التاريخ: تشرين الثاني ٢١, ٢٠١٨
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
المرأة في "حزب الله" هي أم الشهيد فقط! - سلوى فاضل
عندما طرح الرئيس نبيه بري اسم الدكتورة عناية عزالدين كوزيرة، خمّن جمهور حزب الله ان الحزب سيبادر الى المزايدة، ويعلن اسم نائبة ضمن لوائحه الانتخابية، الا ان الصدمة كانت عبر اعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله قرار الحزب عدم السماح بمشاركة "نسائنا في العمل النيابي" على حد قوله. فخديجة حرز، المُقاتلة ضمن أطر "فتح" سابقا، والتي أُسرت في معتقل "أنصار" الشهير، لم تجد مكانا لها داخل الحزب الذي انتمت إليه، وعملت ضمن مؤسسة "الشهيد" طويلا، ولم تظهر عبر إعلام الحزب الا عندما استشهد ابنها خلال عدوان تموز 2006، رغم تاريخها النضالي الطويل.

لم يُعطِ أيّ حزب لبناني دورا لنسائه، بالقدر نفسه او بجزء من تركيبته، ضمن أطره السياسية او التنظيمية، كما أفسح للرجل. حتى الأحزاب التي اتكلت بشكل كبير على العنصر النسويّ فيها، أو الاحزاب اليسارية التي اعتبرت المساواة الجندرية من ضمن ثقافتها.

بداية، حزب الله، الحزب الديني بمفاصله كافة، ومنذ نشأته في ثمانينيات القرن الماضي، يغرز في عقول جمهوره قدسيّة الشهادة. بحيث أوجدها في عمق الثقافة التي يبّزها لجمهوره في خطابه ككل واستخدمها كجواز مرور الى منازل العوائل الشيعية. فمنذ لحظة اعلانه خبر استشهاد عنصر من عناصره، تتخصص فرقة نسائية تسمّى (الهيئات النسائية)، وهي عبارة عن مجموعة من أمهات أو زوجات شهداء، بزيارة بيت الشهيد. وبهذا، تشكّل نساء حزب الله سلطة قوية في البيئة الشيعية التي كانت فيما مضى ضعيفة لناحية نسائها مؤسساتيا، فباتت نساؤها أقوى من رجالها، على حد قول المفكر كريم مروّة في أحد اللقاءات الثقافية ببيروت.

من هنا، استفاد حزب الله من نسوته "الحديديات"، لأنهن خبِرنَ مواجهة الاحتلال في مراحل سابقة لعام 2000.

وكانت الباحثة دلال البزري قد تناولتهن بكتابها "أخوات الظلّ واليقين" ركزت فيه على كيفية استفادة الحزب من نسائه.

لكن اللافت ان نسوة حزب الله بقين في أماكنهن الاولى، فلم تُصرف قوتهن التجييرية في أي موقع ذي قيمة أبدا داخل الحزب، رغم دورهن البارز في الانتخابات سواء النيابية او البلدية منذ العام 1992. اما أعلى منصب عُينت فيه امرأة داخل أُطر الحزب، فهو عضوية المكتب السياسي.

ولا تدير نسوة الحزب سوى "الهيئات النسائية" و"معهد سيدة نساء العالمين"، وأعضاء المجلس التنفيذي كلهم من الرجال، والعاملات في التعبئة التربوية من النساء اما المسؤول فرجل!

رغم ان المرأة في الحزب هي السند الاساس في نشاطات الحزب منها المسيرات والعمل الإجتماعي، وهي قوة ضغط في الاطار الاسري، وهي التي تغيّر الوجهة السياسيّة لأسرتها، اضافة لما ذكرنا سابقا في الانتخابات سواء النيابية او البلدية. لكنها لا تزال في ما يمكن وصفه "مكانك قف". فهن يصفن أنفسهن بأنهن "لسنا بنسويات"، على حد قول إحداهن. وتضيف: "نحن جنديات في جيش الامام المهدي ولا نسعى للمناصب".

