TUE 26 - 11 - 2024
 
Date: Mar 24, 2018
Source: جريدة الحياة
منبج وجهة «فائض القوة» التركي بعد سقوط عفرين - آلان حسن
شكّلَ دخول الجيش التركيّ وفصائل المعارضة السورية الموالية له، مدينة عفرين في شمال غربي سورية، إحدى العلامات الفارقة في الحرب السوريّة الممتدة منذ آذار عام 2011، إذ دقّ إسفيناً في مشروع «الفيدراليّة الديموقراطيّة» التي أعلنها حزب الاتحاد الديمقراطيّ وحلفاؤه بدايات عام 2016.

فلطالما بقيَ المشروع الفيدرالي «الكُرديّ» هاجساً لحكومات كُلّ مِن سورية وتركيا وإيران والعراق (أي الدول التي تتواجد فيها قضية كُردية مشابهة)، وبالتحديد بعد تنامي علاقات الإطار العسكريّ للفيدرالية؛ قوات سورية الديموقراطية، مع الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد حروبهما المشتركة ضدّ تنظيم «الدولة الإسلاميّة» حتى إتمام السيطرة على عاصمتها الرقة، وخصوصاً أنّ المنطقة التي تسيطر عليها «سورية الديمقراطية» تعتبر خزاناً نفطياً ومائياً مهمّاً لكل سورية، إضافة إلى وفرة الغاز والمحاصيل الزراعية، حتى اصطلح على تسمية هذه المنطقة بـ «سورية الغنيّة».

تركيا هي الأكثر حماسة لضرب هذا «المشروع» وذلك بسبب الارتباط الفكري بين حزب الاتحاد الديموقراطيّ «السوري» وحزب العمال الكردستانيّ (التركي) الذي يخوض صراعاً مسلّحاً مع الجيش التركيّ منذ ثمانينات القرن الماضي، خلّف مئات الضحايا من الطرفين، كما تعتقل زعيم الحزب عبد الله أوجلان في سجن جزيرة إيمرالي التركيّة منذ عام 1999.

لهذا السبب جمعت أنقرة الآلاف من مقاتلي المعارضة السوريّة وخاضت حربها الأشرس منذ اندلاع الأزمة السوريّة وذلك في حملة أسمتها «غصن الزيتون» في استغلالٍ غريب لرمزيّة الاسم ومدلوله السلميّ، وحشدت أعتى أسلحتها لتحقيق نصر مدوٍّ، وكان لها ما أرادتْ حين أعلنتْ سيطرتها على مدينة عفرين بعد قرابة الشهرين من المعارك الدامية.

من الواضح أن تركيا لن تكتفي بما حققته حتى الآن فهي تعيش نشوة انتصارها وتريد استثمار فائض القوة التي لديها باستكمال خططها التي أعلن عنها مسؤولو الحكومة التركيّة في أكثر من مناسبة، حيث ينوون التوجّه إلى مدينة منبج، وهي منطقة الوجود الأميركيّ الوحيدة في غرب نهر الفرات.

عملية «غصن الزيتون» لم تَكُن لتتمّ لولا الضوء الأخضر الروسيّ، وفي سبيل تحقيق هذه الغاية قدمت أنقرة تنازلات «مؤلمة» لصالح موسكو وطهران خلال جولات «أستانا» المتكرّرة حيث بات من الواضح أنَّ هناك صفقة ما تخلّت أنقرة بموجبها عن دعم الفصائل المسلحة في الغوطة الشرقيّة لدمشق مقابل دعمٍ روسيّ وغضِّ نظرٍ إيرانيّ، وكبح جماحٍ سوريّ للعمليّة التركيّة.

وفي سبيل استكمال خططها لإنهاء مشروع الفيدرالية فإنّ تركيا مستعدة لتقديم تنازلات أكبر للولايات المتحدة، من تلك التي قدمتها لروسيا.

بالنسبة للمصالح المشتركة الأميركيّة التركيّة فالبلدان من الأعضاء المؤسِّسين لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، كما عقدا اتفاقية عام 1969، سمح بموجبها لواشنطن بإقامة ست وعشرين قاعدة عسكريّة، منْ أهمّها قاعدة إنجرليك، أضخم القواعد الجويّة للحلف الأطلسيّ على الأراضي التركيّة.

