TUE 26 - 11 - 2024
Declarations
Date:
Jun 22, 2018
Source:
جريدة النهار اللبنانية
عندما ترتدّ جهود مكافحة العنف التنموية بنتائج عكسية - جيسيكا تريسكو داردن
فيما تستمر الحملة العالمية التي تشنّها أميركا ضد الإرهاب في التطور، اعتمدت الحكومة الأميركية بصورة متزايدة أدوات غير عسكرية لاستكمال جهودها العسكرية. تعمد الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، في إطار استراتيجيا مشتركة مع وزارة الخارجية، إلى تمويل برامج إنمائية الهدف منها الحؤول دون صعود وتوسّع النشاط المتطرّف العنفي في بلدان أساسية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا. تهدف هذه البرامج التي تقودها جهات مدنية، والمعروفة بـ"التصدّي للتطرف العنفي" أو "مكافحة التطرف العنفي"، إلى التصدّي لجهود المتطرفين الآيلة إلى تجنيد أتباع وتلقينهم التشدّد وتعبئتهم لممارسة العنف، وذلك من خلال تمكين الشباب، والدمج الاجتماعي والاقتصادي، والردود المحسَّنة من الحكومات المحلية. وتتراوح البرامج من تدريب القيادات الشابة وصولاً إلى الشراكات مع قادة دينيين معتدلين يساهمون في تعزيز إدراك المجتمعات المحلية لمخاطر التطرف.
على الرغم من أن هذه البرامج تنطلق من نيّات حسنة، إلا أنها مليئة بالمشكلات. ففي بعض الحالات، لا تبذل البرامج مجهوداً كافياً للتأكّد من أن المشاركين يواجهون فعلاً خطر الجنوح نحو التشدّد، في حين أن برامج أخرى تشجّع الإنفاق غير المجدي على أنشطة ليست لديها صلة مثبَتة بالمشكلة. والنتيجة هي أنه ربما تساهم برامج الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في استفحال المشكلة نفسها التي تحاول إيجاد حلٍّ لها، وذلك عبر زيادة الدعم للعنف في الأماكن حيث تتحرّك المجموعات المتطرّفة.
ليست إخفاقات البرامج الإنمائية الطابع في التخفيف من حدّة التطرف العنفي، مصدر قلق وحسب لصنّاع السياسات المتوجّسين من هدر أموال المكلّفين الأميركيين. فالنتائج المتفاوتة تُثير أيضاً تساؤلات حول درجة مساهمة الجهات الإنسانية في النزاع. ولعل الأهم هو أنها تؤشّر إلى أن الوقت قد حان لاعتماد مقاربة أكثر عنايةً وتأنّياً في الجهود غير العسكرية الهادفة إلى التصدّي للتطرف العنفي.
منع التطرف العنفي من خلال التنمية
ازدادت الحماسة العالمية لتطبيق برامج تقودها جهات مدنية من أجل استكمال جهود مكافحة الإرهاب، عندما عقدَ الرئيس باراك أوباما "قمة البيت الأبيض حول مكافحة التطرف العنفي" عام 2015. وقد سعت القمة إلى إطلاق جهود من أجل العمل في شكل أفضل على تحديد المشكلة والتدخل في المجتمعات المحلية قبل أن يقود التشدد إلى العنف. واستندت إلى الدروس المستمدّة من التجارب الأميركية في أفغانستان والعراق، والتي أظهرت أهمية الدور المدني في التصدّي للأيديولوجيا المتطرفة العنفية. مع ذلك، لا يزال العاملون في الشأن السياسي منقسمين حول تحديد إلى أي مدى يجب دمج هذه المقاربة في استراتيجيا أوسع نطاقاً لمكافحة الإرهاب.
ثمة إجماع على نطاق واسع في الدوائر السياسية والأكاديمية بأن أسباب التطرف العنفي تتألف من عوامل على المستويَين البنيوي والفردي، أو ما يُسمّى بعوامل الدفع والسحب (push and pull factors) على التوالي. تؤدّي عوامل الدفع أو العوامل البنيوية إلى نفور الأفراد، وتالياً إلى إبعادهم عن مجتمعاتهم. وهي تتراوح من التمييز أو التهميش من قبل الدولة (بما في ذلك القمع وانتهاكات حقوق الإنسان) وصولاً إلى فشل الحكومة في تأمين الخدمات العامة الأساسية. أما عوامل السحب أو العوامل الفردية فتجذب الأشخاص نحو المجموعات المتطرفة العنيفة. وهي تشمل الجاذبية الأيديولوجية للتنظيم، واحتمال تحقيق مكاسب اقتصادية، والروابط الشخصية، بما في ذلك الشبكات العائلية والصداقات.
