THU 28 - 11 - 2024
 
Date: Aug 2, 2018
Source: جريدة الحياة
خطر إسرائيل وخطر إيران - حازم صاغية
يعتصر العالمَ العربيّ، وخصوصاً المشرق، خطران: واحد تمثّله إسرائيل، لا سيّما في ظلّ نتانياهو وحلفائه، والثاني تمثّله إيران في ظلّ آيات الله.

هذان البلدان، بنظاميهما وأيديولوجيّتيهما، يجمع بينهما الميل الداخليّ إلى تعديل طبيعة الأشياء بشراً وأرضاً وعلاقات: نشأة إسرائيل ارتبطت بتهجير السكّان الأصليّين، الفلسطينيّين. الاستيطان، منذ 1967، بات التعبير الأوضح عن هذا الميل إلى مناهضة الطبيعة بسرقات تحميها القوّة والصلف. إيران، من جهتها، لا تتردّد في تغيير وقائع ديموغرافيّة وسكّانيّة حيث يحلّ نفوذها، أو نفوذ أتباعها. وهي لا تكتم العزم على ربط بلدان عربيّة بها، بعضُها مجاورٌ كالعراق وبعضها ناءٍ كغزّة واليمن، فضلاً عن سوريّة ولبنان. وهي بلدان سبق أن عبّر رسميّون في طهران عن الرغبة في إلحاقها إمبراطوريّاً.

بقسمة إجماليّة تبدو إسرائيل، من وجه، أخطر من إيران، وتبدو إيران، من وجهين، أخطر من إسرائيل.

فالقوّة العسكريّة والتقنيّة الإسرائيليّة، التي لا تملك طهران مثلها، تنمّ عن وحش ضامر قد يظهر إلى العلن في هيئته هذه. أنيابها النوويّة وكونها، في الوقت نفسه، سيليكون فالي الشرق الأوسط، يبعثان في جوارها قلقاً مبرّراً. روادع الديموقراطيّة البرلمانيّة لهذا الوحش تتراجع مع استمرار الاحتلال وصعود الزعامات القوميّة– الشعبويّة، فيها وفي العالم، خصوصاً مع العلاقات المميّزة بين نتانياهو ودونالد ترامب. لقد جاء نقل الولايات المتّحدة سفارتها إلى القدس تعبيراً عن المضمون الاحتلاليّ الذي تحمله تلك العلاقات المميّزة. بدورها، تأتي الموافقة على قانون «الدولة الأمّة اليهوديّة»، أو «قانون القوميّة»، لتشكّل تعزيزاً أيديولوجيّاً لهذا النزوع. صحيح أنّ القانون المذكور تنظير متأخّر لواقع سابق، في إسرائيل وفي عموم المنطقة، إلاّ أنّ فعاليّة الدولة العبريّة وحداثيّتها الوظيفيّة تمنحانه فعاليّة قابلة للاستخدام أكثر ممّا في أيّ بلد آخر. بالتالي، فحالة الحرب، التي فقدت جذوتها النضاليّة السابقة، قد تتحوّل طريقة حياة يوميّة تفرضها تلّ أبيب على جوارها، أو يجرّها إليها ذاك الجوار بخفّة معهودة فيه. «حماس»، وربّما «حزب الله»، على أتمّ الاستعداد.

إيران، من جهة أخرى، عشرة أضعاف الدولة العبريّة سكّاناً. هذا يعني أنّ الطاقة البشريّة الإسرائيليّة لا تستطيع أكثر من الاستيطان في الأراضي الفلسطينيّة. مثيلتها الإيرانيّة قادرة على الانتشار في بقعة جغرافيّة أكبر كثيراً. افتراض كهذا ليس تضخيماً للواقع ولا تلفيقاً له، ما دام صراع الهويّات احترافاً مشرقيّاً مشهوداً له. شيء من ذلك يحصل في سوريّة اليوم، ووراءنا تاريخ من التحويل السكّانيّ الذي كان أكراد المنطقة وأرمنها وفلسطينيّوها أبرز ضحاياه.

إيران، كذلك، ترتبط مذهبيّاً بكتل سكانيّة كبرى في العالم العربيّ، وهذا ما لا يصحّ في إسرائيل بعد هجرة اليهود العرب وتهجيرهم. لقد آلت ظروف المنطقة في تاريخنا الحديث إلى تحويل الغنى، الذي ينطوي عليه التعدّد، مصدراً للتنازع والإحتراب. أمّا التجارب فدلّت على أنّ في وسع إيران توظيف الظلم والتهميش اللذين نزلا بالشيعة العرب كأساسٍ تُبنى عليه مشاريع نفوذ وتوسّع. لهذا فالأثر التفتيتيّ على مجتمعاتنا أكبر في حالة الاحتكاك بإيران الخمينيّة ممّا في حالة الاحتكاك بإسرائيل. لبنان، مثلاً، عرف التجربتين: في ظلّ الإسرائيليّين، عاش تنازعنا الأهليّ على هامش التضامن. في ظلّ الإيرانيّين، لم يبق إلاّ التنازع المعلن مرّةً، الضامر مرّات.

المسألة مسؤوليّتنا أصلاً، لا مسؤوليّة إيران أو إسرائيل كما يقول الوعي التآمريّ. لكنّ أسوأ الأسوأ أن تصل بنا اللامسؤوليّة إلى التعويل على واحدتهما في مواجهة الأخرى.

 اخر تحديث في 23 يوليو 2018 / 22:25

The views and opinions of authors expressed herein do not necessarily state or reflect those of the Arab Network for the Study of Democracy
 
Readers Comments (0)
Add your comment

Enter the security code below*

 Can't read this? Try Another.
 
Related News
UN calls on Arab world for more solidarity against pandemic
Virus impact could kill over 50,000 children in MENA: UN agencies
Virus cases surpass 200,000 in Gulf states
Mideast economies take massive hit with oil price crash
Trump says US will destroy any Iranian gunboats harassing U.S. ships
Related Articles
Democracy in the digital era
From hope to agony, what's left of the Arab Spring?
Reopening the peace factory
Tackling the inequality pandemic: a new social contract
Global wake-up call
Copyright 2024 . All rights reserved