الولايات المتحدة تسعى لتجنّب مواجهة مباشرة بين الجيش التركيّ والقوات الخاصّة الأميركيّة التي تواصل العمل مع الكُرد، وفي سبيل ذلك تواصل التعهّد لتركيا بمعالجة مخاوفها الأمنيّة المتمثلة بخطر حزب العمال الكُردستاني (البلدان يضعانه على لائحة الإرهاب)، وكذلك حثّ الكُرد على ضبط النفس، وتقديم الوعود بمواصلة التعاون، ما يخلق حالة شكّ من الحليفين في شأن النيات الأميركيّة في سورية.

معركة عفرين زادت من نسبة القلق الكُرديّ تجاه الموقف الأميركيّ، فبعد رفض كرديّ لعرض موسكو يفضي بتسليم المدينة للحكومة السوريّة، والتي يبدو أنّ هدف الكُرد منها كان التعويل على موقف أميركيّ مخالف لما حصل لاحقاً، طلبت وحدات حماية الشعب العون من الجيش السوريّ، وكذلك دعت الإدارة الذاتية في عفرين الحكومة السورية للدفاع عن المدينة لمواجهة العملية التركيّة.

الموقف الأميركي غير الثابت هذا يعطي في المقابل أملاً لتركيا بإمكان تغييره لمصلحته، مقابل تنازلات واقعية مستعدة أنْ تدفعها من أجل ضرب مناطق تواجد «العمال الكُردستاني» في كل من منبج، غرب الفرات، ومناطق كوباني/ عين العرب، تل أبيض، ومحافظة الحسكة، شرق نهر الفرات، إضافة إلى منطقة «شنكال» في شمال العراق.

فائض القوة التركية كان قد بدأ منذ نجاح الرئيس التركي بإفشال الانقلاب الذي حصل في تموز من العام 2016 وشكّل فرصة ذهبية لأردوغان للانتقام من خصومه في الداخل، فاعتقل المئات من عناصر الجيش التركيّ، ومنهم قيادات اتهمهم بالولاء للزعيم المعارض فتح الله غولن الذي يعيش في الولايات المتحدة، ثم اعتقال العديد من قيادات حزب الشعوب الديمقراطيّ (الموالي لحزب العمال الكُردستانيّ)، وسار بخطى أسرع في مشروعه لتعديل الدستور ومنحه صلاحيات أكبر لرئيس الجمهورية في محاولة لتكريس سلطته، وصولاً إلى انتخابات عام 2018 والتي يعتبرها أردوغان محطة مفصلية في حكمه الممتد منذ عام 2003.

تركيا تريد استثمار ما تعيشه الآن من انتصارات، ولغاية انتخاباتها القادمة، إذ تُحَصِّن جبهتها الداخلية، وتحافظ على أمنها القومي، من طريق توازن في علاقتها مع القوتين العظميتين، الولايات المتحدة الأمريكيّة، والاتحاد الروسيّ.

لكنّ من الصعوبة بمكان إرضاء هذين «القطبين» خصوصاً في منطقة تنافس بالغة التعقيد.

وعليه فإنّ أنقرة ستضطر في نهاية الأمر إلى اختيار الأقرب إلى مصالحها، وبالتالي خسارة دعم الثاني.

* كاتب سوري.

The views and opinions of authors expressed herein do not necessarily state or reflect those of the Arab Network for the Study of Democracy
 
Readers Comments (0)
Add your comment

Enter the security code below*

 Can't read this? Try Another.
 
Related News
Syrian army says Israel attacks areas around southern Damascus
Biden says US airstrikes in Syria told Iran: 'Be careful'
Israel and Syria swap prisoners in Russia-mediated deal
Israeli strikes in Syria kill 8 pro-Iran fighters
US to provide additional $720 million for Syria crisis response
Related Articles
Assad losing battle for food security
Seeking justice for Assad’s victims
Betrayal of Kurds sickens U.S. soldiers
Trump on Syria: Knowledge-free foreign policy
Betrayal of Kurds sickens U.S. soldiers
Copyright 2024 . All rights reserved