|
|
التاريخ: كانون الأول ٤, ٢٠١٨ |
المصدر: جريدة النهار اللبنانية |
|
دور الحكومات العربية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030 - زياد عبد الصمد |
صدر إعلان الامم المتحدة حول التنمية المستدامة في القمة العالمية التي انعقدت في مقرّ الامم المتحدة في نيويورك في 25 أيلول 2015. وقد تضمن النص الإعلان السياسي الذي يقدم مفهوم التنمية بالارتكاز الى المقارية الحقوقية والعدالة والمساواة، وخطة عمل 2030 والتي وافقت عليها كافة الدول الأعضاء،
قبل الدخول مباشرة في الموضوع أتوقف قليلاً عند الاعلان السياسي.
لقد أضاء الاعلان على نقطتين أساسيتين:
أولا: أكد الاعلان على الدور الرئيسي للحكومات في تحقيق النمو الاقتصادي المضطرد الشامل والمستدام مع العلم بان التنمية هي عملية متكاملة تبدأ من الانسان وتنتهي عنده وهي تتطلب انعكاس النمو المحقق في نوعية الحياة ورفاهيتها مع المحافظة على حقوق الاجيال المستقبلية
ثانيا: لقد ركز الاعلان السياسي على خمسة محددات اعتبرها أساسية للتنمية المستدامة : الازدهار، السلام، الكوكب، الناس، الشراكة،
وهي أبعاد لو تمعنّا فيها لوجدنا أنها تحدد أبعاد التنمية المستدامة الخمسة: الاقتصادي والاجتماعي والبيئي فضلاً عن السياسي من حيث الشراكة والحوكمة كشرطين ضرورين لتحقيق التنمية والثقافي حيث أن تطوير المعرفة والتقدم التقني والبحث العلمي هي شروط ضرورية لتحقيقها ايضا
إذن فالسؤال المطروح: ما هو النموذج التنموي الجديد الذي يجب اعتماده لتحقيق أهداف التنمية المستدامة
ولكن في البداية، ومنعاً من تكرار الأخطاء وتوخياً للتعلّم من التجارب السابقة، لا بدّ من الإعتراف بمسألتين:
أولاً : النماذج التنموية التي اعتمدت سابقاً لم تحقّق الأهداف المنشودة وأسباب ذلك لا تكمن فقط في الجوانب السياسية والقنية والمالية ولكنها بنيوية في الأساس وتكمن في طبيعة النموذج التنموي الذي اعتمد أولاً عندما ركّز على دور الدولة المطلق ومن ثم اعتمد على تفاهم واشنطن الذي اقترح تطبيق سياسات التكيّف الهيكلي (أي الانتقال من الدور المطلق للدولة الى اللا دولة بالكامل)
هل يمكن إعتماد نموذجٍ ثالث لدور الدولة في التنمية مع إعطاء فرص للقطاع الخاص والمجتمع المدني؟
ثانياً : لا يوجد نموذج تنموي واحد يُعتمد في كل الدول العربيّة، فلكل دولة خصوصيّتها السياسيّة والثقافيّة وطبيعتها الاقتصاديّة والاجتماعيّة ومواردها الطبيعية والبشرية
ولكن هناك سمات عامة مشتركة يمكن أن تشكّل إطاراً توجيهياً يساهم في تطوير نماذج ملائمة لكل دولة
فما هي هذه العناصر المشتركة؟
أولاً: المقاربة الحقوقية: وهي تعني أن تكون معايير حقوق الانسان ملزمة لاسيما عندما يتعلق الأمر بالشرعة الدولية وبالعهدين الدوليين وما تلاهما من اتفاقيات وافقت دولُنا وصادقت عليها
المقاربة الحقوقية لا تقبل الانتقائية في الحقوق ولا التمييز بين أصحاب الحقوق وهي تشكّل التزام الدولة وعليها تحقيقها
ثانياً: واستكمالاً للنقطة السابقة الحق في التنمية هو إعلانٌ صدر عن الامم المتحدة وجاري حالياً التفاوض لتحويله الى اتفاقية دولية ملزمة.
ويعتبر إعلان الحق في التنمية أنها حقٌ وإلتزامٌ لا بدّ من إعماله وأن المقاربة الحقوقية الشاملة تأخذ بالاعتبار الخيارات وتعمل على تحقيقها وتقييمها لاحقاُ وتطويرها
ولعل أبرز ما يؤكّد عليه إعلان الحق في التنمية هو الحق في تقرير المصير أي الحق في اختيار النموذج التنموي الملائم الذي يوسّع خيارات الناس ويساوي بينهم في الفرص وليس فقط في الدخل والعائدات.
