|
|
التاريخ: تشرين الثاني ٢١, ٢٠١٨ |
المصدر: جريدة النهار اللبنانية |
|
لماذا أقبلَ الشبابُ على الالتحاق بداعش؟ - عدنان الأمين |
عندما اجتاحت الدولة الإسلامية في العراق والشام الموصل في حزيران عام 2014، ثم انتشرت بسرعة في العراق وسورية انشغل العالم بالسؤال التالي: من الذي أنشأ هذا التنظيم وموّله وسانده، الخ... حتى أصبح بهذه القوة؟ ثمة سؤال ثان ما لبثت أن تداولته وسائل الإعلام والدراسات المحلية والأجنبية هو التالي: لماذا يُقبل الشباب (من عمر 17-26) على الالتحاق بداعش بعشرات الألوف، من داخل المنطقة العربية ومن خارجها؟ كنت أتابع من حين لآخر ما يكتب جوابا عن السؤال الثاني. وقد تنوعت الإجابات بين ما هو نفسي واقتصادي اجتماعي وسياسي وغيرها. وقد توصلت من هذه المتابعة إلى أربعة أسباب تكمل بعضها بعضاً.
وجود رواية عنوانها "الخلافة الإسلامية"
تقول الرواية إن العالم المعاصر مليء بالكفر والظلم (والمتهمون هم أميركا وأوروبا والمسيحيون واليهود والنظم العربية العلمانية الكافرة)، وأن البديل هو تهديم الدول الحالية التي رسمها سايكس - بيكو وبناء الخلافة الإسلامية على أنقاضها. والطريق إلى ذلك اعتماد الأسلوب الذي سلكه أبو بكر الصديق إثر تسلمه الخلافة بعد الرسول وبدء الارتداد عن الإسلام، أسلوب الذبح بالسيف بلا هوادة لبث الرعب في نفوس الآخرين. الرواية كاملة أولا. وهي ثانيا بسيطة، فهي تنتقي من التراث الإسلامي ما يناسبها وتعممه على ظروف معاصرة، وتقدم خطابا سطحيا يقتل فيها الأبطال (المؤمنون) الأشرار (الكفار)، ولكل رموزه وشعاراته. فداعش ليست مؤسسة فقهية تجتهد في شؤون الدين. والرواية، ثالثا، مغرية للشباب الذكور الذين تدعوهم للانضمام إلى صفوف المجاهدين: التمتع بالنساء اللواتي يتم سبيهن بعد كل "غزوة"، بحسب اللغة التي استرجعها تنظيم داعش من الإسلام الأول. أما إذا "استشهد" الواحد منهم يكون جزاؤه الجنة (حيث الحوريات بالعشرات والمئات). أما نساء دولة الخلافة فعليهن "الحشمة والستر والجلباب والحذر وترك الخروج من المنزل" الخ...
هذه الرواية استخدمتها منشورات داعش الورقية والإلكترونية، كما استخدمها الدعاة في المساجد وأماكن تجمعاتهم لتجنيد الشباب الذين يقومون بدعوة بعضهم البعض (الأقران) للاستماع إلى الرواية، تمهيدا للانخراط في التنظيم.
الغواية الإعلامية
بغض النظر عن بشاعة ما قامت به داعش من خلال إظهارها لممارسة العنف في إعلامها (قطع الرؤوس، حرق الأشخاص وهم أحياء، الخ)، فقد كان ذلك شديد الفعالية على الشباب عبر العالم، فيه شيء من أفلام هوليود. كان هذا ابتكارا داعشيا تفوق فيه التنظيم على أية منظمة إرهابية أخرى عرفها التاريخ المعاصر.
