|
|
التاريخ: تشرين الثاني ٥, ٢٠١٨ |
المصدر: جريدة النهار اللبنانية |
|
"الناتو العربي" و"محور المقاومة" إمّا زلزال جيوسياسي وإمّا سلام - سركيس نعوم |
وصلني قبل أيّام قليلة "إيميل" من صديق تضمّن تحليلاً سياسيّاً عميقاً جدّاً للمنطقة والصراعات الحادّة التي تعيشها منذ سنوات والتي قد تكون دخلت مرحلة تفاهم بالغة التطوّرات، كتبته شخصيّة أوروبيّة عملت في الديبلوماسيّة داخل بلادها وفي تقديم الاستشارات لرؤساء حكومات فيها، كما في متابعة عمليّة السلام بين إسرائيل والعرب والفلسطينيّون منهم خصوصاً. وهو في المناسبة لا يزال في الخدمة كما أنّني التقيته مرّات عدّة في مناسبات مختلفة، ونظراً لأهميّة التحليل المُشار إليه رأيت مُناسباً إطلاع القُرّاء اللبنانيّين وغيرهم عليه.
يقول في بدايته أن تغيّر ميزان القوى في الشرق الأوسط في السنوات الـ 15 الماضية يذكّر بالتجربة التي عاشتها أوروبا في القرنين السادس والسابع عشر بين "الإصلاح البروتستانتي" عام 1517 و"سلّم (معاهدة) وستفاليا" عام 1648. لكن ما احتاج إلى أكثر من قرن لكي يتحقّق يحصل في أقصر بكثير في المنطقة. ومن الصعب التحديد إذا كانت المنطقة الآن في مرحلة الاحتدام الأكبر للصراع تماماً مثلما كانت أوروبا في حرب الـ 30 سنة التي دمّرتها، أو إذا كانت مرحلة الأسوأ قد وصلت إلى نهايتها. وإذا كانت الحرب الأوروبيّة المُشار إليها أنهت الحروب الدينيّة في القارّة ووضعت قواعد النظام الدولي، فإن الوقت قد يكون حان لإقامة "سلام وستفالي" في الشرق الأوسط من دون الحاجة إلى حرب كبيرة. ذلك أنّه يعيش حاليّاً صراعاً واسعاً بين الممالك والدول والميليشيات والمجموعات الدينيّة، وتنافساً بين السلالات الحاكمة، وتغييرات مفاجئة في التحالفات، وتنافساً على المصالح وتصرّفات متناقضة واغتيالات وعقليات لا علاقة لها بالذكاء أو بالأحرى بحدّته.
كيف تصف الشخصيّة الأوروبي نفسها الوضع اليوم في المنطقة؟
مع التبسيط الشديد تعتبر أن في المنطقة حاليّاً جبهتان، واحدة معروفة بـ"الناتو العربي"، أي حلف شمال الأطلسي العربي، وأخرى بـ"محور المقاومة". يتألّف الأوّل من مجموعة دول غربيّة وممالك عربيّة ودول استبداديّة مُصمّمة كُلّها على حماية النظام العربي القديم بقيادة الولايات المتّحدة. وهي تضم إضافة إليها العربيّة السعوديّة ومصر والإمارات العربيّة المتّحدة وإسرائيل التي تقود من خلف الستار. والهدف الأوّل له تصوير إيران وحلفائها الإقليميّين و"وكلائهم" التهديد الرئيسي للاستقرار الإقليمي. تهدف هذه الجبهة إلى تجديد السلام الأميركي المُهمّ والضروري جدّاً للمحافظة على مصالح إسرائيل والحكّام العرب وإلى تنفيذ "صفقة القرن" بجهد أميركي بين إسرائيل والفلسطينيّين التي ستكون خطوة نحو السلام العربي – الإسرائيلي الشامل. وتهدف أيضاً إلى زيادة العقوبات على إيران لحض شعبها على تغيير نظامها الإسلامي، كما إلى إعادة هيكلة الإسلام السياسي على نحو لا يُهدِّد النظام العربي.
