FRI 29 - 11 - 2024
 
Date: Sep 1, 2018
Source: جريدة النهار اللبنانية
اللعب بالنار السورية فوق الساحة اللبنانية - سليم نصار
إستوقفتني ذات مرة عبارة أدلى بها الى الصحف العلامة الراحل السيد محمد حسين فضل الله أعرب فيها عن توقه الى إقامة جمهورية إسلامية في لبنان، شرط توافر الظروف الداخلية الملائمة. 
ومع أنه لم يكن منخرطاً في أي حزب سياسي أو ديني، إلا أن فقهاء المذهب الجعفري الشيعي فسروا كلامه في حينه بأنه يصب في مصلحة نهج ولاية الفقيه، مع الحرص على إتباع مبدأ التقية.

وعليه رأى كثير من الإعلاميين أن خطابات السيد حسن نصر الله، التي ألقيت من الضاحية الجنوبية والهرمل، لم تكن أكثر من رسائل سياسية موجهة الى الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة ومختلف القوى الناشطة في حرب اليمن.

وكذلك رأى اللبنانيون في تلك الخطب النارية خروجاً على سياسة "النأي بالنفس" التي التزمتها الدولة، خصوصاً أن الخطاب الأول كان معززاً بصورة الأمين العام لـ "حزب الله" وهو محاط بوفد حوثي من "أنصار الله" برئاسة الناطق الرسمي محمد عبدالسلام.

وفي ضوء الاجتهادات السياسية التي أعلنها المراقبون طوال شهر آب (اغسطس) الماضي، فإن لبنان عاد ليمثل ساحة الصراع بين القوى الدولية والإقليمية على نحو وضع المنطقة كلها على حد السكين! ومن المؤكد أن تأخير تشكيل الحكومة قد ساهم في تأجيج أجواء المشاورات، وإرباك خطوات رئيس الحكومة المكلف للمرة الثالثة. ولقد اعترف سعد الحريري بأنه يواجه تعقيدات متواصلة تتعلق بمطالب رؤساء الأحزاب والشروط التعجيزية التي يضعها زعماء الكتل. وقد إتهمه خصومه بالتقاعس والتردد عن قصد لأنه يرفض التطبيع مع سورية، والتنسيق مع نظامها الذي يرى في شروطه ابتزازاً فاضحاً من أجل كسب بعض الشرعية الاقليمية.

ونُقل عن رئيس الحكومة المكلف رفضه ربط إجراءات عودة النازحين السوريين بشروط التطبيع. وقال إن حكومته هي التي اختارت سفير لبنان الجديد في دمشق سعد زخيا. والمؤكد أن السفير مخوّل البحث في هذا الموضوع الشائك بمعاونة المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم.

والثابت أن الرئيس بشار الأسد يهمه قيام الحريري بمبادرة حسن نيّة تساعده على الخروج من مأزق مقاطعة الدول الاوروبية وبعض الدول العربية. ويستدل من التحذير الذي وجهه جون بولتون، مستشار الأمن القومي الاميركي، الى الدول الاوروبية من أن واشنطن لن تسامح الدول الاوروبية الطامحة الى الانفتاح الاقتصادي على طهران ودمشق.

إضافة الى التشدد الاميركي مع النظام السوري، قامت سلطة المعارضة السورية بإصدار بطاقات هوية جديدة في شمال سورية، كمحاولة لتعزيز هيمنتها على منطقة خارج سيطرة الأسد. وقد جرت هذه المحاولة بمساعدة تركيا.

يقول المطلعون على تطور الأحداث اللبنانية إن "حزب الله" لم يعد محتاجاً الى الدور الذي لعبه الحريري عندما أوصل حليفه ميشال عون الى قصر الرئاسة في بعبدا. وبما أن الوضع الأمني في سورية قد استقر نسبياً، لذلك قررت قيادة الحزب نقل جهودها الى اليمن بغرض تحقيق عدة أهداف: أولاً - إحباط مهمة الحريري صديق السعودية واستبدال دوره بسياسي سنّي يكون مدعوماً من الأسد، ومقبولاً من ايران.

