WED 27 - 11 - 2024
 
Date: Jun 19, 2018
Source: جريدة الحياة
اللجوء والدولة ونموذجا إيطاليا وإسبانيا - حازم صاغية
629 لاجئاً ولاجئة، أغلبهم من أفريقيا، كانوا مُهدّدين بالغرق في مياه البحر المتوسّط. في عدادهم أطفال ونساء حوامل كثيرون. ثلاثة زوارق أنقذتهم وحملتهم إلى إيطاليا (ومالطا) التي رفضت إدخالهم. إسبانيا قبلتْهم، ووعدت بتأمين عناية صحّيّة مجّانيّة لهم، على أن تدرس أوضاعهم، فرداً فرداً، في وقت لاحق.

إيطاليا وإسبانيا بلدان كاثوليكيّان في الجنوب الأوروبيّ. الاختلاف بينهما بالتالي ليس دينيّاً أو «حضاريّاً». إنّه اختلاف بين نهج منفتح على العالم، متساوق مع العولمة، محترِم لحقوق الإنسان في معزل عن دينه ولونه وجنسه وطبقته، ونهج منغلق، قوميّ وحمائيّ وكاره للغريب والمختلف.

النهج الأوّل تجسّده الحكومة الاشتراكيّة التي تشكّلت قبل أسبوعين في مدريد. الثاني تجسّده الحكومة الشعبويّة التي تشكّلت، قبل أسابيع قليلة، في روما. هذه الأخيرة أنشأها ائتلاف بين حزبي «النجوم» الجنوبيّ و «العصبة» الشماليّ. قادة هذا الائتلاف لا يكتمون إعجابهم بفلاديمير بوتين ودونالد ترامب.

الانقسام هذا يلخّص تناقضات كثيرة يعيشها عالمنا اليوم.

القوميّون والمحلّيّون على أنواعهم لا يُعدمون الحجج: فالعالم ينقسم إلى دول تحدّها حدود، دولٍ تتطلّب ممّن هم ليسوا مواطنيها تأشيرة دخول إليها، فيما اقتصادها وسياستها في العمالة محكومان بمعطيات عدديّة واقتصاديّة محدّدة وملزِمة لصانع القرار. التنافس الانتخابيّ وإرضاء «الشعب» يدفعان في الاتّجاه هذا.

لكنّ التمايز عن الطوبى ليس بالضرورة مناهضةً للطوبى. إنّه كذلك عند القوميّين المحلّيّين وحدهم لأنّهم يرون قطيعة جوهريّة بين الواقع والمثال، ويعملون على تضخيم الجوهريّ فيها. هذا التمايز الواقعيّ قد يكون، في المقابل، تمهيداً لعالم أفضل من غير استعجال وحرق مراحل. وهو بالضرورة مهمومٌ بمصالحة الإنسان، بوصفه ابن وطن ودولة، والإنسان، بوصفه ابن الكون والعالم. مهمومٌ بمصالحة سيادة الوطن وسيادة الإنسانيّة. إنّه لا يزيل الحدود، التي لا تزال تفرضها موجبات عمليّة، لكنّه لا يقدّسها ولا يمجّد الاستبسال في سبيلها. وهو يرحّب بكلّ عولمةٍ، لا في حركة الرساميل فحسب، بل أيضاً في حركة العمل، فضلاً عن الثقافة والأفكار.

ما من شكّ في أنّ رئاسة دونالد ترامب، التي تفصل الأبناء عن أهلهم وتقيم الجدران بين البلدان وتعتمد الحمائيّة والرسوم الضريبيّة، وتنسحب من اتّفاقات البيئة كما من الاتّفاقات التجاريّة، هي اليوم ما يحتلّ موقع الريادة والأستاذيّة في هذه المدرسة.

تفكيك الاتّحاد الأوروبيّ، الذي بدأه بريطانيّو بريكزيت، ضربة موجعة لأوّل صيغة سياسيّة في التاريخ تتجاوز الدولة – الأمّة بإرادة شعوبها. انتخابات النمسا ثمّ انتخابات إيطاليا خطى أخرى على الطريق ذاتها.

مساهمة شطرنا من العالم في هذه المساجلة إمّا ضعيفة الحضور أو ضعيفة المعنى. هذا ليس مردّه فحسب إلى ضعف التقاليد الأمميّة والكونيّة لدينا، بل أيضاً إلى التجريف الحاصل لنفوسنا الفرديّة والجماعيّة على أيدي الولاءات الدينيّة والطائفيّة، الإثنيّة والجهويّة. فإذا صحّ أنّ كلّ تشدّد في الهويّة انخفاض عن سويّة الإنسانيّ، فنحن نضيف إلى ذاك الانخفاض انخفاضاً عن سويّة الهويّة الوطنيّة نفسها. في الغرب، يدور السجال، وهو غالباً سياسيّ، بين القوميّ وما بعد القوميّ. عندنا، هناك انقسامان، واحد بين الوطنيّ، الأضعف بإطلاق، وما قبل الوطنيّ، الأقوى بإطلاق. هذا الانقسام لا يثير سجالاً بسبب فارق القوّة بين طرفيه. الانقسام الآخر، الوازن والجدّيّ، هو بين أنواعٍ من ما قبل الوطنيّ تساوي عدد الجماعات الأهليّة. السجال هنا عنفيّ حكماً.

بالتأكيد، لا يعمل هذا النقص لدينا إلّا في تعزيز أرصدة المناهضين للجوء والهجرة في الغرب الذي يقوّي أسوأ ما فينا فنقوّي أسوأ ما فيه.

The views and opinions of authors expressed herein do not necessarily state or reflect those of the Arab Network for the Study of Democracy
 
Readers Comments (0)
Add your comment

Enter the security code below*

 Can't read this? Try Another.
 
Related News
UN calls on Arab world for more solidarity against pandemic
Virus impact could kill over 50,000 children in MENA: UN agencies
Virus cases surpass 200,000 in Gulf states
Mideast economies take massive hit with oil price crash
Trump says US will destroy any Iranian gunboats harassing U.S. ships
Related Articles
Democracy in the digital era
From hope to agony, what's left of the Arab Spring?
Reopening the peace factory
Tackling the inequality pandemic: a new social contract
Global wake-up call
Copyright 2024 . All rights reserved