TUE 26 - 11 - 2024
 
Date: Apr 28, 2018
Source: جريدة الحياة
بؤس المراهنة على الدور الأميركي في الإنقاذ - خالد غزال
تسود في أوساط وتيارات سياسية، من قوى يسارية أو علمانية وليبرالية أو دينية، مراهنات على الدور الأميركي في إنقاذ مجتمعاتنا العربية من تسلط أنظمة الاستبداد. ينبع هذا التصور من عجز الشعوب العربية عن إنجاز التغيير وإقامة أنظمة ديموقراطية، نتيجة القمع الدموي الذي تمارسه هذه الأنظمة، وإبادتها لقوى المعارضة والتغيير، بالقتل أو النفي أو السجن، ما جعل شعوبها في حال من الاستسلام لليأس، بحيث لا ترى خلاصاً إلا بتدخل الخارج وإسقاط هذه الأنظمة. هل، حقاً، أدّى الاستنجاد بالخارج، وخصوصاً الأميركي منه إلى تحقيق هذا الخلاص المنشود، أم هو ضرب من الوهم يعمق أزمة البلد ويدمر بناه؟ لقد ظهرت نتائج هذا التدخل جلية في أكثر من ساحة عربية، لعل أهمها فلسطين والعراق وسورية.

لا يخالج أحداً الشك بأن الدور الأميركي، سواء أكان جمهورياً أم ديموقراطياً، هو دور معاد للشعب الفلسطيني، ومنحاز بالكامل إلى العدو الصهيوني. ساهم الأميركيون في قتل الشعب الفلسطيني من خلال الوقوف إلى جانب إسرائيل وتسليحها وتبني خطابها السياسي، حتى بدت الدولة العبرية كإحدى ولايات أميركا المتميزة. عطلت كل مشاريع التسوية السياسية، ومنعت إعطاء الفلسطينيين حق إقامة دولتهم على حدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967، وتوجت سياستها أخيراً بالاعتراف بمدينة القدس عاصمة لدولة إسرائيل، ضاربة عرض الحائط بكل الأعراف الدولية.

في العراق، تبدو الفاجعة الأميركية كبيرة بما لا يقاس. تحت وطأة استبداد نظام حزب البعث ورئيسه صدام حسين، انتظرت القوى المناهضة له مجيء الجيش الأميركي لإسقاط النظام وإقامة حكم جديد يلبي طموح الشعب العراقي. فعلا أتى هذا «المنقذ» في نيسان (أبريل) 2003، فأسقط النظام وسط تهليل القوى السياسية المصنفة نفسها ديموقراطية ويسارية. لكن «المنقذ» الأميركي كانت له خطته الخاصة، فهو لم يأت لإقامة نظام ديموقراطي، بل أتى لتدمير العراق، دولة ومجتمعاً وجيشاً، ونهب ثرواته النفطية والمعدنية، ولو أدى كل ذلك إلى إشاعة الفوضى واندلاع حروب أهلية بين مكونات البلد. هكذا، ومنذ اليوم الأول لسقوط النظام البعثي، اتخذ الحاكم الأميركي قراراً بحل الجيش العراقي وتسريح جنوده وضباطه. كانت تلك خطوة أساسية في إشعال الفوضى في العراق. لم يكتف الحاكم الأميركي بذلك، بل أمعن في تسعير التناقضات بين المكونات الطائفية والمذهبية وتشجيعها على القتال ضد بعضها البعض، بما جعلها أسيرة الوصاية الأميركية عليها وواسطة الحل والربط. إن ما يشهده العراق اليوم من حرب أهلية وانقسام وتقسيم هو الابن الشرعي للسياسة الأميركية منذ احتلال العراق.

لم يكتف «المنقذ» الأميركي بإشاعة الفوضى غير الخلاقة في العراق، بل كانت عيناه منذ اليوم الأول على الموارد الاقتصادية. اصطحب الاحتلال معه الشركات الأميركية التي عرفت كيف تسرق الثروات النفطية والموارد المعدنية. من أجل ذلك، كان لا بد من الاستعانة بقوى سياسية عراقية شكلت الغطاء لهذا النهب، عبر إشراك الشركات لأقطاب هذه القوى في النهب. في سنوات قليلة أمكن «للمنقذ» الأميركي إفراغ البلد من معظم ثرواته، ووضعه في لائحة الدول الأكثر فساداً.

لم يكن الأمر أفضل في سورية. منذ إعلان الانتفاضة في 2011، رأت الولايات المتحدة أن الفرصة مؤاتية لتدمير سورية عبر تسعير حرب أهلية فيها. لم يكن النظام البعثي يوماً معادياً للولايات المتحدة، منذ عهد الأب وامتداداً إلى عهد الابن. لكن العقل الأميركي لا يعمل استناداً إلى الولاء له أو الخصومة، هو يعمل وفقاً لمصالحه الاستراتيجية على حساب الجميع. قامت الخطة الأميركية على الإبقاء على النظام السوري ورئيسه، بوصفه القادر على إدارة حرب أهلية مديدة، تدمر البلاد وتنهي موقع سورية الوطني في مواجهة إسرائيل، في حال أتى نظام آخر. ساهمت الولايات المتحدة، أسوة بالنظام السوري ودول إقليمية في إنتاج حركات الإرهاب، ووظفتها في ضرب الانتفاضة، فحرمت سورية من إمكانية إقامة نظام ديموقراطي. وها هي اليوم تشهد على تمزق نسيجها الاجتماعي وتدمير جيشها وتهجير نصف سكانها ومقتل نصف مليون مواطن وجرح حوالي مليونين.

اعتمدت أميركا سياسة لفظية تندد بالنظام وبضرورة إسقاطه. تصدر الحكم ثم تتراجع عنه. هددت بإسقاطه إذا ما استخدم الأسلحة الكيماوية. على رغم استخدام النظام لهذا السلاح عشرات المرات، إلا أن أميركا شنت غارتين فقط، من دون أن تؤثر في إرهاب النظام، بل على العكس، شدت من عزيمته في مزيد من إطلاق الكيماوي والبراميل المتفجرة.

تبقى كلمة في وجه القائلين إن ضربات أميركا للنظام تستوجب تأييد هذا النظام. هذه مقولة تافهة. فالموقف الصحيح يقوم على إدانة التدخل الأميركي والسياسة الأميركية المعادية لمصالح الشعوب العربية. وفي الوقت نفسه، إدانة أنظمة الاستبداد التي تشكل الوجه الآخر للسياسة الأميركية المعادية لهذه الشعوب. الموقف المستقل عن أميركا والنظام هو موقف الشعوب العربية الطامحة إلى الخلاص من الطغاة الخارجيين والداخليين.

* كاتب لبناني

The views and opinions of authors expressed herein do not necessarily state or reflect those of the Arab Network for the Study of Democracy
 
Readers Comments (0)
Add your comment

Enter the security code below*

 Can't read this? Try Another.
 
Related News
UN calls on Arab world for more solidarity against pandemic
Virus impact could kill over 50,000 children in MENA: UN agencies
Virus cases surpass 200,000 in Gulf states
Mideast economies take massive hit with oil price crash
Trump says US will destroy any Iranian gunboats harassing U.S. ships
Related Articles
Democracy in the digital era
From hope to agony, what's left of the Arab Spring?
Reopening the peace factory
Tackling the inequality pandemic: a new social contract
Global wake-up call
Copyright 2024 . All rights reserved