TUE 26 - 11 - 2024
Declarations
Date:
Mar 17, 2018
Source:
جريدة النهار اللبنانية
سوريا سبع سنوات على طريق الآلام - هشام ملحم
لقد مشيت طريقا طويلا، لاثبت انه لا أرض هناك، ولا ماء ولا حب. الشاعر دبليو. إتش. أودن.
قبل سبع سنوات بدأت سوريا مسيرتها الطويلة على طريق الآلام . سبع سنوات عجاف تحولت فيها مدن سوريا العريقة الى اهرامات لا تحصى من الاطلال. الشوارع التي كانت تضج بالحياة والناس، تبدو الان كوديان صغيرة على جانبيها ركام الابنية الصامتة.
في الذكرى السابعة لبداية انتفاضة سلمية ضد الطغيان، يواصل العالم لا مبالاته بالهمجية المنظمة التي يدمر فيها جيش النظام السوري المدعوم من روسيا وايران وميليشياتها غوطة دمشق المحاصرة منذ 2013 بسكانها في بيوتهم ومستشفياتهم ومدارسهم. هكذا يحدد المعجم معنى كلمة الغوطة : "الغُوطَةُ : مجتمعُ النبات والماء . ومنه : غُوطَةُ دمشق : وهي أَحد مَنَازِهِ الدُّنيا السبعة لكثرة ما فيها من الرياض ، وما فيها من فاكهة ورياحين".
سبع سنوات من الحروب حولت سوريا الى ارض يباب. لم يسلم من الحرب لا الانسان ولا النبات ولا الحجر، ولا الحاضر وحتى التاريخ قتل بالوحشية ذاتها. الهمجية المنظمة لنظام بشار الاسد دمرت حلب، درة مدن الشرق، وهمجية "الدولة الاسلامية" سحلت تدمر الساحرة. سبع سنوات عجاف، قتل فيها نصف مليون سوري، وجرح مليون على الاقل، وتم اقتلاع 12 مليون، أكثر من خمسة ملايين منهم تحولوا لاجئين في دول الجوار، بينما هاجر آخرون الى اوروبا مشيا على الاقدام، او في شاحنات كانوا يختنقون فيها في الصيف او في زوارق صغيرة يديرها قراصنة جدد كانت تغرق في مياه المتوسط لتحوله مقبرة مائية. النصف الاخر من المقتلعين اصبحوا لاجئين ولكن داخل حدود الوطن الممزق.
عندما بدأت التظاهرات السلمية في آذار 2011، لم يتوقع أحد، لا المتظاهرون، ولا النظام الظالم، ولا جيران سوريا، ولا العالم كله، الفظائع والاهوال التي طاولت كل سوري وسورية، وهزت المنطقة من جذورها، وجذبت الى اتونها دول ومرتزقة و"جهاديون" من الغرب والشرق، ليتصارعوا فوق ارض سوريا. لم يتوقع أحد، ان تتحول التظاهرات الاحتجاجية التي كانت تطالب بالتغيير والكرامة والحرية وتصر على تحقيق مطالبها تحت شعار "سلمية، سلمية"، سلسلة من الحروب المروعة المحلية والاقليمية والدولية. تاريخ الحروب النظامية والاهلية يعلمنا ان القادة يتحكمون بتوقيت بدء القتال ولكنهم نادرا ما يكونوا قادرين على تحديد نهاية الحروب.
مشهد عسكري معقد ومخيف ومعرض للفلتان
المشهد العسكري الراهن معقد ومخيف لأنه يمكن ان يؤدي الى عنف غير معهود حتى بالمقاييس الرهيبة في الحرب السورية التي زادت مدتها عن الحرب العالمية الثانية. خلال اسابيع اسقط المدافعون عن عفرين طائرة مروحية لتركيا التي تواصل اجتياحها السافر لعفرين، بينما اسقط الثوار مقاتلة روسية. وبعد ان اسقطت اسرائيل طائرة دون طيار (درون) ايرانية الصنع اطلقت من قاعدة سورية، اسقطت الدفاعات الصاروخية لجيش النظام قاذفة اسرائيليىة شاركت في غارات ضد الطيران السوري. وفي الفترة ذاتها تصدت القوات الاميركية وحلفائها المنتشرين شرق نهر الفرات لهجوم شنه مقاتلون مدعومون من النظام السوري ، وقتلت نحو مئة من المهاجمين تبين لاحقا انه كان بينهم عدد من المرتزقة الروس. والان تهدد روسيا بانها ستتصدى للطيران الاميركي اذا هاجم سوريا.
