ مصالحها الحيويّة والاستراتيجيّة في الأخيرة فضلاً عن الدور الواسع المُستعاد. إذ أنّها لم تتدخّل عسكريّاً في سوريا لإنقاذ الأسد ونظامه من الانهيار عام 2015 بل لأن لها مصالح معيّنة تريد إحياءها والمحافظة عليها. فضلاً عن أنّ النظام في طهران لم يستنجد بها في سوريا بعدما عجز "حزب الله" حليفه بل إبنه على الاستمرار في إبقائه رغم سنتين من القتال المر والتضحيات الجسيمة، إلّا أن مصلحتها الاستراتيجيّة كانت الدافع إلى الاستنجاد. وقد أثمر علاقة عمل جيّدة لم تصل حتّى الآن إلى درجة التحالف، وقد لا تصل يوماً إليها لأسباب متنوّعة معروفة. وبقاء القوّات الإيرانيّة في سوريا يعني أوّلاً إتاحة الفرصة للأسد لاستخدام طهران وموسكو من أجل استعادة بعض من قرار بلده الذي استولت عليه الأولى في البداية ثم شلّحتها قسم مُهمّ منه الثانية في وقت لاحق. وفي أجواء كهذه لا يمكن التكهّن بتطوّر الأمور. وبقاؤها في سوريا يعني ثانياً استمرار ما تعتبره إسرائيل تهديداً استراتيجيّاً لهما، وهذا ما لا ترضاه روسيا صاحبة العلاقة الجيّدة جدّاً مع إسرائيل والتي تصل أحياناً إلى درجة التحالف.
طبعاً، تستدرك الجهات المُطّلعة نفسها، لا تمانع روسيا في إخراج إيران من سوريا أصالة ووكالة ولا سيّما عسكريّاً، بل ربّما تُرحِّب به. لكنّها حريصة في الوقت نفسه على أن لا يتسبّب ذلك بضرب علاقة العمل الجيّدة معها (أي إيران) التي أنتجت إلى التدخّل العسكري في سوريا تعاوناً ثنائيّاً حقّق مكاسب مّهمّة للدولتين. فروسيا مدّت دورها الإقليمي إلى إيران التي لم تكن علاقتها معها جيّدة، كما وسّعته بحيث وصل إلى دول الخليج العربيّة رغم استمرار تحالفها مع أميركا واعتمادها عليها للحماية والتسلّح وما إلى ذلك. ولهذا السبب فإنّها لا تريد إخراج إيران بالقوّة من سوريا رغم قدرتها على ذلك تلافياً لعودة العداء معها وتالياً لخسارة المكاسب الكبيرة التي حقّقتها من خلالها. وإخراجها سلماً أمراً ليس سهلاً ولا قريباً لأن نظامها المُتشدّد الذي ربّما أصيب، بعد حصوله على "الاتفاق النووي" وانتصاره في معارك عدّة داخل سوريا، بغرور القدرة ونشوة الانتصار يحتاج إلى وقت كي يعود إلى التعقّل والحكمة وإلى البراغماتيّة التي اشتهر بها من قديم الزمان. وربّما توفّر له عقوبات ترامب القاسية جدّاً وامتناع بوتين عن تغطيته على نحو شامل خوفاً من طموحاته اللّامحدودة المجال لإجراء تقويم دقيق لمرحلة التفاوض على "الاتفاق"، ولمرحلة الخلاف بين طرفَيْه الرئيسيّين (واشنطن وطهران) بسبب عدم وفاء الثانية بالوعود واندفاعها في تنفيذ مشروعها التوسُّعي في المنطقة، وللمرحلة الراهنة وما بعدها التي لن تكون سهلة إذا بقي ترامب قويّاً ونجح في مقاومة أعدائه داخل أميركا و"الاستبليشمانت" فيها أي الدولة العميقة، أو إذا أُضعِفَ فأُخرِجَ شرط أن تسود التقويم الموضوعيّة وأن تعقبه استراتيجيا جديدة تحفظ مصالح شعب إيران ونظامها، إذ أن أحداً لا يريد تغييره أو دفع كلفة تغييره، وتحفظ في الوقت نفسه مصالح الدول الأخرى في المنطقة كبيرة كانت أم صغيرة. انطلاقاً من ذلك تقول الجهات المُطّلعة نفسها أن روسيا لم تتجاوب مع العرض الأميركي المذكور أعلاه لأسباب أُبديت ولسبب آخر مُهم بدوره هو أن مشكلات موسكو وواشنطن لا تقتصر فقط على سوريا وعلى إيران وطبعاً على إسرائيل ومصالحها. فأوكرانيا مشكلة مُعقّدة بينهما في ذاتها وخصوصاً بعدما فرضت الولايات المتّحدة ودول أوروبيّة على روسيا عقوبات قويّة جرّاء تدخّلها في الصراع الداخلي على السلطة داخلها ومحاولتها إبقاء جماعاتها في السلطة في كييف، وأيضاً جرّاء احتلالها شبه جزيرة القرم الأوكرانيّة بعد فشل المحاولة، ومدّها أنصارها في هذه الدولة بالسلاح والخبرة والعسكر كي تمكّنهم من إقامة حالة انفصاليّة في البلاد. لذلك لن يتجاوب بوتين مع البيت الأبيض أيّاً يكن سيّده ما لم تُرفع هذه العقوبات وما لم تحلّ هذه المشكلة على نحو يريحه. والدرع الصاروخيّة التي تنشرها أميركا في الدول الأوروبيّة الشرقيّة المُتاخمة لروسيا، التي كان بعضها جزءاً منها يوم كانت اتحاداً سوفياتيّاً، مشكلة لا بُدّ من حلِّها بين الدولتين. وضمّ هذه الدول أو بعضها إلى حلف شمال الأطلسي مشكلة ثالثة. كما أن تسليح جيوش هذه الدول ونشر قوّات عسكريّة أميركيّة وأخرى أطلسيّة فيها يُشكّلان مشكلة رابعة. وقبل حلّها كليّاً أو جزئيّاً لن ترى موسكو مصلحة لها في إراحة أميركا من "عدوانيّة" إيران في رأيها ومن "تخريبها" للشرق الأوسط وحلفائها فيه كما للعالم. ويعني ذلك في اختصار بقاء هذه الدولة في سوريا الآن وفي شرق المتوسّط وليس "إلى الأبد" وإن مع قيود معيّنة تحدُّ من خطرها على اسرائيل في الدرجة الأولى. ويعني أيضاً بقاء الأسد ونظامه إلى أن تسمح الظروف والمصالح بإدخال سوريا وأزمتها مرحلة الحل. علماً أن طاقم الرئيس الأميركي اليوم صار مُقتصراً على الصقور وهم وزير خارجيّته مايك بومبيو الذي يخلو الجوّ له إذا أُخرِجَ وزير الدفاع جون ماتيس من موقعه، ومستشاره جاريد كوشنِر، ومستشاره لشؤون الأمن القومي جون بولتون، وجيمس جيفري المُكلَّف شؤون سوريا، وهوك المُكلّف شؤون إيران. هذا الواقع يُقلق الكثيرين في العالم رغم معرفتهم أن ترامب عاد إلى الشعور بالخطر على موقعه الحالي أو على البقاء فيه ولاية ثانية نتيجة ما تسرّب من مُعطيات ومعلومات عن المدى الذي بلغه مولر المُحقِّق الخاص في تحقيقه والذي بات يُشكِّل تهديداً فعليّاً له. |
|