TUE 26 - 11 - 2024
 
Date: Sep 24, 2018
Source: جريدة الحياة
سورية وخرافة تعافي النظام - حازم الأمين
ما يجري في سورية لا يدفع إلى الاعتقاد بأن النظام سيتعافى وسيخرج آمناً غانماً من المحنة الهائلة التي أصابت السوريين، وأصابت كل أطراف النزاع في ذلك البلد. لكن، وفي موازاة هذا الاعتقاد، لا يبدو أن ثمة أفقاً يُستعاض فيه عن حال الاستعصاء هذه.

النظام لم ينتصر، بل إنه يترنّح كل يوم. الاتفاق الروسي - التركي على إدلب علامة على ترنّحه. عجزه عن الإتيان بأي رد فعل حيال الغارات الإسرائيلية اليومية علامة ثانية على هذا الترنح. إقصاؤه عن إدارة الحياة اليومية في درعا ومحافظتها وتولّي الشرطة الروسية المهمة، دليل آخر على شعور حلفائه بأنه قاصر ولا يصلح للحكم. اقتسام الإيرانيين والروس المهام الفعلية عنه صار جزءاً من مشهد عادي في سورية.

مَن هذه حاله يُنتظر منه أن يحكم، لا بل أن يحكم الذين بينه وبينهم أنهار من الدماء؟ هو لا يملك من عدة الحكم إلا السوط، وربما يملك أيضاً يأس القاعدة الاجتماعية التي انتفضت عليه. وفي مقابل عدة السلطة هذه، يعيش النظام أغرب حال يمكن أن يعيشها نظام مشابه. لقد أفقدت الغارات اليومية الإسرائيلية نظام البعث الخطاب الجوهري لحكمه. والإهانات السيادية التي يتولى الروس توجيهها إليه يوماً بعد يوم لم تعد تُخفى على أقرب الموالين له. كل الاجتماعات المتعلقة بمستقبل سورية لا يبدو أن له مكاناً فيها. يقول الروس والأتراك أن الحملة على إدلب لم يعد موعدها وشيكاً، فيلتزم الجيش العربي السوري بهذا القول وينكفئ لمسافة العشرين كيلومتراً التي حددها الاتفاق بين فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان.

«النظام في صدد التعافي»! هذه مقولة أثيرة نسمعها على نحو مثابر في السنتين الأخيرتين. النظام يذوي كل يوم أكثر. طائرات تقصف في سورية من كل حدب وصوب. وهو إذا فقد القدرة على ضبط المشهد راح يتصدى لطائرات «حليفة»، أسقط منها واحدة في اللاذقية مؤخراً، لكنه لم يتمكن من النيل من الطائرة الإسرائيلية. هذه ليست معادلة ساخرة. السخرية لا تصلح لوصف نظام على هذا القدر من القسوة والعنف. إنها مفارقة واقعية. الطائرات المتعددة الجنسية في سورية لم تعد تنتهك سيادة ولا تخرق قانوناً دولياً. الأميركيون يقيمون في شمال البلاد وفي شرقها، والأتراك في إدلب، والروس والإيرانيون في وسط البلاد وفي جنوبها، فيما السماء السورية مفتوحة للطائرات الإسرائيلية. هذا كله ويأتي من يقول لنا أن النظام في سورية على وشك أن يتعافى، وأن «الجيش العربي السوري» سيبسط سيادته قريباً على كامل الأراضي السورية.

وفي ظل هذا المشهد المعقّد، لا يمكن أيضاً توقّع صفقة ترسي سلطة تتقاسم من خلالها هذه الدول النفوذ في سورية. إذ كيف ستتحدد حصة إيران مثلاً، في ظل التداخل بين مصالحها ومصالح روسيا؟ وهل ستقبل إسرائيل بأن تكون إيران شريكة في السلطة في سورية؟ الغموض نفسه ينسحب على حصة تركيا أيضاً وعلى الأكراد في الشمال. المشهد يتطلب مزيداً من الحروب حتى ينجلي. والنظام «المتعافي» سيصاب بمزيد من الوهن، لا سيما بعد ذواء المعارضة، ذاك أن آلة القتل التي يملكها صارت بلا أي وظيفة غير وظيفة القتل، وهو إذا أوقف عملها بعد فناء «خصومه» سيفقد آلة السلطة الوحيدة التي يملكها وسيعاود السوريون الانقضاض عليه. سيستمر في القتل بصفته اللغة الوحيدة التي يجيدها، وهذا ما لا يمكن تصريفه بتسوية.

أغرب ما أصابني بعد مشاهدتي صور تظاهرات إدلب، أنها طالبت بإسقاط النظام، فالأخير هو أضعف حلقة في مشهد العنف السوري اليوم. صحيح أنه لم يفقد قدرته على القتل، لكن ما تبقى من هذه القدرة هو القتل غير الوظيفي. القتل بصفته امتداداً لممارسة قديمة ولثقافة لا يعرف صاحبها غيرها. أما القصة الفعلية والواقعية في سورية، فقد صارت في مكان آخر تماماً.

The views and opinions of authors expressed herein do not necessarily state or reflect those of the Arab Network for the Study of Democracy
 
Readers Comments (0)
Add your comment

Enter the security code below*

 Can't read this? Try Another.
 
Related News
Syrian army says Israel attacks areas around southern Damascus
Biden says US airstrikes in Syria told Iran: 'Be careful'
Israel and Syria swap prisoners in Russia-mediated deal
Israeli strikes in Syria kill 8 pro-Iran fighters
US to provide additional $720 million for Syria crisis response
Related Articles
Assad losing battle for food security
Seeking justice for Assad’s victims
Betrayal of Kurds sickens U.S. soldiers
Trump on Syria: Knowledge-free foreign policy
Betrayal of Kurds sickens U.S. soldiers
Copyright 2024 . All rights reserved