هذا مسرح عسكري غريب ومعقد ويتغير باستمرار وبسرعة ويمكن فقدان السيطرة عليه في أي لحظة. منذ عسكرة النزاع وتدخل ايران وميليشياتها فيه وبعدها روسيا، وبعد اجتياح تنظيم "داعش" لمناطق واسعة في سوريا والعراق، وبدء وصول الالاف من "المجاهدين" (في الواقع مرتزقة وقتلة ومغتصبون) بدأت بتشبيه الحروب فوق الارض السورية، بالحرب الاهلية الاسبانية (1936-1939) والتي شاركت فيها قوات نازية المانية وفاشية ايطالية وقوات من البرتغال الى جانب القوات اليمينية "الوطنية" التي كان يقودها الجنرال فرانكو، بينما ارسل الاتحاد السوفياتي "خبراء" لدعم الجمهوريين (الحكومة) الى دعم اقل من فرنسا والمكسيك، ومشاركة اكثر من 45 الف متطوع اجنبي من اليساريين والشيوعيين من الدول الاوروبية والولايات المتحدة الذين قدموا لهزيمة الفاشية. فوق ارض اسبانيا حارب الاوروبيون بعضهم البعض بعنف غير مسبوق، واستخدموا اساليب وتكتيكات عسكرية جديدة، بينها قصف المدنيين من الجو، وخصوصاً بلدة غيرنيكا التي قصفها سلاح الجو الالماني، وخلدها بيكاسو في احدى اهم لوحاته الكبيرة. هذه التكتيكات استخدمت لاحقا في الحرب العالمية الثانية التي بدأت فور نهاية القتال في اسبانيا وفوز اليمين في الحرب.
أصدقاء سوريا وأصدقاء الاسد
بعد هذه السنوات السبع الطويلة، والجهود الديبلوماسية العبثية، والمبعوثين الخاصين، وقرارات مجلس الامن، واتفاقات وقف النار المحلية، وما سمي ب "عملية جنيف" للسلام، والاجتماعات التي لا تحصى التي عقدها وزير الخارجية الاميركي السابق جون كيري، ونظيره الروسي سيرغي لافروف، وما لحق ذلك من "عملية استانا، وبعدها "عملية سوتشي"، وخلال تلك المؤتمرات الدولية ل"أصدقاء سوريا" الذين كانوا يناقشون كيفية تحقيق السلام ديبلوماسيا واعادة بناء سوريا، هناك حقيقة صارخة لا يمكن نكرانها.
منذ ان نجح النظام وحلفائه بعسكرة الانتفاضة السورية (والسرعة التي سقط فيها بعض قادة الانتفاضة في مكمن الاسد وقبلوا بعسكرة الانتفاضة)، أصر النظام وروسيا وايران على اعتماد الخيار العسكري الى اقصى حدوده، بما في ذلك استخدام اسلحة الدمار الشامل، إما لالحاق هزيمة ساحقة بالانتفاضة، او لتحقيق تفوق ميداني يبقى المدن السورية وأكبر قدر ممكن من الاراضي الزراعية وآبار النفط تحت سيطرة النظام وحلفائه. الاسد واصدقائه الروس والايرانيون وميليشياتهم لم يقبلوا ابدا ولو للحظة بوجود حل ديبلوماسي للحرب، ولم يقبلوا في لحظة ان يكون الحل على حساب عائلة الاسد والاوليغارشية السورية التي تدعمها. مؤتمرات جنيف واستانا وسوتشي والرحلات المكوكية لممثلي الامم المتحدة كانت كلها مصممة لشراء الوقت وللتضليل ولاستنزاف الاهتمام العالمي بسوريا. الاسد كان يدرك دوماً انه قادر على الاعتماد على اصدقائه.
