| | التاريخ: كانون الأول ٦, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة الحياة | | عن أوهام المصالحة - محمد عبدالعزيز منير | شهدت الأدبيات السياسية في السنوات الأخيرة ترويجاً لمفاهيم محددة بهدف تحقيق أهداف معينة ترتبط عادة بمشاريع تتقاطع فيها مصالح دولية وإقليمية مختلفة. وغني عن البيان أن هذه المشاريع لا تهدف إلا لتحقيق مصالحها الخاصة من دون اعتبار لمصالح الدول والشعوب التي تتخذ أرضية لوضع تلك المشاريع موضع التنفيذ.
من بين المفاهيم الأكثر انتشاراً مفهوم الشمول السياسي الذي جرى سكّه وتطويره في ظروف محددة ارتبطت بدول تسودها تقسيمات إثنية قاطعة نتجت منها حروب أهلية وصدامات عرقية جعلت وجود الدولة ذاته محل تساؤل، حيث انهارت المؤسسات السياسية وانعدم الأمن وظهرت الميليشيات المسلحة التي تمارس القتل على الهوية وغيرها من الفظائع . وقد صحبت ذلك انعكاسات إقليمية على دول الجوار بحكم ما لهذه الامتدادات الإثنية من روابط عابرة للحدود.
كان من الطبيعي إذن أن يظهر مفهوم الشمول السياسي باعتباره الملجأ لإسكات الحروب الأهلية وضمان المشاركة السياسية لكافة عناصر المجتمع وضمان حق الأقليات في الحصول على تمثيل يحول دون خروج هذه الأقليات من المعادلة السياسية والاجتماعية. وعلى رغم أن تطبيق هذا المفهوم قد واجه العديد من الصعوبات التي ترتبط بحجم ونسبة التمثيل وغيرها من الحساسيات التي ترتبط بمحاولة إعادة بناء مفهوم الدولة ذاته إلا أن مفهوم الشمول السياسي تحول في أحيان أخرى إلى مصطلح يراد به التغطية على مشاريع سياسية فشلت على أرض الواقع.
الخطورة الحقيقية هنا أن ترفع لافتة الشمول السياسي بهدف تمرير فكرة المصالحة مع فصائل سياسية لفظتها الشعوب بعدما أثبتت التجربة أن الخلط الذي تمارسه هذه الفصائل بين الدين والسياسة لا يهدف إلا لتحقيق أهداف سياسية تستمد مرجعيتها من إضفاء القداسة على المشروع السياسي بحيث تتماهى الحدود بين ما هو ديني وسياسي، وتراهن هذه الفصائل على أن استخدام سلاح الدين لإقناع العامة لا يزال يؤتى ثماره في كثير من الأحيان.
تحاول هذه الفصائل المدعومة إعلامياً واقتصادياً وسياسياً من أذرع إقليمية وقوى دولية أن تعود للواجهة مرة أخرى وبعد وقت قصير جداً من الفشل الذريع لتجاربها من خلال المزج الفريد بين عدد من المتناقضات من بينها الاستخدام المكثف والمستديم لسلاح الإشاعات على رغم أن الإفراط في استخدام مثل هذا السلاح يشير في الحقيقة إلى حالة من الانفصال عن الواقع، إضافة إلى التظاهر بالهجوم على القوى الغربية على رغم الدعم غير المسبوق الذي تحظى به هذه الفصائل في الغرب، وعلى رغم ما ظهر من دلائل على أن هذه الفصائل تعد حاضنة سياسية واجتماعية للإرهاب.
عانت شعوب المنطقة كثيراً من استخدام الدين كسلاح لتحقيق أهداف سياسية على حساب طموحات وأحلام الجماهير التي ظن أغلبها أن الرخاء يمكن أن يتحقق إذا وصلت هذه الفصائل للحكم، وظل الرهان على ذلك عقوداً عدة إلى أن ثبت بالتجربة فشل هذه المقولة الخائبة، فالرخاء لا يتحقق إلا بالعمل وفق معايير وتضحيات حقيقية وليس شعارات زائفة، ومحاولة خلط المفاهيم وتمرير شعارات المصالحة هي محاولة محكومة بالفشل مسبقاً ليس فقط بحكم التجربة المريرة ولكن بحكم أن اتخاذ مثل هذا القرار هو في يد الشعوب فقط لأنها وحدها التي دفعت الثمن.
| |
|