THU 28 - 11 - 2024
 
Date: Jul 10, 2018
Source: جريدة الحياة
«التطرّف» في خيارات السوريّين - حازم صاغية
أهل محافظة درعا، خصوصاً الذين فرّوا من الموت باتّجاه الحدود السوريّة – الإسرائيليّة، يلخّصون على نحو بليغ مأساة السوريّين.

قبل أن يفرّوا بأجسامهم من القتل، فرّوا بنفوسهم من نظام قاتل. لقد كانوا أوّل من ثار عليه إثر محنة أطفالهم التي باتت شهيرة. وهم لو عبروا الحدود نحو إسرائيل، وهو ما لا تتيحه إسرائيل أصلاً، لعُدّوا عملاء للعدوّ الصهيونيّ. أمّا عودتهم إلى بيوتهم وقراهم، فمعناها الخضوع مجدّداً للنظام القاتل الذي ثاروا عليه، بعدما أضاف إلى نوازعه الجــريميّة جرعة ثأر عالية وجرعة أخرى من دعم دوليّ: النظام هذا هو إيّاه ما يتّفق اليوم فلاديمير بوتين ودونالد ترامب وبنيامين نتانياهو على أنّه «الأصلح» لهم ولسوريّة!

في ذلك شيء من جحيم دانتي، لكنّه جحيم لا يليه مَطْهر ولا فردوس. سطح الأرض مغلق يستحيل الصعود إليه. الأفق مغلق يستحيل اختراقه.

يلخّص هذا الوضعُ الخياراتِ المتاحة للسوريّ الذي لا يريد أكثر من أن يعيش كمواطن حرّ آمن ومحترم، له حقوقه وعليه واجباته. فهو الآن إمّا أن يعاود الخضوع لحكم يُذلّه ويضطهده ويُفقره في وقت واحد، وإمّا أن يفرّ يائساً إلى أوطان يصدّه عنصريّوها، وإمّا أن يُحسَب خائناً وعميلاً. لكنّه يستطيع أيضاً أن يحترف الكذب والمراوغة، فيغنم رضا النظام ومعه المنافع والمكرمات وربّما المنصب.

بلغة أخرى: هو إمّا أن يُسلخ جلده أو أن ينسلخ عن جلده. إمّا أن تُسلخ نفسه أو أن ينسلخ عن نفسه.

بعد ذاك يحدّثونك عن «داعش» والتطرّف. والتطرّف ينجم، من دون شكّ، عن أسباب كثيرة معقّدة ومتفاوتة. إلاّ أنّ العيش في المسلخ الكبير يبقى أبرز تلك الأسباب، خصوصاً حين يستحكم اليأس من مغادرة المسلخ، بعد أن تفشل محاولة هدمه على رؤوس متعهّديه. والآن، وفضلاً عن الدعم الدوليّ، يتقاطر مَن يحملون الطلاء والمسامير لترميم المسلخ وتجديده، وتحويل الدم المتجمّد على الحيطان إلى إسمنت. هذا ما يُعرف اليوم بمشروع إعادة إعمار سوريّة الذي يسيل له اللعاب.

لقد أسمت «إيكونوميست» البريطانيّة، في عددها ما قبل الأخير، السوريّين «الفلسطينيّين الجدد». فهم، عندها، سيكونون شياطين المنطقة ممّن يدفعهم الظلم ونقص العدالة، مثلما دفع الفلسطينيّين قبلهم، إلى العنف والسلاح والفوضى. ربّما. لكنّ المؤكّد اليوم أنّ درعا التي كانت فاتحة الثورة لن تكون خاتمة الأحزان. فنظام الأسد يسجّل في دفتر انتقامه اسم إدلب التي تنتظر دورها. وضحايا درعا وإدلب وسواهما من المناطق السوريّة لديهم دفاترهم العديدة أيضاً، يسجّلون فيها أسماء قاتليهم، ومن يموت كثيراً مرشّح أن يُميت كثيرين.

The views and opinions of authors expressed herein do not necessarily state or reflect those of the Arab Network for the Study of Democracy
 
Readers Comments (0)
Add your comment

Enter the security code below*

 Can't read this? Try Another.
 
Related News
Syrian army says Israel attacks areas around southern Damascus
Biden says US airstrikes in Syria told Iran: 'Be careful'
Israel and Syria swap prisoners in Russia-mediated deal
Israeli strikes in Syria kill 8 pro-Iran fighters
US to provide additional $720 million for Syria crisis response
Related Articles
Assad losing battle for food security
Seeking justice for Assad’s victims
Betrayal of Kurds sickens U.S. soldiers
Trump on Syria: Knowledge-free foreign policy
Betrayal of Kurds sickens U.S. soldiers
Copyright 2024 . All rights reserved