وفي المقابل كان "اصدقاء سوريا" يتمسكون بالحلول الديبلوماسية، حتى بعد التدخل العسكري الروسي الجوي في ايلول 2015 . رد ادارة الرئيس السابق باراك اوباما على التدخل الروسي كان مدوياً بسذاجته. الرئيس اوباما توقع ان تغرق روسيا في سوريا كما غرقت في القرن الماضي في افغانستان. "اصدقاء سوريا" سمحوا ل"أصدقاء الاسد" باستغلالهم وتضليلهم. "اصدقاء سوريا" لم يؤمنوا ولو للحظة واحدة ان هناك خياراً عسكرياً جدياً في سوريا. وحتى عندما وافقت ادارة اوباما على تسليح بعض الفصائل العسكرية السورية المعارضة، فعلت ذلك بشكل مشروط ومحدود جداً. وكما قال السفير الاميركي السابق في سوريا روبرت فورد ل"النهار" ان الولايات المتحدة كانت دوماً تقول للمعارضة السورية " ان مساعداتنا العسكرية المحدودة ليست لاطاحة نظام الاسد، بل لارغامه على قبول المفاوضات".
قانون النتائج غير المقصودة
عندما قررت كتابة هذا المقال اتصلت بالسفيرين روبرت فورد، وفريدريك هوف، الذي كان المبعوث الاميركي لسوريا ولبنان خلال ولاية الرئيس اوباما الاولى. اللافت ان فورد وهوف تحدثا عن اهمية ما يسمى بقانون النتائج غير المقصودة لفهم ما حدث ويحدث في سوريا.
ويقول هوف الباحث في مركز رفيق الحريري التابع للمجلس الاطلسي للدراسات ان سبع سنوات من الحرب في سوريا "انتجت سبع سنوات من النتائج غير المقصودة. عندما بدأ المتظاهرون انتفاضتهم السلمية ضد وحشية الشرطة في اذار 2011، لم يتوقعوا ان يعاملهم رئيسهم كأعداء للدولة يستحقون القتل. وعندما قرر الاسد مواجهة الاحتجاجات السلمية بالقتل الجماعي لم يكن يقصد تدمير الدولة التي ورثها".
ويضع هوف قرارات وسياسات الرئيس اوباما في السياق ذاته. "وعندما دعا رئيس اميركي (اوباما) الاسد للتنحي، ورسم خطاً أحمر ضد استخدام الاسلحة الكيميائية، وبعدها اخفق في تنفيذ تهديداته، لم يتوقع ان تستخلص روسيا استنتاجات واسعة في شأن تصميم واستعداد اميركا للدفاع عن نفسها وعن حلفائها. هذه الاستنتاجات ادت الى احتلال شبه جزيرة القرم، والتدخل في انظمة الانتخابات الغربية". ويضيف انه عندما وضعت الدول الاقليمية المناوئة للاسد وبعض مواطنيها الموارد والمساعدات العسكرية " في ايدي ثوار لديهم اجندات مذهبية بدائية، فانهم لم يتوقعوا ان يساهموا في تعزيز استراتيجية النظام للبقاء على قيد الحياة".
من جهته يرى السفير فورد ان قانون النتائج غير المقصودة بدا واضحا عندما لم تدرك الولايات المتحدة "أن تركيز الحملة الجوية الدولية على تدمير قوات تنظيم الدولة الاسلامية، انها ستساهم بشكل غير مقصود في تعزيز بقاء الاسد في السلطة". ويستطرد في هذا السياق ان الدعم الاميركي العسكري ل"وحدات حماية الشعب" الكردي " لم يكن يهدف الى تمكين الاكراد من خلق منطقة حكم ذاتي لهم". ويضيف ان هذه النتائج غير المقصودة خلقت ازمة خطيرة بين الولايات المتحدة وحليفتها التاريخية تركيا. ويتخوف فورد من تورط اميركا تدريجيا في الصراعات داخل سوريا، ويقول :"كان من الافضل بعد تحرير الرقة وغيرها من المدن والبلدات السورية ان تسحب الولايات المتحدة قواتها البرية من شمال شرق سوريا، لكننا الان نجد انفسنا نحارب مرتزقة من روسيا اضافة الى نظام الاسد".