تسعى البرامج الإنمائية المموَّلة من الولايات المتحدة إلى التخفيف من عوامل الدفع والسحب على السواء عبر المساهمة في تطوير مؤسسات حكومية أكثر فاعلية، وتأمين التدريب الوظيفي، وإحياء الفنون والرياضة من جديد في المناطق التي كانت خاضعة سابقاً لسيطرة المتطرفين، فضلاً عن جهود أخرى. وتُعتبَر الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، من خلال "المبادرات الانتقالية" في أماكن مثل تونس ومالي ونيجيريا، وبرامج "السلام عن طريق التنمية" في بوركينا فاسو وتشاد والنيجر، في واجهة الجهود الهادفة إلى مكافحة التطرف العنفي.
عندما تنحرف البرامج عن مسارها الصحيح
تشير أبحاث أجريت أخيراً ومراجعة معمّقة لتقييمات برامج الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، إلى أن بعض البرامج الإنمائية تتسبّب بتحويل السلوكيات المحلية نحو زيادة الدعم للإرهاب. على سبيل المثال، أجرى باحثون من جامعتَي برنستون وييل أخيراً تقييماً لبرنامج "إنفست" لتنمية المهارات الذي امتدّ على 36 شهراً وأمّن تدريباً مهنياً للشباب الأفغان. حصل البرنامج على التمويل من "معهد السلام الأميركي" (مركز أبحاث مموَّل من الحكومة الأميركية)، وصمّمته ونفّذته منظمة "مرسي كوربس". وقام مختبر جامعة ييل الميداني عن العنف السياسي بتمويل مكوِّن إضافي – تحويل نقدي – وتنفيذه لأغراض الدراسة. وفي الدراسة، جرى توزيع 2600 شاب في محافظة قندهار، بصورة عشوائية، على أحد المكوّنات الثلاثة في برنامج "إنفست": ثلاثة إلى ستة أشهر من التدريب على الوظائف أو المهارات، أو تحويل نقدي قدره 75 دولاراً عن طريق الهاتف الخليوي، أو المكوّنَين معاً. واستُخدِمت مجموعة رابعة من الشبان بمثابة مجموعة تحكّم ولم تحصل على شيء.
في حين وجد الباحثون أن مزيج التدريب والنقود ساهم، على ما يبدو، في الحد من استعداد المشاركين لدعم حركة "طالبان"، بما في ذلك من خلال الدعم المالي أو اللوجستي، لم يكن للتدريب الوظيفي في ذاته أي تأثير ملحوظ على الدعم لحركة "طالبان" أو للحكومة الأفغانية. غير أن الأشخاص الذين حصلوا فقط على تحويلات نقدية، أظهروا استعداداً أكبر لتقديم الدعم إلى "طالبان" بعد نحو سبعة إلى تسعة أشهر من حصولهم على المال. لقد تبيّن أن التحويلات النقدية – وهي من أدوات المساعدة الإنمائية التي يتم الترويج لها – تتسبّب بزيادة استعداد الأفراد لتقديم دعم مادّي إلى التنظيمات الإرهابية. قد يكون السبب أن الحلول السريعة، مثل ضخ السيولة، ليست حلولاً على الإطلاق؛ لا بل تسلّط الضوء على عجز الحكومات عن الوفاء بوعود التغيير.
كذلك ظهر الدعم المتزايد نفسه للعنف بعد بذل جهود إنمائية أوسع نطاقاً. كان الهدف من مبادرة "المتعلّمين الشباب" في الصومال، وهي عبارة عن برنامج بقيمة 39 مليون دولار من تمويل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، السماح لأكثر من مئة ألف شاب بالوصول إلى التعليم الثانوي وغير النظامي ذي الجودة العالية. وكانت أنشطتها من النوع المتعارَف عليه في عدد كبير من البرامج الإنمائية: لقد عملت المبادرة على بناء مدارس وترميمها ونظّمت أنشطة للانخراط المدني، على غرار الدورات الرياضية. توصّلت دراسة أجرتها منظمة "مرسي كوربس" إلى أن الشباب في جمهورية أرض الصومال (صوماليلاند) الذين التحقوا بالتعليم الثانوي في إطار هذا البرنامج هم أقل ميلاً إلى اللجوء إلى العنف في الخلافات الشخصية. بيد أن 11 في المئة من المشاركين باتوا أكثر ميلاً للموافقة على استخدام العنف من أجل قضية سياسية - وهذا هو تحديداً تعريف الإرهاب. بغية تفسير هذه الاستنتاجات، خلص الباحثون إلى أن تحسين التعليم يزيد من إدراك النشء الطالع للشوائب التي تعاني منها حكومته، ولمحدودية آفاقه. وافترضوا أن هذا الإدراك الجديد يُترجَم دعماً إضافياً للعنف السياسي.