من جهة ثانية، تؤكد الصحافيّة بادية فحص، ان "المرأة في حزب الله هي عبارة عن ماكينة أنتجت شهداء ومشاريع شهداء، وأمّنت الانتصارات في الانتخابات، وفي الحروب والمعارك السياسية داخليا، لكنها لم ترتقِ يوما الى مستوى الشراكة. فالمرأة في حزب الله ليست بشريكة للرجل في الحصاد. على أكتافها قامت كل مواسمه، لكنه إستثناها حين هلّت الارباح". ولا ترى فحص "أية مكانة أو صفة للمرأة في حزب الله، غير كونها أرملة الشهيد أو أم الشهيد، أو ابنة الشهيد، وحضورها لم يخرج من إطار الصورة النمطيّة للأحزاب الإيديولوجية".

في حين ترى إعلامية تعمل في احد وسائل إعلام حزب الله - رفضت الكشف عن اسمها، أن "حزب الله أعطى دورا للمرأة، وسمح لها ان تكون حاضرة في مختلف المواقع والمجالات. والدليل انها تتبوأ مناصب المسؤولية اليوم في مختلف الشؤون، اضافة الى ان نسبة كبيرة من الوظائف والمهمات تتابعها اليوم سيدات وآنسات". فكل ما قدمته لم يجعل منها سيدة "المكانة السياسية" في تراتبية الحزب الذكورية الحادة، سواء في النيابة او الوزارة، لدرجة انه بعد سجال طويل في الفترة الماضية حول ضرورة تشريك المرأة "الحزبلاهيّة" في العمل النيابي، كما فعلت حركة "أمل"، حسم أمين عام حزب الله الكلام بإعلان الحزب الرفض الكليّ لهذه المشاركة.

الأمر الذي شجّع بعض رجال الدين من أنصار حزب الله على التطاول على المرأة بشكل فاقع عبر"السوشل ميديا". مما ولّد نقمة خفيّة خاصة ان عدد الشهداء الكبير اتاح للشابات المتخرجات ان ينجحن، لكن كل ذلك لم يمنع مؤسسة "القرض الحسن" صاحبة الـ30 فرعا تقريبا في كل لبنان، من استصدار قرار يمنع توظيف الشابات ما بعد حرب تموز، لأسباب غير مقنعة، علما ان باب توظيف فتح ولمرة واحدة امام احدى قريبات رئيس المجلس التنفيذي فقط، وأعيد اقفاله مجددا.

هذه الصورة السلبيّة، التي يبثها الحزب تجاه المرأة، اشتغل على عكسها عندما بجّل الحاجة آمنة سلامة مغنيّة، بدرجة كبيرة عندما وزع صورها في الطرقات، واقام احتفالا خاصا بها تحدّث خلاله نصرالله، مطلقا عليها لقب "والدة الشهداء".

هذه الإنفصاميّة لدى الحزب هي عبارة عن تصرّف مناقض لسياسة الامام الخمينيّ الذي ارسل "موفدته" للقاء ميخائيل غورباتشيف. لكن حزب الله فعل العكس تماما، حين نظر الى المرأة ككائن درجة ثالثة. فهي، بالنسبة لقيادته، كائن داخلي، وعبارة عن دعامة للمقاومة، لم يمنحها صك العمل المقاوم لحجج دينية أيضا. مقابل تضخيم دور الرجل وجعله الشهيد والقائد والمحلل السياسي والنائب والوزير والمسؤول، تاركا لها فتات المسؤوليات. ومما يُحزن انه يحاول جاهدا ان يروّج لصورة المعصومة فاطمة الزهراء من دون أن يتقدّم خطوة واحدة في عملية تغيير الذهنية التي لا تزال ترى في المرأة "حرمة".

مثلا لا زال حزب الله في احتفالاته يدفع بمقاعد النساء الى الوراء، ويجعل من مقاعد الرجال تتصدّر الصفوف الاماميّة، مهما كانت مستوياتهن العلمية او الفنية او الثقافية. فكيف يُبرر حزب الله موقفه السلبي من المرأة، مقابل تبجيل أم الشهيد فقط؟

صحافية في "شؤون جنوبية"، عملت سابقا في مؤسسات إعلامية إسلامية