ثالثاً: الشراكة وهي الاستخدام الأمثل لكل الموارد والطاقات المتوفرة في المجتمع بشكل متسق ومتناغم. إن الشراكة تعني الالتزام بالمساواة ومبادئ المساءلة والمسؤولية المتبادلة وبملكيّة الرؤية والخيارات والسياسات والبرامج وهي تعني أيضا مشاركة كافة شرائح المجتمع من مجتمع مدني وقطاع خاص الى جانب القطاع العام.
وإذا كانت الشراكة بين القطاعين العام والخاص قد حددت في إطار قانوني ينظّمها فمن الحري أن تُعتمد شرعة للشراكة بين المجتمع المدني والقطاع العام تتضمّن تعريفاً مشتركاً للمجتمع المدني وتصنيفاً لمؤسساته والمعايير التي تحدّد أطر وأشكال الشراكة وأهدافها وآليات تقييمها وتطويرها.
رابعاً: النموذج التنموي الجديد يتطلّب تحليلاً للقضايا الأساسية والبرامج والوسائل التنفيذية وعلى رأسها:
1- سياسات الاقتصاد الكلي التي تحدد الواردات والنفقات العامة والانتقال من مقاربة النمو الاقتصادي إلى التنمية حيث يكون الانسان محورها الاساسي أي هو صانعها وهو يستفيد من عائداتها.
2- الانتقال من إقتصاد الريع العقاري والمالي والاستخراجي إلى الاقتصاد المنتج من خلال وضع سياسات التصنيع التي تساهم في بناء إقتصاد وطني حقيقي وتعزّز القطاعات الإنتاجية الأساسية لا سيما الزراعة والصناعات الحرفية والغذائية والخدمات وتطوير البحث العلمي والتقني لخدمة هذه القطاعات واتطويرها.
3- وهذا يتطلب إعادة النظر بآليات الانضمام الى النظام الاقتصادي العالمي وتحديد الاولويات لاسيما التجارة والاستثمار الاجنبي والاطار القانوني الذي يرعاه والملكية الفكرية والمناقصات العموميّة والسياسات المالية والنقدية بما يعزز المنافسة ويحافظ على المرونة الضرورية لوضع السياسات العامة وتطويرها، خاصة في هذه المجالات التي تعتبر البنية التحتية الضرورية للاقتصاد الكلي.
4- تفيد تجارب دول عديدة نهضت باقتصادها من مراتب دنبا الى مستويات مرتفعة عالمياً (اليابان، كوريا الجنوبية، سنغفورا في آسيا وبعض الدول الافريقية) حيث كان للدولة دورٌ أساسي في تحفيز وتطوير الاستثمار في بعض القطاعات الاستراتيجية ودعم القطاع الخاص الوطني وتعزيز المنافسة من خلال لجم الاحتكارات والوكالات الحصرية.
خامساً: سياسات التوزيع وإعادة التوزيع والتي تحتل مكانة خاصة في النموذج التنموي الجديد وهي ذات ركائز ثلاث أساسية:
1- النظام الضريبي وهو ليس نظاماً جبائياً فحسب لا بل هو أداة لتحفيز الاستثمارات وتوجيهها ودعمها وتشجيع القطاعات الانتاجية ذات العمالة الكثيفة والقدرة التنافسية وهو أداة لإعادة التوزيع وتحقيق العدالة والمساواة ولتعزيز المواطنية من خلال المساءلة والمحاسبة
2- الحماية الاجتماعية وهي من دعائم نظام التوزيع ولا تعتبر عبءً على الدولة أو على القطاع الخاص لا بل وسيلة لتطوير الموارد البشرية صحياً وتعليمياً ورعائياً بما يعزّز مشاركتها في الانتاج وتحريك الاقتصاد
3- سياسة الاجور وهي العماد الثالث للتوزيع من خلال دورها في معالجة التفاوت واللاومساواة التي تسبب الاضطرابات الاجتماعية وتعزّز القدرات الاستهلاكية الضرورية لتحفيز الاقتصاد والانتاج وتعزيز التنافسية.
سادساً: معالجة مسألة المديونية العالية والتي تتسبب بعجز في المالية العامة ما يؤدي الى المزيد من المديونية وفرض الضرائب وتقليص الانفاق الاجتماعي ما يتعارض مع النموذج التتنموي.
