| | التاريخ: تشرين الثاني ١١, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة الحياة | | مواصفات الزعيم السياسي في العراق - مشرق عباس | مشرق عباسان تكون لديك القدرة لتعيين اخيك وابن اختك ووالد زوجة اخيك وزراء، فذلك لايكفي لتحويلك الى زعيم سياسي ياصديقي، ولن يكفي ان تكون لديك امكانية شراء ذمة هذا النائب وذاك القاضي، ولا التمسح باذيال هذه الدولة او تلك، ولا العيش وراء الاسوار العالية والتمترس خلف مئات الحراس، فالقضية لاتخص كل ذلك، وان بدت في العراق وكأنها معادلة السياسة نموذجية.
البيئة المضطربة التي انتجها زلزال 2003، سمحت لطيف واسع من المغامرين والمتصيدين والافاقين بتسلق هيكل الدولة، والحفر في جسدها، وامتصاص خيراتها، وتلك حقيقة لم يعد أحد ينكرها في العراق اليوم، لكنها ليست قدراً في نهاية المطاف، والتجارب وخبرات الجمهور ومعايير الدولة، عليها ان تفرز مواصفات النائب والوزير والزعيم السياسي.
واول هذه المواصفات ان يكون مدركاً لطريقة تفكير شعبه، يمتلك الحساسية الكافية لاتجاهات الرأي لدى الجمهور، ويفهم بعمق معاناة الناس وآلامهم ومشاعرهم وحتى امراضهم النفسية، وذلك لايندرج في نطاق الشعارات، بل يتعلق بقدرة الزعيم السياسي على بناء ستراتيجيات تنسجم مع تطلعات الشعب وترتفع به، لا تتلاعب عليه، ولا تتحايل على هناته، ولا تستثمر في ازماته.
وان يشترك الزعيم السياسي وصانع القرار وزعيم الحزب والاتجاه السياسي مع الوسط الحزبي في كل المواصفات الضرورية الاخرى، فهو الامر الطبيعي ايضاً، كأن يفهم سياق العلاقات الدولية، وآليات العمل الحزبي، والنسق القانوني للدولة، وتاريخ الصراع السياسي، والبنية الاقتصادية.
وبالطبع، لامواصفات الشخص الشكلية، ولا طراوة لسانه، ولا نفوذ عشيرته، ولا تجارته ووسائل الاعلام المرتبطة به، بامكانها ان تصنع زعيماً، فكيف اذا كان متوهماً بان احاطة نفسه بهالة من الفخامة، والاخبار الملفقة، والعلاقات التجارية المشبوهة، والتهديدات بضرب الخصوم، قد تدفع به الى الزعامة؟. صناع الملوك في العراق تكاثروا بعد 2003 بطريقة مربكة وعشوائية احياناً، فالزعيم الديني الذي يهوى السياسة يأنف من ممارسة العمل السياسي عبر الياته الطبيعية، ويريد ان يحتفظ لنفسه بهامش قدسي، والزعيم القبلي يريد ان يحول مضيفه الى مقر لتشكيل الحكومات وقيادة الدولة، والتاجر القادم الى السياسة من طرقها الخلفية، يسعى الى اللحاق بصناع الملوك عبر الجلوس في منزله المحصن وكتابة التغريدات عن قدرته على صنع اجيال جديدة من القادة جلهم من اخوته واقاربه!.
الصورة مزدحمة في العراق بصناع الملوك، وتبدو الصورة قد استنفذت غاياتها عندما يتنازل النائب او الوزير عن مقعده الذي يمثل العراق ليتقدمه زعيمه الذي لايمتلك اية صفة رسمية، وذلك ليس الثمن الوحيد الذي ينتظره الزعيم، بل هو مجرد اذعان يشعره بكلية قدرته امام الدولة باكملها، ويتيح له الغطاء الكافي لاكمال مسلسل نهبها.
كانت ثمة مقترحات مختلفة لايجاد حل لمشكلة الزعماء الذين يتكاثرون في كل موسم انتخابي، عبر جمعهم في «مجلس السياسات» الذي سيكون عليه تقديم افكار تخص الدولة، ومشروعات تدعم عمل الحكومة، وتوحيد السياسات الخارجية، كما ان مجتمع «نواب رئيس الجمهورية»، كان قد طرح في مراحل مختلفة كإطار ما لاحتواء بعض الزعامات وايجاد دور شكلي لها.
لكن تلك الحلول وغيرها لا تقترب حتى من ازمة «الزعماء» ولا من اعدادهم المتنامية، ولا من اسهامات بعضهم في تلويث البيئة السياسية ونشر اجواء الفوضى والصفقات المريبة حولها، والامر يتطلب معالجة جادة، لتقليص تلك الطبقة التي باتت تعتقد انها اكبر من الدولة، وان جلساتها الجانبية اهم من جلسة مجلس الوزراء، وان قراراتها اكثر جدية من قرارات السلطتين التنفيذية والتشريعية معاً.
ليس المهم ان تعتقد اليوم انك صاحب نفوذ، لانك نجحت في ضرب هذا الطرف، او التحالف مع ذاك ودفعت هذا السياسي الى منصب ما ، فالاهم لكي تكون زعيماً ان تحترم معنى الدولة، وان تتشبع بها، تتألم لألمها وضعفها، وتقوى بقوتها، وتسعى الى ان تكون الدولة امامك لا خلفك، وذلك ليس انت للاسف!. | |
|