WED 27 - 11 - 2024
 
Date: Apr 14, 2018
Source: جريدة الحياة
أيّها السوريّ: لا تكن إنساناً - حازم صاغية
الضربة الغربيّة قد تحدث وقد لا تحدث. لكنّها، حتّى لو حدثت، لا تستحقّ التعويل عليها، ليس لأنّها غربيّة وأميركيّة، بل لأنّها لن تأتي بتعديل نوعيّ. لكنّها، في المقابل، قد تضعنا أمام معادلة تكشف عمق أزمتنا المستعصية في سوريّة وفي سائر المشرق: كارثةٌ أن يبقى الوضع على ما هو عليه من دون تدخّل عسكريّ خارجيّ، وكارثةٌ أن يحدث هذا التدخّل العسكريّ الخارجيّ.

مع ذلك، مفهومٌ جدّاً أن يهلّل سوريّون كثيرون لضربة تُوجَّه إلى نظام أذلّهم وأهانهم وسجنهم وقتل أهلهم بالبراميل والكيماويّ وسائر أدوات القتل.

الذين يأخذون عليهم فرحتهم وتهليلهم لأنّ النظام السوريّ «مناهض للإمبرياليّة والصهيونيّة»، يطالبونهم ضمناً بأن لا يكونوا بشراً. يطالبونهم بأن يأتي سلوكهم مخالفاً لما يوصف بـ «الطبيعة الإنسانيّة».

فالسوريّ الذي يقع عليه البرميل يُفتَرض به، تبعاً لموقف النقّاد هؤلاء، أن لا يكره بشّار ونظامه، بل أن يكره أميركا. والسوريّ الذي يُضرب بالكيماويّ عليه أن لا يشتم بشّار ونظامه، بل أن يشتم إسرائيل. هؤلاء يقولون له: لا تنظرْ بعينيك ولا تشعرْ بلحمك الحيّ. نظّمْ مشاعرك وأحاسيسك في ضوء ما يقوله «التحليل» و «النظريّة».

ونعرف أنّ تغيير الطبيعة الإنسانيّة مطلب دائم للخرافات الأيديولوجيّة. في المشرق العربيّ، عبّر عنه بعض الصهاينة حين تساءلوا: لماذا يكرهنا الفلسطينيّون؟ فالفلسطينيّون ينبغي أن يقعوا في غرامهم ما داموا قد هجّروهم من بلدهم واستولوا على أراضيهم وقتلوا أقارب لهم. بعد ذاك، كان مطلوباً من اللبنانيّين أن يحفظوا الثورة الفلسطينيّة في رموش العين لأنّها تتسبّب في موتهم وتهجيرهم من قراهم. وحين غزا صدّام حسين الكويت، كان مطلوباً من الكويتيّين أن يرفضوا بعناد محاولة الولايات المتّحدة وباقي دول العالم تحريرهم لأنّ ما فعله صدّام «يوحّد العرب». أمّا مع الحرب الأميركيّة في العراق، فبات المطلوب، وفقاً للخرافة، وقوف العراقيّين إلى جانب صدّام فيما هو ينظّف نصل سكّينه من دمائهم. ألا ترون أنّه يواجه أميركا؟

هذه التيّارات الأيديولوجيّة – الخرافيّة التي عصفت وتعصف بالمشرق، لم تكن بعيدة من الحياة ومن اللحم الحيّ كما هي اليوم. إنّها تستدعي تعطيل الرؤية بالعين، والإحساس بالجسد. إنّها تستدعي إنساناً آليّاً تبرمجه الخرافة المسمّاة تحليلاً ونظريّةً. والخرافة لم تتغيّر كثيراً لكنّ اثنين تغيّرا: الفاعل، أي الحاكم الذي صار أكثر إيلاماً للأجسام والأرواح وأشدّ تدميراً لأسباب الحياة. والمفعول، أي البشر الذين صاروا أكثر معرفة بالعالم وأشدّ إحساساً بفرديّتهم وبما تحسّه أجسادهم. وقد يتولّى مثقّفون صوغ عفويّة الناس وتلقائيّتهم، وقد يحسّنون أشكال التعبير عنها، أو إدراج معانيها في سياق أعرض. أمّا أن يوضع الموقف الثقافيّ ضدّ تجارب الناس وضدّ ما رأوه وعاشوه، فهذا ما يحيله خرافةً محضة. وخرافيّون، في أحسن أحوالهم، أولئك الذين يطالبون ضحايا بشّار الأسد بأن يساندوه لأنّه «يتصدّى للإمبرياليّة» أو يفعل أشياء من هذا القبيل التافه (مع وعد قاطع بأنّ المثقّفين إيّاهم سيوصلوننا ذات يوم إلى موقف «مُركّب» تجتمع فيه القوميّة والوطنيّة والديموقراطيّة والاشتراكيّة وفلسطين والإسلام والعروبة والأصالة والحداثة والتراث والمعاصرة...).

ومن قال، في النهاية، إنّ الثقافة والخرافة ليستا، في مرّات كثيرة، كمثل كليلة ودمنة؟

The views and opinions of authors expressed herein do not necessarily state or reflect those of the Arab Network for the Study of Democracy
 
Readers Comments (0)
Add your comment

Enter the security code below*

 Can't read this? Try Another.
 
Related News
Syrian army says Israel attacks areas around southern Damascus
Biden says US airstrikes in Syria told Iran: 'Be careful'
Israel and Syria swap prisoners in Russia-mediated deal
Israeli strikes in Syria kill 8 pro-Iran fighters
US to provide additional $720 million for Syria crisis response
Related Articles
Assad losing battle for food security
Seeking justice for Assad’s victims
Betrayal of Kurds sickens U.S. soldiers
Trump on Syria: Knowledge-free foreign policy
Betrayal of Kurds sickens U.S. soldiers
Copyright 2024 . All rights reserved