التاريخ: كانون الأول ٤, ٢٠١٨
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
التلاعب بالنهر وشعوب حوض النيل - حمدي هاشم
يجري نهر النيل برافديه، ليصب في البحر المتوسط، بنسبة (85%) للنيل الأزرق من الهضبة الإثيوبية (بحيرة تانا)، ويستكمل النيل الأبيض بقية المياه من الهضبة الاستوائية (بحيرة فيكتوريا)، ويقوم عائق السد العالي بتخزين حصة المياه التاريخية لدولتي المصب (84 مليار م3). وعلى ذلك يكون تأثير مشروعات الهضبة الإثيوبية والسودان بنسبة (90%) على مصر، أما تأثير مشروعات الهضبة الاستوائية فلا يشكل سوى (10%) على حصة كل من مصر والسودان.

سرعان ما تعود المياه بعد مرحلة تحويل المجرى لمسارها الطبيعي، ولكن يبقى الأثر الأعظم في احتجاز المياه لملء خزان السد، والتأثير المباشر على حصة المياه بالدول خارج الحدود، بينما يتوقف مقدار النقص في المياه بدول المصب ـ بعد دخوله الخدمة ـ على سياسة تشغيل السد لإنتاج الكهرباء وتلبية احتياجات الاستخدامات الأخرى. ولا تستطيع السدود العملاقة على نهر النيل وروافده حبس المياه عن دولة من دون أخرى، ولكن يظهر أثرها الجلي على تدفق المياه دون مستواها قبل بناء السد.

يقترن تأثير سد النهضة بهبوط متوسط نصيب الفرد في مصر دون خط الفقر المائي (1000 م3) إلى حوالى (350 م3) في سنة (2052م)، بدلالة العلاقة بين حصة مياه النهر الثابتة وسيناريوات الزيادة السكانية المستمرة، علاوة على محدودية المياه وتواضع المخزون الجوفي غير المتجدد بالصحراء الغربية وارتفاع تكلفة التحلية وزيادة الفجوة الغذائية إلى نحو (10 مليارات دولار) في الوقت الراهن.

وهناك الكثير من التأثيرات الجسيمة لسد النهضة على أرض مصر وشعبها، مما يؤكد ضرورة الأخذ في الاعتبار تقدير حجم التأثير البيئي التراكمي لكافة مشروعات السدود بامتداد حوض النيل، وليس الاعتماد فقط على دراسة تقويم الأثر البيئي لبناء هذه السدود على مستوى الموقع بدولها دون الدول ذات العلاقة المصيرية بمياه النهر.

وكذلك الشكوك حول بناء ذلك السد على الحدود الإثيوبية السودانية (قبل دخول النيل الأزرق أراضي السودان بنحو 12 كم)، وطبيعة صخور المنطقة وذلك الفقد المائي الكبير في التربة بين الشقوق والأخاديد قبل أن تصل البحيرة لمنسوب التخزين الميت، وإن طبيعة الجبال في إثيوبيا مؤهلة لتوليد الكهرباء من توربينات عند القيعان بالاستفادة من فرق المنسوب وكمية تساقط المطر، وكذلك المنطقة المحيطة بالسد وعدم صلاحية التربة فيها للزراعة، وعليه قد يكون هناك اتفاق سري مع إثيوبيا لاستخدام ذلك المحبس المائي للضغط على دولتي المصب لتوصيل المياه لإسرائيل.

اقترب تشغيل سد النهضة، بإعلان قمة أديس أبابا (فبراير 2018م)، وانتهت المباحثات الثلاثية بين إثيوبيا والسودان ومصر إلى ملء خزان السد خلال ثلاث سنوات، بواقع (15 مليار م3/ سنة)، وكان عرض مصر (سبع أو عشر سنوات) لتقليص العجز المائي والتقليل من حجم الخسائر البيئية، بعد تنازل دولتي المصب عن حصة مياه ملء الخزان، والتي تكافئ استهلاك زراعة محصول الأرز.

لم تتعهد إثيوبيا بالحفاظ على تدفقات النيل الأزرق عند نفس مستوياتها نفسها قبل بناء السد، الأمر الذي قد يؤثر على حصة مصر ويزيد من كمية المياه المحجوزة لملء الخزان. بل طالبت إثيوبيا مصر وقف زراعة الأرز والاعتماد على الاستيراد، بالتضامن مع البنوك الدولية للتعويض عن هذه المياه، وأجلت إثيوبيا دفع ذلك الثمن حتى تتمكن من تحصيل فاتورة بيع الكهرباء من سد النهضة. فهل ستفي إثيوبيا بوعودها وهل ستتعرض مصر للعطش؟

هنا يذكرنا التاريخ بوعد البرتغاليين لملك الحبشة بعد فشل الحملة الصليبية على شبه الجزيرة العربية (1513م)، بتغيير مجرى النهر ليصب في البحر الأحمر بدلاً من البحر المتوسط، من أجل تعطيش مصر، وذلك في أثناء مدة حكم المماليك؟ ولا زالت إسرائيل تتلاعب بالنهر وشعوب حوض النيل!!

باحث مصري