توصّلت دراسة مماثلة عن البرنامج التعليمي نفسه في مناطق أخرى من الصومال، إلى أنه ليس للوصول المتزايد إلى التعليم تأثير ملحوظ على مشاعر العزلة الاجتماعية لدى الطلاب - وهو من المحرِّكات الأساسية للتطرف العنفي. لا بل إنه تسبّب بخفض ثقة الطلاب بقدرتهم على تغيير مجتمعهم المحلي. تُظهر هذه الاستنتاجات مجتمعةً أنه يمكن أن تكون للجهود الواسعة، على غرار تحسين الوصول إلى التعليم، تأثيرات متفاوتة أو حتى متناقضة على التطرف العنفي.
هذا ما تؤكّده أمثلة أخرى. فبعد خمس سنوات من الاستماع إلى البرامج الإذاعية الأميركية في شمال مالي، والتي اشتملت على برامج لشخصيات دينية معتدلة، بات لدى السكّان ميلٌ أكبر إلى الانخراط على المستوى المدني. إلا أنهم لم يغيّروا معتقداتهم بشأن ما إذا كانت أعمال العنف التي تقوم بها المجموعات الإرهابية مبرّرة بموجب المبادئ الإسلامية أو حول ما إذا كانت الولايات المتحدة تخوض حرباً مع الإسلام.
تُظهر التأثيرات المتفاوتة للبرامج المموَّلة من الحكومة الأميركية أن الولايات المتحدة لا تستخدم مواردها المحدودة للمساعدات الخارجية بطريقة فاعلة أو كفوءة في هذا المجال. أسوأ من ذلك، تكشف أن الوسائل المدنية التي تُستخدَم كأدوات مكمِّلة لمكافحة الإرهاب، لا تُقدّم الحل المنخفض الكلفة الذي تطلّع إليه كثر.
تأهَّب، صوِّب، أخطِئ الهدف
كيف عسانا نفسّر هذا الدعم المتزايد للتطرف العنفي؟ لدى عِلم النفس الاجتماعي بعض الأجوبة. لقد أظهرت الأبحاث، على امتداد عقود، أن الهجمات على المعتقدات المتجذّرة في النفوس يمكن أن تجعل هذه المعتقدات أكثر مقاوَمة للحجج المضادّة. في الواقع، قد تؤدّي الجهود الآيلة إلى تقويض الدعم للإرهاب، إلى ترسيخ المعتقدات القائمة.
كما أن برامج التصدي للتطرف العنفي تستهدف ربما الأشخاص الخطأ. فغالباً ما تستهدف هذه البرامج "الشباب المعرَّضين لخطر التطرف العنفي"، لأن الشباب يُعتبَرون أكثر عرضةً للتلاعب والتأثّر بحملات الاستقطاب الأيديولوجية، ويُنظَر إليهم بأنهم قوة عاملة جاهزة للتجنيد من المجموعات المتشدّدة. لكن ليس جميع الشباب معرَّضين للخطر بالدرجة نفسها. فقد وجد تقييمٌ خارجي أن "مبادرة الانتقال التونسية" التي أطلقتها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية فشلت في استهداف الشباب المهدّدين بالتحول إلى متطرّفين عنيفين. بدلاً من ذلك، ركّز البرنامج في شكل أساسي على العمل مع الشباب المعرَّضين لخطر الإدمان على المخدّرات أو التورّط في نشاط إجرامي، وكلاهما غير مرتبطَين بطريقة حاسمة بالتطرف العنفي. وقد أعرب واضعو التقييم عن قلقهم بأن البرنامج لم يصب هدفه على الإطلاق في تونس.
تزداد هذه المسائل تعقيداً بسبب البرامج التي تجد صعوبة في تبيان صلتها بالمشكلة المطروحة. غالباً ما تبدو أنشطة إشراك الشباب - التي تضمّنت في تشاد زرع أشجار في مراكز اجتماعية، وتنظيف الأسواق، ودهن قاعات التدريس - وكأنها مجرد عمل لإبقائهم منشغلين من دون قيمة حقيقية. في بوركينا فاسو، اشتمل أحد برامج التدريب القيادي للشباب على تلقين عشرة شبّان كيف يفتحون حسابات شخصية على موقعَي "تويتر" و"فايسبوك".