ثانياً - تعزيز موقف الحوثيين ودعمهم بمزيد من الصواريخ الموجهة نحو المملكة العربية السعودية، وبمزيد من خبراء القتال. علماً أن "حزب الله" أسس في الضاحية الجنوبية قناة تلفزيونية سماها "النبأ"، تستضيف دائماً خصوم السعودية، وتمتدح ايران وسخاءها المتواصل.

ثالثاً - التعاون مع رئيس وزراء سنّي لبناني يكون مهتماً بمساعدة ايران على تخفيف أثر العقوبات الاقتصادية والنفطية التي فرضها عليها الرئيس دونالد ترامب. وهو يهدد بفرض عقوبات إضافية على مبيعات النفط الايراني في تشرين الثاني (نوفمبر). وتُعتبر ايران ثالث أكبر مصدر للنفط في "أوبك" بعد السعودية والعراق. ويهم طهران من وراء التصعيد على مختلف الجبهات حرف الأنظار عن نتائج العقوبات الاميركية وإبلاغ واشنطن أنها قادرة على تحريك ساحات القتال في المنطقة.

وسط هذه التحولات، أعلن الأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصرالله أن المراهنين على التطورات الاقليمية سيفشلون في رهانهم، لذلك: "أنصح بعض القيادات التي نحن على خلافات معها بشأن العلاقة مع سورية، بأن لا يلزموا أنفسهم بمواقف قد يتراجعون عنها."

أمام إصرار الحريري على عدم التطبيع مع سورية، إضطر الرئيس ميشال عون الى الاتصال بالأسد والتحدث اليه في شأن النازحين، وعرض موقفاً يؤكد للحليف أن سياسته الخارجية لا تتفق مع سياسة الحريري في قضية العلاقة مع سورية. وكذلك فعل قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون الذي اتصل بزميله في دمشق رئيس الأركان علي عبدالله أيوب، وهنأه بعيد الجيش. وكانت تلك المبادرة بمثابة تأكيد على الشعار الثلاثي الأبعاد الذي أطلقه "حزب الله" سابقاً: الشعب والجيش والمقاومة.

في مطلق الأحوال، فإن أصدقاء سعد الحريري يعزون إصراره على الانقطاع عن زيارة دمشق الى خلفيات سياسية ليست لها علاقة بملف النازحين، أو بموقف "حزب الله" من أزمة اليمن. ويعود هؤلاء الأصدقاء الى التذكير بواقعة جرت للحريري أثناء اجتماعه للمرة الأولى ببشار الأسد. وفي حينه استقبله الرئيس السوري بصفته رئيس وزراء لبنان، ورحب به بحفاوة بالغة. علماً ان تلك الزيارة لم تكن مشمولة بغطاء دعوة رسمية.

وقبل الخوض في الشؤون العامة، وجه الأسد الى الحريري سؤالاً محرجاً، قال فيه: "هل أنت مقتنع بأن لسورية دوراً في اغتيال والدك؟" وأجابه سعد على الفور: "أنا لا أعرف مَن قتل والدي، لكنني حريص على اكتشافه." عندها، أكمل الأسد تعليقه على السؤال الذي اختاره كمدخل للقاء، فقال: إن سورية تعرضت لحملة ابتزاز واستفزاز استمرت أكثر من ثلاث سنوات. لذلك أرى أن الطائفة السنيّة أصدرت حكمها تحت وطأة الانفعال والغضب، خصوصاً أن الوضع الأمني كان يخضع لرقابة حليف سورية الرئيس اميل لحود. ثم أنهى الأسد الحديث عن هذا الموضوع بانتقاله المفاجئ الى مستقبل العلاقات اللبنانية - السورية.

في ضوء تلك التطورات، اكتشف الحريري أنه محاصر من قبل جميع الأحزاب والتكتلات البرلمانية، وأن الأزمة الاقتصادية الخانقة بدأت تهدد الاستقرار، خصوصاً بعدما تجاوز الدين العام مئة بليون دولار... وبعدما تعب حاكم البنك المركزي رياض سلامة من إخراج "أرانب" الحل من قبعته الواسعة.