من المعروف أن المنظمات المسلحة تجذب الشبان المهمشين لأنها توفر لهم هوية فيها قدر من القوة، والانتماء إلى مجموعة، والولاء والإثارة وصورة ذات إيجابية. داعش توفر هذا النموذج للشباب عن طريق تصوير العنف الوحشي الذي تمارسه وتنقل الصور وأفلام الفيديو لهم عن طريق وسائل التواصل الحديثة. ويجري بث الصور على نطاق واسع من البشر، وتسبب للمشاهدين مشاعر متناقضة، لكن الرسالة "تصل" إلى فئة من الشباب المهمش الذين يرون فيها دعوة صريحة لهم للانضمام إلى التنظيم فممارسة القوة وتحقيق الذات وتدمير ما هو سائد والانتماء إلى عالم جديد يهدم أركان العالم القائم. هذا مغر لمن كان على استعداد مسبق لتصديق "الرواية" من المسلمين ولكنه مغر أيضا لغير المسلمين من الشبان الذي يبحثون عن معنى لحياتهم لظروف تهميش يعيشونها. وهذا هو مغزى ما نقل عن داعشي عندما قال: "بالأمس كنت عاملا في ورشة بناء، اليوم أقوم بأشياء تلفت انتباه رئيس الولايات المتحدة الأميركية".
الفقر
الفقراء ليسوا الأقلية في هذا العالم. قد تكون فرضية أن الملتحقين بداعش أتوا من بلدان ذات ظروف اقتصادية متفاوتة، قابلة للتصديق، إذا أخذنا بالاعتبار جاذبيتها للشباب المشار إليها أعلاه. لكن معظم ما كتب يفيد أن الفقر هو المنجم الأساسي لتجنيد المقاتلين في داعش. وقد تسنى لها ذلك من خلال الإغراءات المالية التي تقدمها للشباب في المناطق الفقيرة. كانت قدرات التنظيم المالية كبيرة، وهذا ما ميزها أيضا عن القاعدة. قيل إن الراتب الذي كانت داعش تدفعه للمنتمين الجدد يساوي أكثر من أربعة أضعاف ما يتقاضاه عسكري عادي في دولة فقيرة، وأنها تقدم حتى ألف دولار أميركي كراتب شهري لتجنيد شباب من بلدان يتقاضى فيها بعض أقرانهم دولارا واحدا في اليوم مثل تشاد ومالي والسودان. وقيل إن راتب شهر لامرأة من تونس أو المغرب تشارك في "جهاد النكاح" في سوريا كان يساوي دخلها في بلدها لمدة سنة.
النزاع السني الشيعي
ترافق صعود داعش مع قمة الاحتقان السني من سيطرة الشيعة على العراق منذ العام 2003 وإذلالهم للقيادات السنية (اجتثاث البعث وحل الجيش العراقي) بدعم من أميركا وإيران، بالإضافة إلى حجج تتعلق بالفساد في إدارة شؤون الحكم. وبالمثل في سوريا كان السنة قد راكموا حقدا على الأقلية العلوية التي سيطرت على الحكم منذ العام 1970.
وفي هذا الوقت (2014) كان الصراع بين إيران والسعودية على أشده في سوريا وكل له جمهوره السكاني. وبحسب دستور داعش تعتبر الرافضة (الشيعة) طائفة شرك وردّة. المهم أن تركيز داعش توجه في سوريا والعراق ضد الدولة (الكافرة) والقرى والبلدات والتجمعات الشيعية والعلوية.
وفي لبنان استهدف التنظيم الجيش اللبناني والتجمعات السكانية الشيعية والسفارة الإيرانية. بالمقابل أفتى السيستاني المرجع الشيعي العراقي بـ"بحمل السلاح والتطوع، في الحرب ضد "الإرهاب"، معتبرا إياها "حرباً مقدسة"، ومن يقتل فيها "شهيد"، بينما جيّش حزب الله اللبناني الشباب للمشاركة في الحرب في سوريا تحت شعارات مثل "حماية المقامات الشيعية" في سوريا أو "لن تسبى زينب مرتين"... في رواية مقابلة، كاملة وبسيطة.
تغير الموضوع اليوم نحو السؤال عن مصير داعش. لكن مهما كانت التوقعات فانه يكفي أن تظل ثلاثة من الأسباب المذكورة متوافرة في السياق الإقليمي، حتى ينجذب الشباب كالفراشات نحو الأضواء التي تحرقهم.
ينقل عن شباب اللهو أنهم يرددون (من شعر أحمد شوقي): نظرة فابتسامة... فموعد فلقاء. مع الشباب المنجذب نحو العنف يمكن القول: رواية فغواية فموعد فمأساة.
باحث تربوي وأستاذ جامعي لبناني |
|