وهنا لا بد من الاجابة على سؤال حول ما هو الأسلوب الأنجع لمعالجة التحديات؟ هل يتم اللجوء إلى التقشّف وتقليص الانفاق الاجتماعي وزيادة الاعباء الضريبية أم إلى توسيع الاقتصاد لمعالجة الأزمات بشكل عادل وتوزيع أعباء التكلفة على مختلف الفئات الاجتماعية؟ على أن يترافق الخيار الثاني مع تدابير صارمة لمكافحة الفساد البنيوي ووقف الهدر في الموارد والطاقات.
سابعاً: التعاون الاقليمي العربي وهو ضرورة ملحة لمواجهة التحديات والذي يتطلب العمل على المستويات التالية:
1- الامن والاستقرار وحل النزاعات بطريقة سلمية مع احترام حقوق مختلف الفئات المعنية، وهذا يساهم في تحصين الجبهة الداخلية من خلال تعزيز المساواة والديمقراطية وصيانة الكرامة الانسانية.
2- التعاون من أجل تعزيز وبناء القدرات الانتاجية في التركيز على القطاعات الاستراتيجية والانتاجية الموجهة إلى الأسواق المحليّة والاقليمية وذات الكفاءة العالية والعمالة الكثيفة والقادرة على المنافسة وتطوير سياسات التجارة والاستثمار البينية العربية من أجل دعم القطاعات المنتجة وتعزيز خلق سلاسل القيمة الاقليمية.
3- معالجة آثار النزاعات المسلحة لاسيما موضوع اللاجئين والنازحين حيث تحتوي المنطقة على أكبر عدد من اللاجئين والنازحين قسراً بفعل النزاعات المسلحة وهذا يتطلب استراتيجيات لتوفير شروط عودتهم الآمنة والكريمة الى ديارهم الاصلية.
4- وضع استراتيجيات اقليمية لاعادة الاعمار في الدول التي طالتها النزاعات المسلحة والاحتلالات والدول المجاورة مع ايلاء الاولوية لتشغيل القوى العاملة المحلية واعادة ترميم النسيج الاجتماعي الذي تضرر خلال فترة النزاعات على ان تكون ورشة اعادة الاعمار فرصة للمصالحة والاندماج والتطوير والتنمية المستدامة.
5- معالجة آثار ما يُعرف بإقتصاد الحرب وما نجم عنه من نشوء شبكات للتجارة غير المهيكلة (غير النظامية) كالاتجار بالسلاح وفي المخدرات وفي البشر ومحاربة الفساد بكافة اشكاله والتهرب الضريبي والتدفقات المالية الخارجية وتعزيز الشفافية.
6- وضع إستراتيجيات لخلق فرص عمل لائق خاصة في قطاعات الانتاج والتكنولوجيا الجديدة وتطوير الموارد البشرية وتأهيلها لمعالجة ازمة البطالة لاسيما عند الشباب.
7- تطبيق مبادئ فعالية المساعدات في اطار المساعدات العربية التي تستطيع ان تساهم في تخفيض الاعتماد على التمويل الخارجي من مساعدات مشروطة وديون تثقل موازنات الدول.
8- إعتماد سياسات شبابية دامجة تساهم في انخراطهم في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية.
9- تطوير سياسات وبنية تشريعية تعزز ثقافة المساواة الجندرية وتحمي حقوق المرأة في مختلف المجالات لا سيما المدنية والسياسية والثقافية.
10- حماية الطفولة والطفولة المبكرة من الاستغلال والتمييز.
11- حماية ذوي الاحتياجات الخاصة والذين باتوا يشكلون 15 % من المجتمع أي ما يوازي الـ50 إلى 60 مليون إنسان من خلال حماية حقوقهم.
مسألة وجودية
تمرّ المنطقة العربية، دولاً وشعوباً، بمفترق خطير. فالتنمية لم تعد خياراً لا بل واجباً وضرورة لإنها باتت مسألة وجودية وملحّة يتوقف على نجاحها أو فشلها مصير المنطقة ومستقبلها.
لذلك لا بد من العمل على بناء دولةٍ حديثةٍ قادرة على تحمّل أعباء الإنتقال إلى النموذج الجديدد وعلى صياغة شراكات محلية مع القطاع الخاص والمجتمع المدني وعالمية من خلال تطوير شراكة متكافئة مع المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية.
"شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية" |
|