وسط هذه التجاذبات السياسية والاقتصادية، ازدادت الضغوط على الحريري الى حد المطالبة بكسر المقاطعة التي فرضتها الجامعة العربية على سورية يوم طردتها من عضويتها.

ورأى الرئيس المكلف أن مسؤوليته أصبحت أكبر من قدرته، لذلك طالب بفترة انتقالية ريثما تنتهي الأزمة الخانقة داخل سورية، وتنجح روسيا في تشكيل نظام جديد متفق عليه داخلياً وخارجياً.

أثناء إطلالته الأخيرة تحت عنوان "شموخ وانتصار"، أشار السيد حسن نصرالله في خطابه الى "جماعة 14 آذار"، والى حملة التخويف التي تبثها بين الناس، مدعية أن المحكمة الدولية ستخلق وضعاً مستجداً في البلد سيبنى عليه شيء دراماتيكي! وكما تصرف الأمين العام يوم اتهمت المحكمة الدولية أربعة أعضاء من جهاز "حزب الله" باغتيال رفيق الحريري... هكذا يتصرف قبل صدور الحكم المتوقع بعد العاشر من هذا الشهر. أي أنه يعتبر قرارات المحكمة مسيّسة، وأن أحكامها لا تعنيه على الإطلاق، وما يصدر عنها لا قيمة له.

وهكذا توقف فجأة عن الكلام أثناء إلقاء خطابه، ورفع سبابته في الهواء محذراً: "لا تلعبوا بالنار... لا تلعبوا بالنار!"

التفسير المحتمل لعبارة "لا تلعبوا بالنار"، يستند في نظر المحللين الى إشاعات تقول إن المحكمة قد تصدر قائمة جديدة تابعة للكوادر الرفيعة في "حزب الله" كالنواب مثلا! وقد ازدادت قناعة الحزب بهذا المنحى بعد الزيارة التي قام بها لبيروت موفد وزارة الدفاع الاميركية روبرت كاريم، وهو مكلف من قبل إدارة ترامب بمتابعة تنفيذ القرارات الاميركية بشأن دور ايران في لبنان وسائر دول المنطقة.

أثناء استقبال العماد عون للموفد كاريم، طالبه الرئيس اللبناني بتجديد ولاية يونيفيل من دون أي تعديل في مهمتها. وكان بهذا التأكيد يريد ألا تتطور مهمة القوات الأممية بحيث تتمدد شرقاً الى الحدود مع سورية، وتسدّ المعبر الذي يشرف على إدارته "حزب الله" وايران.

بقي السؤال الأول والأخير: ماذا يفعل الرئيس عون في حال وصلت عملية تشكيل الحكومة الى حاجز يصعب تجاوزه؟

ولكن المشرّع اللبناني لم يحدد المدة التي تنتهي فيها فترة التشكيل، الأمر الذي سيضطر الرئيس عون الى مواجهة مجلس النواب والرأي العام بحقيقة المأزق الذي تعاني الدولة من جموده. ومن المتوقع أن يشترك في ايجاد المخرج الرؤساء الثلاثة، هذا اذا استطاع اللبنانيون احتمال نضوب الاوكسجين وهم تحت سطح البحر!

صحافي لبناني 

The views and opinions of authors expressed herein do not necessarily state or reflect those of the Arab Network for the Study of Democracy
 
Readers Comments (0)
Add your comment

Enter the security code below*

 Can't read this? Try Another.
 
Related News
Long-term recovery for Beirut hampered by lack of govt involvement
Lebanon to hold parliamentary by-elections by end of March
ISG urges Lebanese leaders to form govt, implement reforms
Lebanon: Sectarian tensions rise over forensic audit, election law proposals
Lebanon: Adib faces Christian representation problem in Cabinet bid
Related Articles
The smart mini-revolution to reopen Lebanon’s schools
Breaking the cycle: Proposing a new 'model'
The boat of death and the ‘Hunger Games’
Toward women-centered response to Beirut blast
Lebanon access to clean drinking water: A missing agenda
Copyright 2024 . All rights reserved