WED 27 - 11 - 2024
 
Date: Sep 26, 2018
Source: جريدة النهار اللبنانية
العالم العربي يحتاج إلى قائد اجتماعي لا إلى قائد ديني! - سركيس نعوم
إذا كانت نظرية "التاريخ يُعيد نفسه" صحيحة فإن صحّتها تظهر أكثر وضوحاً في الشرق الأوسط، حيث المجتمع الدولي المتفاجئ بالثورات العربيّة عام 2011 عاد إلى اختيار الاستقرار السياسي المواجه للاستمراريّة مُتجاهلاً تيّارات التغيير التحتيّة التي تخرّب الشرق الأوسط أو تدمّره. هذا ما يقوله باحث آسيوي جدّي وعميق، وهو يضيف إليه الآتي: أن فشل الولايات المتحدة وأوروبا والصين وروسيا في التعرّف إلى المحرّكات الأساسيّة للتغيير المجتمعي الجوهري، وفي مراجعة أسس سياساتها في الشرق الأوسط ومحيطه يُهدّد بالقضاء على إرادة وقف سفك الدماء، وبكبح التطرّف أو ضبطه ويرسّخ استقرار المنطقة ويحمي مصالحها.

وفي هذا المجال يلجأ الباحث نفسه إلى أبحاث ودراسات تحليليّة لعدد من الذين عملوا في الديبلوماسية الأوروبيّة. يعتبر أحد هؤلاء أن التركيز الضيّق والمحدود للغرب واستطراداً للصين وروسيا هو على احتواء التطرّف ووقف تدفّق اللاجئين وتأمين المصالح الاقتصاديّة، والحؤول دون معرفة القوى الكبرى الاهتزازات الاجتماعيّة والتبدّلات السياسيّة التي يُحتمل أن تعيد تشكيل منطقة مشوّشة بانتقال متقلّب ومتفجّر وغالباً عنيف. ثم يعود إلى مرحلة ما بعد إرهاب 11 أيلول 2001 في أميركا التي أعادت القادة الغربيّين وفي مقدّمهم الرئيس جورج بوش الإبن إلى الاعتراف بأن دعم الغرب للأوتوقراطيّة، أي حكم الفرد المستبدّ الذي فشل في معالجة مظالم الناس وشكاواتهم، خلق الأرضية "المُغذّية" للمجموعة الجهادية المُصمّمة على ضرب أهداف غربية. وقد أنتج هذا الاعتراف توقّعاً يُفيد أن الشارع العربي سوف يؤكّد نفسه أو يثبتها ويُعطّل الجذور المغذّية للتطرّف ويطوّق الراديكاليّة، وذلك كلّه بالدفع في اتّجاه التغيير السياسي والاقتصادي. لكن امتناع هذا الشارع عن الثورة الفوريّة دفع أصحاب الفكرة المُشار إليها إلى شطبها. لكن ذلك لا يعني زوال التذمّر الذي لا يزال يتحرّك تحت السطح وإن بعمق ضعيف. ومن يحاول يستطيع سماعه بوضوح. هذا الأنموذج المُشار إليه لم يتغيّر رغم الثورة المضادة القاسية بل الوحشيّة التي عكست إنجازات الثورة في مصر مثلاً، وأنتجت حروباً أهليّة وتدخّلات عسكريّة في ليبيا وسوريا واليمن. وهذا ما دفع عالم سياسة من أصل مصري يدعى نزيه أيّوب إلى القول قبل نحو 22 سنة: العالم العربي "مسكون" بل محكوم بدول قاسية ولكن غير قويّة تستمدّ سلطتها من البيروقراطيّات والقوّات العسكريّة والأمنيّة. وهي ضعيفة على نحو يبعث على الأسى عندما يتعلّق الموضوع بجباية الضرائب والانتصار في الحروب وتأسيس "بلوك" سلطوي مُسيطر أو إيديولوجيّات قادرة على نقل الدولة من القمع والقسريّة و"الشركة" إلى منطقة أخلاقيّة وفكريّة. والتظاهرات الاحتجاجيّة الشعبيّة الأخيرة ولا سيّما في المغرب ومصر وإيران تؤكّد ذلك.