عدد كبير جداً من جهود التصدّي للتطرف العنفي عبارة عن أنشطة من هذا القبيل تُطرَح علامات استفهام حول الأثر الذي يمكن أن تتركه. لقد بلغت كلفة عرض الأفلام والعروض المسرحية الشابة، على امتداد ثلاثة أشهر، مئة ألف دولار من مجموع المبالغ التي أنفقتها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في النيجر. وقد أُنفِق نحو نصف مليون دولار إضافي على الإنتاجات الإذاعية والتلفزيونية التي يتمحور موضوعها حول التطرف العنفي. وبعد عام ونصف العام على انتهاء هذه البرامج، ليس هناك من طريقة لتقييم إذا كان أيٌّ منها قد مارس تأثيراً مجدياً أو دائماً على السلوكيات حيال التطرف العنفي في البلاد.
ادّخار الجهود من أجل التصدّي للتطرف العنفي
يمكن اتخاذ بعض الخطوات البسيطة كي لا تساهم البرامج الهادفة إلى الحد من التطرف العنفي، في استفحال المشكلة. من الجيد البدء بتحسين الاستهداف في الموارد والبرامج على السواء. نظراً إلى الاحتمالات الواضحة بحدوث عواقب سلبية، يجب أن يكون نطاق البرامج ضيّقاً قدر الإمكان. فمن المحتمل أن تمارس التدخّلات الواسعة والعامة تأثيراً متفاوتاً على التطرف العنفي، هذا في حال كان لها أي تأثير على الإطلاق. من شأن البرمجة المركَّزة التي تلبّي احتياجات مجتمع معيَّن و/ أو عوامل الخطر لديه، أن تقود إلى برامج أكثر فاعلية وكفاءة. تتطلب هذه المقاربة بعض العمل التمهيدي في البداية - تحقيق فهم أفضل للشبكات الاجتماعية المحلية وعوامل سياقية أخرى - غير أن الحكومة الأميركية تمتلك الأدوات اللازمة للقيام بذلك.
يشكّل اختبار البرامج مسبقاً قبل الاستثمار فيها بكثافة، وسيلة مهمة لتقييم ما إذا كانت تتمتع بالإمكانات اللازمة لتغيير السلوكيات أو التصرفات. ويمكن أن تساهم البرامج التجريبية في صقل البرامج فيما تؤمّن أيضاً معلومات سياقية حيوية. أخيراً، من الضروري إجراء تقييمات مستمرة. ففي حال بدأت السلوكيات المحلية في التحرك في الاتجاه الخطأ، ينبغي على منفذّي البرامج أن يسعوا على الفور إلى تصويب المسار وإلا يعلّقون أنشطتهم.
ليست هذه الخطوات مجرد توصيات من أجل إشراف أفضل. فهي تعالج أيضاً المسائل الأخلاقية التي تُطرَح من خلال استخدام البرامج الإنمائية بمثابة أداة لمكافحة الإرهاب عندما تكون هناك إثباتات بأنه من الممكن أن تتسبّب تلك البرامج باستفحال التطرف العنفي. فالمقاربات غير العسكرية لمكافحة الإرهاب ليست خيراً مطلقاً. على سبيل المثال، الإثباتات عن نجاح المساعدات الخارجية كأداة لمكافحة الإرهاب لا تنطبق على البلدان التي تشهد حرباً أهلية، والتي تشكّل جزءاً كبيراً من البلدان التي يطالها التطرف العنفي.
عندما تلفت البرامج الإنمائية الهادفة إلى التصدّي للتطرف العنفي، الانتباه إلى إخفاقات الحكومات المحلية، أو تسلّط الضوء على محدودية الفرص المتاحة للشباب، أو ترفع تحدّيات ضعيفة في وجه معتقدات راسخة، يمكن أن تكون لها تداعيات سلبية، لا بل تترتّب عنها فعلاً تداعيات سلبية. ينبغي على الولايات المتحدة أن تبذل قصارى جهدها كي تتجنّب إلحاق الأذى بالآخرين، وكذلك بجهودها الهادفة إلى التصدّي للتطرف العنفي في الخارج.
أستاذة مساعدة في مادة الشؤون الدولية في كلية الخدمة الدولية في الجامعة الأميركية
ترجمة نسرين ناضر
The views and opinions of authors expressed herein do not necessarily state or reflect those of the Arab Network for the Study of Democracy
Readers Comments (0)
Add your comment
Enter the security code below
*
Can't read this?
Try Another.
Related News
UN calls on Arab world for more solidarity against pandemic
Virus impact could kill over 50,000 children in MENA: UN agencies
Virus cases surpass 200,000 in Gulf states
Mideast economies take massive hit with oil price crash
Trump says US will destroy any Iranian gunboats harassing U.S. ships
Related Articles
Democracy in the digital era
From hope to agony, what's left of the Arab Spring?
Reopening the peace factory
Tackling the inequality pandemic: a new social contract
Global wake-up call
Copyright 2024 . All rights reserved