هذه الأهداف إذا أُنجزت يمكن أن تُؤسِّس مرحلة مُهمّة من الاستقرار السياسي والتعاون الاقتصادي والتنمية كما تصوَّرها وليّ العهد السعودي في "رؤية 2030" التي وضعها. والتهديد الأساسي لهذا المشروع اليوم هو ردّ الفعل على قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي الذي قد يهدّد علاقات الرياض – واشنطن وقبضة الأوّل على السلطة. علماً أن بن سلمان يفترض أن يكون حجر الزاوية في "الناتو العربي".
أمّا الجبهة الثانية فهي "محور المقاومة" الذي له "أجندة" مختلفة. فهو يعتبر قيادة أميركا لـ"الناتو العربي" هيمنة، ويضم إيران والقوى السياسيّة الشيعيّة العراقيّة و"سوريا المُفيدة" و"حزب الله" وميليشيات أخرى. وهو يرفض هيمنة إسرائيل ومُخطّطاتها للمنطقة والقيم الغربية والنظام الليبيرالي بوصفه إمبرياليّة ثقافيّة وسياسيّة واقتصاديّة. وفي صورة ما يمثّل ما مثّله مارتن لوثر في أوروبا قبل قرون ولا سيّما لجهة أعضائه لأنّهم أكثر فقراً وأقل تجهيزاً من "الناتو العربي" رغم تمتّعهم بحيويّة وقدرة أقوى على التكيُّف وبحماس ثوري. وترفض الجبهة الثانية "صفقة القرن" لما فيها من فرض وإهانة، وتعزو العقوبات على إيران إلى رفضها هيمنة أميركا. وهي مُقتنعة باستحالة استخدام الإسلام السياسي على نحو يخدم فعلاً مصالح الممالك العربيّة. أمّا الدول العربيّة والاستبداديّة فمحكومة بالخسارة وربّما بأكثر منها لأنّها غير شعبيّة وبلا رحمة وغير شرعيّة ومدمّرة لنفسها. والعقوبات الجديدة على إيران سيتمّ التكيّف معها.
ما هو الموقف التركي والروسي والصيني من كل ذلك؟
تُجيب الشخصيّة الأوروبيّة نفسها أن "الناتو العربي" يفتقر إلى القوّة والقدرة على الاحتمال والتماسك أو التلاحم والصبر والفكر اللّأزم لتنفيذ مشروعه. وأن لدى "محور المقاومة" الصفات الغائبة عن "الناتو..." وجمهوراً سياسيّاً كبيراً رافضاً له. وتضيف أن روسيا والصين وتركيا تراقب. فالأولى أكثر نشاطاً في دعم "محور المقاومة"، والثانية حذرة كثيراً رغم اتّفاق الاثنتين على رفض النظام العربي السياسي والاقتصادي والمالي. أمّا تركيا فإنّها تلعب أوراقها بذكاء وخصوصاً في مقتل خاشقجي. فرئيسها ينفّذ استراتيجيا "تسريب" معلومات بطيئة ومحسوبة للضغط على السعوديّة وحرق روايتها غير المُتماسكة للاغتيال. ويبدو أنّه يستخدمه كي يروِّج زعامته للعالم العربي بديلاً من السعوديّين. علماً أن هناك داخل "الناتو العربي" مواجهة حول زعامة العالم العربي – الإسلامي.
وهي تُنهي تحليلها بالآتي: هناك عناصر كافية لوقوع زلزال جيوسياسي في المنطقة، ومن الأفضل للاعبين المحليّين وشركائهم الخارجيّين و"أربابهم" الإسراع في وضع "أجنداتهم" جانباً تلافياً لذلك، ووضع آلية واسعة لتسوية المشكلات بينهم كما حصل في وستفاليا.
هل يرى أعضاء الجبهتن أو المحورين في تحليل الشخصيّة الأوروبيّة الملخّص أعلاه ما يدفعهم إلى التروّي تلافياً لزلزال في القرن الحالي مُشابهاً لا بل أكثر قساوة وأضراراً من حرب الـ 30 سنة؟ يتوقّف ذلك على تخلّي رئيس أميركا عن غرور القوّة وعن الشعبويّة وعن تجاهل العقل والحكمة، وعلى تخلّي إيران عن غرور القدرة ونشوة الانتصار، وعلى اقتناع وليّ العهد السعودي بالاعتماد على العقل والإفادة من حكمة الشيوخ وبعدها من حماسة الشباب التي لديه. |
|