TUE 26 - 11 - 2024
 
Date: Jul 3, 2018
Source: جريدة النهار اللبنانية
تُجّار الولاءات في ثقافة الحكم التوافقي اللبناني - أحمد بعلبكي
يمثل الإختلاف في المفاهيم المروّجة وفي صياغات التخاطب داخل الجماعات والمناطق مؤشراً على ما رسا عليه التعاشر والتثاقف بين التقليد والتمدن في العلاقات والتعاملات كما في التجاور السكني. ومن المألوف في مجتمعنا اللبناني، كما في كل المجتمعات، وجود الاختلاف في ايحاءات الكلام والمشاعر الكامنة في مفاهيم وسلوكيات التخاطب بين المدينة من جهة وبين الأرياف من جهة أخرى حيث تُغلّب، الولاءات القرابية، في العائلات الممتدة خاصة. هذه الولاءات التي تعمل الزعامات على تشبيكها داخل كل طائفة بفعل تبسُّطها في ارهاف التحسس معها لضمان تأييد عوامها ليس في الانتخابات البرلمانية لشرعنة تحاصصهم السلطة والثروة وحسب بل لرفع أرصدتهم التمثيلية في الدول الاقليمية والغربية التي ارتهنوا في التحالف معها لتمدهم سياسياً ومالياً في منافساتهم لتجديد زعامتهم. وفي هذا السياق زاد خروج الطوائف عن حدود دولة الاستقلال لترتبط سياسياً بطوائف حاكمة في دول أُخرى تتعهد إمدادها. وهكذا تعددت ارتهانات زعامات الطوائف التي تسلمت دولة الاستقلال وتعددت في ظلالها ارتهانات وسائل الإعلام المروجة لصيغة الديموقراطية البرلمانية" التوافقية" وللخطاب الطائفي الذي سبق وروّجت لمفاهيمه في الخطاب السياسي للموالاة كما للمعارضة وتحكمت في تحريك اختلافات عوام طوائفها. وهي مفاهيم رسخ الاعلام اللبناني والعربي والدولي منذ أكثر من قرن فهماً مُؤولا لها: 

1- فبعد أن كان مفهوم الطائفة يعني، قبل القرن التاسع عشر، اجتهاداً في الدين أصبحت الطائفة تعني عصبية مذهبية سياسية. وقد لحق بهذا الاختزال السياسي لمفهوم الطائفة الاقرار في الميثاق الذي توزع بموجبه زعماء المذاهب صبيحة الاستقلال مناصب رئاسات كل من الجمهورية ومجلس الوزراء ومجلس النواب. وأصبح التوزع المذهبي لهذه الرئاسات مضموناً بفعل الإقرار الميثاقي بالتحاصص الذي يشرعن تدخل الكيانات الطائفية الاقليمية في ترسيخه. وأتاح لكل طائفة أن تنفرد بأن يكون لمؤسساتها المذهبية المركزية قوانينها الخاصة بالاحوال الشخصية ومدارسها المتفردة ببرامج التعليم والتربية على ممارسة الطقوس فتزيد في غربة الطلاب عن بعضهم بعضاً. غربة ينمو معها الإرتياب والإستعداء ويزيد في خطورة استغراباتهم المتبادلة كونهم لا يتعرفون لا في مدارسهم المذهبية ولا حتى في المدارس الحكومية، المُطيّفة الإدارات والتعيينات، الى عروض موضوعية عن المذاهب المختلفة لأهلهم وعن المبررات الموضوعية لتعايشها. وبهذا ابتعدت المدرسة الحكومية عن أهدافها العلمانية في بناء الجمهورية كما في فرنسا. وقد أدت هذه التشريعات المسهلة لتوسع التعليم الخاص، والديني منه خاصة، حتى بات يُربي ثلثي طلاب لبنانيين تُساهم الحكومة بدفع الأقساط المدرسية لحوالى ربع المسجلين فيها من أبناء موظفي الإدارة العامة.

2- ومنها مفهوم العيش المشترك الذي كان يعبر قبل حكومات الاستعمار والإنتداب والإستقلال، عن الضرورة الموضوعية لتخالط الطوائف في الأرياف كما في أسواق المدن منذ مئات السنين، لتحمله تلك الحكومات مضموناً يُشير الى مجرد التجاور وقلة الاندماج تحكمه العلاقات الظرفية للانظمة الاقليمية الحاضنة لزعامات طوائفه.