وفي هذا المجال أيضاً يؤكّد آخر من هؤلاء المُشار إليهم أعلاه أن العالم العربي حاليّاً يعيش عمليّة تغيير اجتماعي وسياسي عميق. وبروز الشعوب العربيّة كلاعبين سياسيّين أساسيّين وسط الإحباط الشعبي العميق والمتنامي لا بُدّ أن يكون عاملاً تغييريّاً. فما تفكّر فيه الشعوب العربيّة وحقيقة ما تشعر به سيحدّد التطوّر المقبل لدولها. وأي إخفاق جديد في الاعتراف بغليان الأساسات النفسيّة – الاجتماعيّة والعاطفيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة يعني أن تركيز المجتمع الدولي على الهجرة والتطرّف فقط سيرتدّ عليه مخاصمة قويّة من المجتمعات التي تعيش بين افريقيا والصين. من هنا فإن "شيطنة الإسلام" في الغرب وفي دول آسيويّة كبرى المشجَّعة من دول الحكم المُطلق مثل العربية السعوديّة والإمارات تهدّد بمفاقمة المشكلة. ذلك أن الدين هو غالباً اللغة العامة للتخاطب المسموح به، وهي تقدّم للمتطرّفين الفرصة المؤاتية على طبق من فضّة. أمّا الطلب الشعبي الأساسي للكرامة الذي ميّز ثورات الـ 2011، والاحتجاجات التي طالبت بحكومات نظيفة وغير فاسدة إصلاحات اقتصاديّة وما إليها، فكان أيضاً مطالبة باحتلال الدول العربية والمسلمة موقعاً لائقاً في النظام الدولي.

في اختصار يقول باحث ثالث إن الفجوة بين الشرق الأوسط والغرب وربما مع الصين وروسيا ليست القيم جذورها بل السياسات. فالشعور المُعادي للهجرة مضافاً إليه الإرهاب الإسلامي وفّر الدعم للأنظمة الاستبداديّة في الشرق الأوسط وعمّق اللّامبالاة تجاه مظالم الكتل الشعبيّة الكبيرة وقلّص فرص إيجاد الحلول لصراعات كالحرب في سوريا أو كالنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني. وذلك يُهدّد بجعل الفجوة المتخيّلة حقيقيّة مئة في المئة.

أخيراً يقول جوزيه أنطونيو ساباديل، وهو ديبلوماسي أسباني وأوروبي سابق: "ما قد يحتاج إليه العالم العربي ليس قائداً دينياً بل قائداً اجتماعيّاً، ليس شخصاً يريد إصلاح الدين بل المجتمع، شخصاً يستخدم الشرعية الشعبيّة وسلطة الدين ليشجّع على التغيير الاجتماعي والسياسي. فالإسلام قد يكون محتاجاً إلى "مارتن لوثر كينغ جونيور" (البطل الأميركي في محاربة العنصريّة بين البيض والسود) أكثر من حاجته إلى "مارتن لوثر" (قس مسيحي إصلاحي تسبّب بانشقاق الكنيسة المسيحيّة قبل قرون)". ويقول أيضاً: "الطريقة التي يُعالج بها الغرب علاقاته مع المنطقة تستطيع، لا بل يجب أن تُحدِث فرقاً. فما يقوله ويفعله سيكون المُفتاح. وما لا يفعله ولا يقوله سيكون صحيحاً مُهمّاً أيضاً. أمّا كيف يتصرّف أو لا يتصرّف، كيف يتكلّم أو يبقى صامتاً فهو الذي سيُحدّد موقفه وفاعليّته".

وأخيراً أيضاً يقول الباحث الآسيوي الجدّي والعميق نفسه إن منع السياسات الفاشلة من توطيد لحمة التصوّرات الخاطئة سيحتاج إلى أكثر من روايات أو قصص مضادة ومن رسائل سياسيّة ومن الترويج للإسلام المعتدل. ويتطلّب ذلك مراجعة نظريّة أن دعم الاستبداديين الذين ساهمت سياساتهم في تهديد أي إصلاح هي جزء من الحل.

The views and opinions of authors expressed herein do not necessarily state or reflect those of the Arab Network for the Study of Democracy
 
Readers Comments (0)
Add your comment

Enter the security code below*

 Can't read this? Try Another.
 
Related News
UN calls on Arab world for more solidarity against pandemic
Virus impact could kill over 50,000 children in MENA: UN agencies
Virus cases surpass 200,000 in Gulf states
Mideast economies take massive hit with oil price crash
Trump says US will destroy any Iranian gunboats harassing U.S. ships
Related Articles
Democracy in the digital era
From hope to agony, what's left of the Arab Spring?
Reopening the peace factory
Tackling the inequality pandemic: a new social contract
Global wake-up call
Copyright 2024 . All rights reserved