WED 27 - 11 - 2024
 
Date: Feb 23, 2018
Source: جريدة الحياة
المجزرة: حصة سورية من العالم - حسام عيتاني
بضع مقالات منحازة إلى ضحايا الهمجية في الغوطة ينشرها عدد متضائل من الصحف الغربية، هي كل ما تبقى من شعارات أرادت لنفسها أن تكون عالمية. يقول لنا الأطفال المقطّعة أطرافهم والقابعة جثثهم تحت الجدران المنهارة عليهم بفعل قذائف التحالف الروسي - الإيراني - الأسدي، إن العالم ليس «قرية صغيرة» وأن قيماً مثل حقوق الإنسان وأولوية الحياة البشرية، ليست كونية بل محصورة ويخضع إشهارها أو طيها إلى الاستنساب والتمييز وآليات السوق السياسية.

التأمل في الأرقام والصور الآتية من الغوطة في هدوء المكاتب، يرفع حاجزاً عالياً بين حقيقة ما يجري في الواقع وبين القدرة على التأثير فيه. لقد بلغ العالم من الانقسام حداً لم يعد معه من الممكن الانتقال من حيز التضامن العاطفي مع قتلى الغوطة وسراقب (قبلهم بأسابيع) أو حلب أو أي مدينة سورية منكوبة، إلى حيز التغيير الملموس والسعي إلى وقف المذبحة الشاملة الجارية بموافقة العالم، الضمنية أو العلنية لا فرق. لم يعد ذاك الانتقال ممكناً من دون إعادة نظر بكل المقولات التي اعتُبرت مسلمات أو بداهات منذ نهاية الحرب العالمية الثانية والتي حاول كتّاب على مدى التسعينات إقناعنا أنها انقلبت إلى حقائق كونية.

أعادت أزمات الغرب وسياساته تظهير ضحالة الديموقراطية الليبرالية عندما تواجه اختبارات قاسية. تراجعت الحكومات الغربية إلى قلاعها الحصينة وأغلقت أبوابها أمام موجات اللاجئين واكتفت بشن غارات على من اعتبرتهم إرهابيين في الموصل والرقة. رفضت هذه الحكومات مواجهة الهمجية العالمية التي ساهمت في إطلاقها وامتنعت عن رؤية خطر المشاريع الإمبراطورية المنبعثة من موسكو وطهران، خطرها على كامل منظومة الحداثة الغربية التي بلغت أزمتها مستوى جعل من شخص مثل دونالد ترامب وأفراد عائلته، على رأس أقوى دولة في العالم. هذه الأزمة تسبق تغول فلاديمير بوتين على سورية وعلي خامنئي على أهالي حلب والغوطة، وتعلن انهيار البناء المقام من أوراق اللعب بمجرد أن ظهر من يملك العزم الكافي على إسقاطه.

وقعت الكارثة السورية بالضبط في الهوة الفاصلة بين عالمين. بين عالم الحداثة والديموقراطية التي زال الطلاء عن وجهها وبانت كواجهة للحصرية الغربية ولتمييز عميق لم تنجُ منه إلا حكومات تعد على أصابع اليد الواحدة، وبين عالم الهمجية الفالتة من أي عقاب والتمدد الإمبراطوري والحسابات الجيوسياسية والتطهير الطائفي الذي لم يعد يخجل من الظهور بكل عريه وبشاعته.

ليس هذا الكلام لتغطية المأساة الملموسة بكلام مجرد ومتعالٍ. فلا شيء سيغسل عار البشرية التي ضجرت من قدرة الضحايا على هذا الموت الكثير ومن العناد في رفض «العودة إلى حضن الوطن» - المقبرة. لكن البشرية اعتادت على العيش مع العار بل أدمنت عليه، وليس أيضاً لتحذير من غضب وثأر مقبلين قد يخرجان من بين صفوف ضحايا اليوم ومن تحت أنقاض بيوتهم ومدارسهم. بل للقول إن الحروب السورية هي حصة المشرق العربي من انهيار صورة للعالم جرى الترويج لها كطوبى قابلة للتحقيق في أحضان التعدُّد والديموقراطية وحكم القانون والعدالة، طوبى تستطيع فيها الأمم المتحدة أن توقف العدوان وأن تمنع الحروب وأن تنقذ الضعفاء.

الديموقراطية الليبرالية التي نعاها كتاب وباحثون مرات عدة، أخفقت في كل اختبار يتعلق بتلازم الشعار مع الفعل في كل مرة لم تكن المصالح المادية المباشرة على المحك. وسورية ليست استثناء في هذا الإخفاق. حصة سورية من هذا الإخفاق لم تكن غير مجزرة مجنونة بأيدي قتلة باردي الدماء.

The views and opinions of authors expressed herein do not necessarily state or reflect those of the Arab Network for the Study of Democracy
 
Readers Comments (0)
Add your comment

Enter the security code below*

 Can't read this? Try Another.
 
Related News
Syrian army says Israel attacks areas around southern Damascus
Biden says US airstrikes in Syria told Iran: 'Be careful'
Israel and Syria swap prisoners in Russia-mediated deal
Israeli strikes in Syria kill 8 pro-Iran fighters
US to provide additional $720 million for Syria crisis response
Related Articles
Assad losing battle for food security
Seeking justice for Assad’s victims
Betrayal of Kurds sickens U.S. soldiers
Trump on Syria: Knowledge-free foreign policy
Betrayal of Kurds sickens U.S. soldiers
Copyright 2024 . All rights reserved