ويرى فورد ان ادارة اوباما لم تشدد بما فيه الكفاية للثوار السوريين وللشعب السوري في البداية وقالت :" اننا لن نتدخل عسكريا لاسقاط الاسد". ويضيف :" لقد قلت لهم مرارا: لا تتوقعوا مجيء سلاح الجو الاميركي لاطاحة الاسد، ولا تلجأوا الى العنف، ولكنهم ارادوا تصديق العكس" ويتساءل عما اذا كانت بعض قراراته عندما كان سفيرا في سوريا قد ساهمت بشكل غير مقصود في اعطاء الامل الخاطيء بتوقع تدخل اميركي أقوى؟ ويضيف: " أخشى ان تكون زيارتي لحماه في 2011 قد شجعتهم على الاعتقاد ان اميركا ستتدخل عسكريا. وعندما قال اوباما انه على الاسد ان يتنحى عن السلطة، لم يكن يعني اننا سوف نتخلص من الاسد".
من جهته ينتقد السفير هوف سذاجة القادة الغربيين ومن بينهم الرئيس الاميركي بعدما حذروا الاسد ورسموا خطاً احمر جديداً ضد استخدام السلاح الكيميائي بعدما استخدمه الاسد في خان شيخون في 2017 ، مما أدى الى قرار الرئيس ترامب توجيه ضربة عسكرية ضد قاعدة جوية سورية، لأن الاسد رأى في ذلك ضوءا اخضر لمواصلة العنف ضد المدنيين ولكن باستثناء استخدام السلاح الكيميائي.
ويعتقد هوف ان الضعف الجماعي لقادة دول اوروبا الغربية منعهم من توقع ان يؤدي القتل الجماعي في سوريا، الى خلق تسونامي من اللاجئين الذين اخترقوا حدودهم وهزوا انطمتهم السياسية بطريقة حظيت بالترحيب في روسيا". ويضيف هوف ان الغربيين الذين اعربوا عن اسفهم لاعمال القتل الجماعي في سوريا واعتقدوا خطأ انها مسألة انسانية مؤسفة سوف تبقى في سوريا، لم يدركوا خطأهم الا بشكل متأخر. ويضيف " هناك خط مباشر بين سوريا وما يسمى النظام العالمي الذي يبدو وكأنه يتهاوى. هذا كله لم يكن مقصودا، ربما باستثنا، ما يدور في أروقة الكرملين".
السفيران المخضرمان لا يتوقعان أي تدخل عسكري أميركي جدي، في سياق استراتيجية سياسية بعيدة الامد لسوريا. "ما هي الاستراتيجية الاميركية في سوريا؟" يتساءل فورد باحباط واضح. حتى الان صوتّ مجلس الامن على 17 قراراً في شأن سوريا، ولم يتغير أي شيء على الارض. والقرار الاخير حول وقف نار موقت في الغوطة الشرقية اخترقته قوات الاسد فور اقراره. ويتوقع ان يواصل الاسد واصدقاؤه تقدمهم العسكري ضد الغوطة الشرقية "التي ستواجه مصيرا مماثلا لحلب. وبعد احتلال الغوطة سوف تسقط الرستن وتلبيسة بيد النظام" ويضيف :" قوات الاسد تواصل قصفها العشوائي والوحشي، والعالم لا يبالي، ومن الصعب جداً ان تقول للسوريين لن يفعل أحد أي شيء لكم، ولن ينقذكم أحد. ولم يتوقع أي منا قبل سبع سنوات ان نصل الى هذا المأزق". سوريا، مثلها مثل الشاعر دبليو. إتش. أودن مشت طويلا على طريق الآلام، لتثبت انه لا ارض هناك، ولا ماء ولا حب.
The views and opinions of authors expressed herein do not necessarily state or reflect those of the Arab Network for the Study of Democracy
Readers Comments (0)
Add your comment
Enter the security code below
*
Can't read this?
Try Another.
Related News
Syrian army says Israel attacks areas around southern Damascus
Biden says US airstrikes in Syria told Iran: 'Be careful'
Israel and Syria swap prisoners in Russia-mediated deal
Israeli strikes in Syria kill 8 pro-Iran fighters
US to provide additional $720 million for Syria crisis response
Related Articles
Assad losing battle for food security
Seeking justice for Assad’s victims
Betrayal of Kurds sickens U.S. soldiers
Trump on Syria: Knowledge-free foreign policy
Betrayal of Kurds sickens U.S. soldiers
Copyright 2024 . All rights reserved