3- ومنها مفهوم الديموقراطية البرلمانية وهو في الواقع اللبناني مفهوم الديموقراطية الطوائفية التوافقية القائم على توازن التحاصص الطوائفي للسلطات في الإدارة الحكومية توازناً تُشرعنه تعاهدات ميثاقية رعتها حكومة الانتداب الفرنسي على حساب الطابع المدني لروح الدستور المستوحى من الدستور الفرنسي. وتراكمت قدرات الزعامات على تزييف هذه الروح: فيُلاحظ أن مثل هذه الديموقراطية تتيح فرصاً أكبر لمركزة السلطة الزبائنية داخل الطائفة. هذه السلطة، التي يُوفر لها النهج الزبائني الكثير من ولاءات النفعيين المتعهدين، ترهيب الناخبين أمام أقلام الإقتراع. وهذا ما حرص عليه البعض من زعماء الطوائف الريفية عندما اصروا على رفض مبدأ التصويت في مراكز السكن والابقاء عليه في مراكز القيد وذلك تمكيناً لمفاتيحهم من المحاصرة الأهلية للناخب أمام قلم الإنتخاب في القرى خاصة.

لقد أدت الآثار التفاعلية لتنافر زعماء الطوائف المتعارضي الولاءات الاقليمية والدولية إلى استقرار في حكمها للبنان. وترسخت في الثقافة السياسية وفي الإعلام اليومي ترصدات اضطرابات التحالفات الخارجية على الإدارة السياسية. وفي هذه الترصدات اليومية والضرورية يستند السياسيون والاعلاميون في ادارة التوافق والتنازع بين القوى السياسية في لبنان. ويميل المحللون غالباً إلى ربط استقرار الوضع السياسي بتوازن المصالح والعلاقات بين تلك القوى الخارجية . وينقسم اللبنانيون عبر وسائل إعلامهم حول "بداهة" حضور وتأثير الشركاء الخارجيين في أمن وسيادة الدولة ويصبح الوضع في لبنان وتركيب الحكومات فيه رهين الدول "المُفضلة" دائماً بتمويل عجوزاته أو تدميراته التي تقوم بها إسرائيل، ورهين الدولة الفرنسية التي لا تضحي بالتخلي عن المزايا الجيوسياسية لموقع التعددية اللبنانية ولا عن الاحتضان الثقافي الذي بدأته في الأوساط المسيحية وانتهى ليشمل الزعامات الاسلامية السنية.

4- الولاءات الإقليمية في التعددية التوافقية يبرز الحضور الخليجي السياسي في تزكية الترشيحات إلى جانب الزعامة السنية الأولى التي يُعلن لها الولاء في شوارع العاصمة في مواجهة الحضور الشمولي للنظام الإيراني. ويظهر هذا الولاء للحضور الخليجي محدودا في بعض من الحارات بالمقارنة مع الحضور الايراني المتمقدس ببطولات المقاومة وصور الشهداء والاعلام التي تتولى تعليقها منظمات حزبية تُضاف إليها تعليقات تجار متنفِّعين يُوالون الزعامة الأوسع تمثيلاً في الأوساط الشيعية. ويذهب مسؤولو التنظيمات الحزبية وتجار الولاءات في الإكثار اللافت في المواسم الانتخابية من صور زعيم الكتلة دون سواه من مرشحيه الى اعتبار أنه هو الذي جاء ويجيء بهم الى البرلمان.

The views and opinions of authors expressed herein do not necessarily state or reflect those of the Arab Network for the Study of Democracy
 
Readers Comments (0)
Add your comment

Enter the security code below*

 Can't read this? Try Another.
 
Related News
Long-term recovery for Beirut hampered by lack of govt involvement
Lebanon to hold parliamentary by-elections by end of March
ISG urges Lebanese leaders to form govt, implement reforms
Lebanon: Sectarian tensions rise over forensic audit, election law proposals
Lebanon: Adib faces Christian representation problem in Cabinet bid
Related Articles
The smart mini-revolution to reopen Lebanon’s schools
Breaking the cycle: Proposing a new 'model'
The boat of death and the ‘Hunger Games’
Toward women-centered response to Beirut blast
Lebanon access to clean drinking water: A missing agenda
Copyright 2024 . All rights reserved