WED 27 - 11 - 2024
Declarations
Date:
Jun 3, 2018
Source:
جريدة الحياة
الطرق كلها قد تؤدي إلى روما - آن أبلباوم
كانت «رابطة الشمال» حين أبصرت النور حزباً انفصالياً يدعو إلى تقسيم إيطاليا واستقلال محافظات الشمال. وولدت حركة الخمس نجوم أو النجوم الخمسة من رحم دعابة- فهي ولدت على يد ممثل هزلي ساخر- ثم تحولت إلى ثمرة وسائل التواصل الاجتماعي. والثبات ليس من شيم هاتين الحركتين، فكلتاهما تطور وتحول: رابطة الشمال تحولت إلى حزب يميني متطرف يتوسل إلى الناخبين بلغة عدائية في مقاربة المهاجرين، بينما انتهجت حركة الخمس نجوم بعض السياسات اليسارية التقليدية، ودعت إلى دخل جامع وعام ورفع مستويات الإنفاق الحكومي. واليوم، يشبكان الأيدي من أجل توجيه دفة الحكومة الإيطالية.
ولكنهما تواجهان صعوبات في صوغ برنامج مشترك- وهذا غير مفاجئ. فما تجمعان عليه- نظريات المؤامرة في مسائل اللقاحات الطبية، ومعارضة العقوبات الروسية، ولفظ سياسات التقشف عن بكرة أبيها- قد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، أي إلى رد عنيف على المستويين الداخلي والأوروبي. ويتضح يوماً بعد يوم أنهما لا تعيران بالاً إلى السياسات المشتركة، على رغم ما يجمعهما من سمات: عدم التماسك، والغضب، والنأي عن الواقعية ومعاداة العلوم، والمهارة في استخدام تكنولوجيا المعلومات. فرابطة الشمال وحركة الخمس نجوم هما مرآة كل الانفعالات القوية ومشاعر النقمة والريبة والقلق التي هي في متناول الأحزاب السياسية المعاصرة. فهما مرآة خسارة السياسة سحرها وأفول بريقها وتبدد الأوهام. وإخفاق الشعبوية يرسخ ذواء الأوهام السياسية كلها.
وعلى رغم ذيوع الاعتقاد بأن الخطاب المعادي للنخب في إيطاليا هو ظاهرة طارئة على البلد هذا ومستجدة، تعود الشعبوية الإيطالية إلى سنوات خلت. وما نراه اليوم هو ما يحصل حين إخفاق الشعبوية. فالإيطاليون سبق لهم، في ماض قريب، خوض ثورة كبرى على النخب، وهي كانت ثورة على النخب ولو أن محامين وقضاة كانوا على رأسها. ففي التسعينات، أميط اللثام عن فضيحة فساد كبرى عُرفت بـ «تانجنتوبولي» Tangentopoli (مدينة الرشاوى)- وشملت الطبقة السياسية كلها. وترتب عليها فرار رئيس الوزراء حينها، بيتينو كراكسي، إلى تونس للنجاة من السجن، وثبوت تهمة الفساد على حوالى نصف أعضاء البرلمان، وإدانتهم، واندثار أو أفول نظام الأحزاب القديم (المسيحيون الديموقراطيون والاشتراكيون والشيوعيون).
وكان سيلفيو برلوسكوني، وهو البليونير الجميل البشرة المولودة من المبضع الجراحي، أبرز المستفيدين من هذه الاضطرابات.
وهو، بدوره، لجأ إلى عالم السياسة للنجاة من الملاحقة القضائية. وفاز برلوسكوني برئاسة الوزراء على طبق من الدعابات والوعود، وأمسك بالمنصب هذا طوال تسع سنوات، ومد إليه الحزب الجديد «فورزا إيطاليا» يد العون. وأوجه الشبه بين خطابه وخطاب ترامب كبيرة، فهو درج على إهانة الآخرين. وسار على نهج زعماء أميركا اللاتينية في إهمال الإصلاحات الفعلية. وفي أعوام حكمه، حارب المحاكم حين سعت إلى إدانته، ونظم حفلات ضخمة في سردينيا، وأخفق في تذليل العقد البيروقراطية والقانونية التي تطبق على التجارة الإيطالية وتخنقها.
وتلت حكم بيرلوسكوني سلسلة حكومات تكنوقراطية، وحكومة يسار وسطي، وسعت هذه الحكومات إلى إلقاء لائمة مشكلات إيطاليا المحلية على الاتحاد الأوروبي. ولكن إخفاق الشعبوية لم يؤدِ في إيطاليا إلى التماس الناس عودة الوسطيين المعتدلين إلى الحياة السياسية. فإثر خيبة الآمال والإحباط والوعود الكاذبة، لم يسارع الإيطاليون إلى التمسك بواقعيين من السياسيين النزيهين الذين لم يمطروهم بالأكاذيب أو لم يستبعدوا الخيارات القاسية. ففي إيطاليا، على نحو ما كان عليه الأمر في شطر راجح من دول أميركا اللاتينية، فاقم إخفاق الشعبوية كراهية «النخب»، الفعلية والمتخلية على حد سواء، وغذى الطلب على التغيير الجذري والمتعذر، وتعاظم الشعور بالاغتراب السياسي.
ولا شك في أن الحكومة الإيطالية هذه قد لا تبصر النور. وعقد التحالف بين الحركتين قد ينفرط. فناخبو رابطة الشمال الذين يرغبون في اقتطاعات ضريبية قد يجبهون ناخبي حركة الخمس نجوم الذين يريدون زيادة الإنفاق العام زيادة ضخمة. وإذا اختارت الحكومة التزام الإجراءين في وقت واحد، الاقتطاع الضريبي ورفع الإنفاق معاً، انزلقت البلاد إلى أزمة مالية. وإذا انتهجت سياسات مسؤولة، غامرت بإطلاق موجة جديدة من معاداة النخب والسياسة.
ويبدو أن إيطاليا مستودع دروس يسع الأميركيين النهل من معينه. فإثر انتهاء ولاية ترامب، ليست العودة لا محالة إلى سابق عهد الولايات المتحدة بالمساومات بين وسطيين محافظين وليبراليين يحترمون الدستور ويرفعون لواء مواطنة تحتكم إلى تعريفاتها القديمة (ما قبل ترامب)، ويُنتخبون بناء على إنجازاتهم وخبراتهم ورؤاهم الانتخابية. والأغلب على الظن أن يقترع الناخبون لمرشحين غير مسؤولين وغير عقلانيين. وعليه قد ينبئنا ما يجري في روما بما ينتظرنا في أميركا.
* مؤرخة، عن «واشنطن بوست» الأميركية، 18/5/2018، إعداد منال نحاس
The views and opinions of authors expressed herein do not necessarily state or reflect those of the Arab Network for the Study of Democracy
Readers Comments (0)
Add your comment
Enter the security code below
*
Can't read this?
Try Another.
Related News
UN calls on Arab world for more solidarity against pandemic
Virus impact could kill over 50,000 children in MENA: UN agencies
Virus cases surpass 200,000 in Gulf states
Mideast economies take massive hit with oil price crash
Trump says US will destroy any Iranian gunboats harassing U.S. ships
Related Articles
Democracy in the digital era
From hope to agony, what's left of the Arab Spring?
Reopening the peace factory
Tackling the inequality pandemic: a new social contract
Global wake-up call
Copyright 2024 . All rights reserved