TUE 26 - 11 - 2024
 
Date: May 20, 2018
Source: جريدة الحياة
في الكلام عن فلسطين والفلسطينيّين - حازم صاغية
قتل الفلسطينيّين ليس جديداً على إسرائيل. لكنّ المذبحة الأخيرة على الحدود انطوت على خصوصيّة نافرة. بعض التلفزيونات التقطت تلك الخصوصيّة بأن قسمت شاشتها نصفين: نصفاً لاحتفال السادة الذين يكادون ينفجرون سعادة، ونصفاً لألم العبيد الذين يُقتَلون. نصفاً للأقوياء والأغنياء ذوي الأيدي الملطّخة بالدم، ونصفاً للفقراء الضعفاء ممّن يعيشون في قفص مضغوط.

هذا الانشطار الذي استوقف جيشاً من الكتّاب والمعلّقين كان أكبر بلا قياس من سائر الكلام العربيّ الذي قيل، وطبعاً أكبر من التعامل الحزبيّ الضيّق والوضيع الذي تعاملته «حماس» ورئيسها الفصيح يحيى السنوار مع المأساة.

والحال أنّنا إذا وضعنا جانباً القصائد والخطابات، لم نجد إلّا كلاماً سبق أن قيل مليون مرّة من قبل. لا فكرة واحدة جديدة، ولا قول واحد لم يُقَل. المأساة في سويّة عليا. أقوالنا في سويّة بالغة الانخفاض.

رداءة إسرائيل وشرّيّتها. تخاذل العالم. عجز العرب... كلّ هذا صدحت به الحناجر أيضاً وأيضاً. بدا الحدث الجليل كأنّه فرصة أخرى للتمرين على الخطابة والإنشاء. لكنْ إذا كان الأمر لا يتعلّق، من حيث المبدأ، بالعقل، ولا باللغة، فإنّه بالتأكيد ينمّ عن أزمة عميقة في قراءة الواقع ومستجدّاته. والصعوبة هنا لا يرقى إليها الشكّ لسببين على الأقلّ: من جهة، لأنّ المطالبة بالاستسلام غير عادلة وغير أخلاقيّة، ومن جهة أخرى، لأنّ المطالبة بالمقاومة هي أيضاً غير عادلة وغير أخلاقيّة. المطالبة الأولى دعوة إلى الموت الذليل والبطيء. المطالبة الثانية، في ظلّ توازن القوى القائم، دعوة إلى الموت المعجّل.

قد يجوز القول إنّ الصعوبة التي تحيط بالكلام الفلسطينيّ تكمن هنا بالضبط: كيف يُهجَر الكلام الفضفاض والمكرور وكيف يتمّ التحرّك داخل الرقعة الممتدّة بين الاستسلام والمقاومة؟ كيف يُعمل على تطوير أشكال المقاومة السلميّة والمدنيّة بما لا يتيح للأطراف الحزبيّة أن تزعم السيطرة عليها، فيما يسهّل على إسرائيل إغراقها في الدم؟

هذا أضعف الكلام في تقاليدنا الكلاميّة الإطلاقيّة. وذلك علماً بأنّ ما نعيشه راهناً يلحّ على طلب الدقّة التي تجافي ميلنا إلى الإطلاق. يكفي التذكير بعدد من العناوين التي لا يمكن تجاهلها:

قبل أن «تُترك غزّة وحدها» من العرب، فإنّها «تُركت وحدها» من الفلسطينيّين في إسرائيل ومن فلسطينيّي الضفّة الغربيّة. هذا أبعد وأعمق كثيراً من اختصاره في قمع إسرائيل أو قمع السلطة في رام الله. أمّا دوليّاً، فاحتفال بنيامين نتانياهو في القدس مع ابنة دونالد ترامب وصهره جاء بعد احتفاله مع فلاديمير بوتين في موسكو. بين هذين الحدّين القاهرين، الداخليّ والخارجيّ، يستحيل الوقوع على عنصر إقليميّ واحد ملائم، اللهمّ إلّا إذا صدّقنا دجل الممانعين في دمشق وطهران في ما خصّ «تحرير فلسطين» و «إزالة إسرائيل».

كيف نفكّر بالمفرّق لا بالجملة، وبالسياسة - وهي اليوم أصعب من أيّ وقت سابق - لا بالخطابة؟

في غضون ذلك، يُفترض بنا أن لا نقول شيئاً للفلسطينيّين لأنّنا لا نملك أيّ جديد نقوله لهم. وأن لا نقول لهم شيئاً لأنّ ما سوف نقترحه عليهم جرّبوه كلّه. دعنا نتوقّف عن وعظهم وعن التفنّن في اختيار طرق لموتهم. دعنا نحزن وكفى.
 

The views and opinions of authors expressed herein do not necessarily state or reflect those of the Arab Network for the Study of Democracy
 
Readers Comments (0)
Add your comment

Enter the security code below*

 Can't read this? Try Another.
 
Related News
Fatah, Hamas say deal reached on Palestinian elections
U.S. says would recognize Israel annexation of West Bank
Architect of U.S. peace plan blames Palestinians for violence
UN agency fears U.S. peace plan will spark violence
Trump plan leaves Arabs in dilemma
Related Articles
The EU must recognize Palestine
A two-state solution is off the table
Money can’t buy Palestinians’ love
No democracy in Israel without peace with the Palestinians
Israel gets ready to vote, but still no country for Palestinians
Copyright 2024 . All rights reserved