من حلب التي التهمت نيران المعارك اسواقها القديمة وجزءاً مهماً من ذاكرتها، الى بغداد عاصمة الجوار العراقي التي استفاقت على موجة جديدة من التفجيرات سقط فيها اكثر من 32 قتيلاً واكثر من 104 جرحى،  بدا كأن العنف الذي يجتاح سوريا منذ اكثر من 18 شهراً، من غير ان تكون للعالم قدرة على لجمه، بدأ يهدد بالفيضان خارج الحدود. ولعل هذا الخطر الماثل دفع رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان الى مغازلة متمردي "حزب العمال الكردستاني" والى التشدد حيال الوضع في سوريا، محذراً روسيا والصين وايران من ان التاريخ لن يغفر لها وقوفها الى جانب نظام الرئيس بشار الاسد، ليلتقي والرئيس المصري محمد مرسي الذي اغتنم زيارته الاولى لتركيا ليقول انه لن يهدأ له بال قبل زوال القيادة السورية الحالية.

في سوريا، اعلن "المرصد السوري لحقوق الانسان" الذي يتخذ لندن مقراً له ان انتحارياً  فجر سيارته  المفخخة قرب مراكز امنية في مدينة القامشلي بمحافظة الحسكة ذات الغالبية الكردية في شمال سوريا، فقتل ثمانية جنود. وأحصى سقوط 114 قتيلاً هم 48 مدنياً و36 جندياً نظامياً و17 مسلحاً موالياً للنظام و13 مقاتلاً معارضاً في انحاء اخرى من البلاد. وتحدثت مصادر سورية عن اقتحام مسلحين قريتي الحيدرية والغسانية في ريف القصير بمحافظة حمص حيث قتلوا 15 شخصاً ليل السبت.

وشهدت الشوارع والازقة في المدينة القديمة بحلب اشتباكات عدة في الايام الاخيرة، ويعتقد انها السبب في الحرائق التي شبت فجر الجمعة وصباح السبت في الاسواق القديمة وادت الى تدمير عدد من المتاجر ذات الابواب الخشبية.

وتحدث المرصد عن "اشتباكات مع القوات النظامية في حي العامرية" بحلب ادت الى سقوط مقاتل، بينما سجلت اشتباكات في حي الجندول.    

وقال قائد "لواء التوحيد" الرئيسي المعارض في حلب عبد القادر الصالح عبر الهاتف ان رجاله يقاتلون في سبعة أحياء من المدينة، وان القوات النظامية قصفت هذه الاحياء. وأظهر  شريط فيديو بثه ناشطون من المعارضة طائرات سورية تحلق فوق المدينة وسحباً كثيفة من الدخان تتصاعد في سمائها.

واعلن المرصد اقتحام القوات النظامية  "مدينة حرستا بريف دمشق بعد قدوم تعزيزات عسكرية الى المدينة، رافقتها حملة دهم وتخريب للمحال التجارية". كما شهد حي القدم في دمشق "حملة دهم واعتقالات عشوائية"، في حين قتل جنديان من القوات النظامية في هجوم شنه مقاتلون معارضون على نقطتهم العسكرية في حي العسالي.  

 
"جبهة النصرة" 

وقالت "جبهة النصرة" الاسلامية المتطرفة انها تحتجز في سوريا خمسة ضباط يمنيين حضروا الى هذا البلد دعما لقوات الاسد التي تتصدى للمقاتلين المعارضين، وذلك في شريط فيديو بثته مواقع جهادية.
ومدة الشريط اربع دقائق، وهو يظهر خمسة رجال جالسين في ظل علم اسود كتبت عليه عبارة "جبهة النصرة" ويؤكد انهم خمسة ضباط يمنيين اعتقلوا في شمال سوريا مع اظهار بطاقاتهم العسكرية.
ويقول الرجال الخمسة انهم كانوا في حلب التي تشهد مواجهات عنيفة بين القوات النظامية والمقاتلين المعارضين.

وتبنت "جبهة النصرة" الكثير من الهجمات الانتحارية في سوريا منذ بدء الانتفاضة الشعبية المناهضة لنظام الاسد عام 2011، وخصوصاً هجوماً انتحارياً مزدوجاً في ايار الماضي اوقع 55 قتيلاً في دمشق.
وفيما لا يزال النزاع في طريق مسدود بسبب انقسامات المجموعة الدولية، التقى مختار لماني، مدير مكتب الممثل الخاص المشترك للامم المتحدة وجامعة الدول العربية الاخضر الابرهيمي في سوريا، احد قادة المقاتلين المعارضين في حمص خلال زيارة قام بها  للمحافظة السبت.    
         

المعلم
الى ذلك، صرح وزير الخارجية السوري وليد المعلم في مقابلة مع فضائية "الميادين"، التي تتخذ بيروت مقراً لها، ان سوريا تدعم مهمة الابرهيمي، لكن نجاح الممثل الاممي في مهمته يتوقف على الدول التي تؤوي المعارضة السورية وتدعمها.  
وعن الاسلحة الكيميائية السورية، قال ان "هذه القضية هراء صنعوها لشن حملة على سوريا على غرار ما حصل في العراق". واضاف: "لم يحصل أي اتصال بيننا وبين الاميركيين حول هذه الاسلحة".       

وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف اعلن عن تأمين اتصال بين الحكومة السورية وخبراء اميركيين للتأكد من ان هذه الاسلحة موجودة في امكنة آمنة وانها لن تقع في ايدي تنظيمات متشددة.
كما اعلن وزير الدفاع الاميركي ليون بانيتا ان الولايات المتحدة حصلت على معلومات عن نقل سوريا بعض اسلحتها الكيميائية الى اماكن آمنة.

ميدانيا

استهدف هجوم انتحاري بسيارة مفخخة مدينة القامشلي ذات الغالبية الكردية في شمال سوريا أمس، مع تواصل المعارك بين الجيش السوري ومسلحي المعارضة في انحاء مختلفة من البلاد لا سيما في حلب حيث التهمت النيران الاسواق القديمة للمدينة، واقتحم مسلحون قريتين قرب القصير في ريف حمص وقتلوا 15 شخصاً.

بث التلفزيون السوري الرسمي ان اربعة اشخاص قتلوا في التفجير الانتحاري بالحي الغربي في القامشلي واصيب آخرون في حصيلة اولية".

لكن "المرصد السوري لحقوق الانسان" الذي يتخذ لندن مقراً له اوضح ان الانفجار استهدف فروعا امنية وادى الى مقتل ثمانية من افراد القوات النظامية. وقال: "قتل ما لا يقل عن ثمانية من القوات النظامية واصيب اكثر من 15 بجروح بعضهم في حال خطرة اثر انفجار السيارة المفخخة في الحي الغربي بمدينة القامشلي، والذي يضم مقار أجهزة امنية عدة". وقال مدير المرصد رامي عبدالرحمن ان الانفجار "استهدف مفرزة الامن السياسي بشكل رئيسي"، مع العلم ان الحي يضم فروع الامن السياسي والعسكري والجنائي. واضاف انها المرة الاولى يستهدف انفجار مماثل مراكز امنية في القامشلي.

وتقع القامشلي في محافظة الحسكة بشمال شرق سوريا، وهي تضم غالبية كردية كانت حذرة في الانضمام الى الاحتجاجات المطالبة بسقوط نظام الرئيس بشار الاسد، والمستمرة منذ اكثر من 18 شهرا.

واشار عبدالرحمن الى ان المدينة تشهد الوجود الامني السوري الاساسي في المناطق ذات الغالبية الكردية، وقد انسحبت منها القوات النظامية قبل بضعة اشهر، كما ان لا حضور لـ"الجيش السوري الحر" او المقاتلين المعارضين فيها.
و قتل ما لا يقل عن 15 شخصاً من المدنيين في قريتي الحيدرية والغسانية بريف القصير في محافظة حمص في سوريا.
وقالت مصادر سورية إن "مجموعات مسلحة" دخلت قريتي الحيدرية والغسانية في ريف القصير بمحافظة حمص حيث أقدمت على قتل أكثر من 15 شخصاً ونفذت اعمالاً تخريبية هناك.

حلب

وفي حلب، استبدلت الحركة اليومية طوال ساعات النهار وحتى الليل في اسواق المدينة القديمة، بمناظر الحرائق والسحب السوداء، بعدما حولت الاشتباكات بعضا من هذه الاسواق ركاما والتهمت نيرانها الابواب الخشبية الجديدة والبضائع والذكريات.
وعند احد مداخل هذه الاسواق ذات الطابع الشرقي والتي تمتد نحو 12 كيلومتراً، تجمع عدد من اصحاب المحال يراقبون الدخان المتصاعد، محاولين تحديد مصدر النيران للاطمئنان الى محالهم.
وقال تاجر الادوات المنزلية في مدخل السوق الشمالية احمد ن.: "الحمد لله محلي لم يصب بأذى، لطف الله بنا وسبق الاطفاء النيران التي التهمت محل جاري".

وفي سوق العواميد الخاضع لسيطرة القوات النظامية، يراقب تاجر الصوف الخمسيني محمد ب. ونجلاه الحريق. ورث محمد المحل عن ابيه وعمل فيه اكثر من اربعين سنة، ولم يتخيل يوما ان يغدو "عاجزا عن دخول محلي. إنها حرب قذرة ونحن من يخسر فيها، خسرنا أعمالنا ومصالحنا والآن نخسر محالنا التي تحترق أمام أعيننا".

محمد واحد من 30 تاجرا فقدوا محالهم في سوق القطن "الذي احترق تماما كما علموا من جيران لهم في اسواق اخرى"، مع عدم امكان وصول سيارات الاطفاء بعد الحرائق ليل الخميس - الجمعة نتيجة اشتباكات بين القوات النظامية والمقاتلين المعارضين، استمرت بوتيرة متقطعة السبت والاحد.
ويزيد عدد محال الاسواق القديمة عن 1550 حانوتا تؤلف 39 سوقا تعد من أطول الاسواق المسقوفة في العالم، وسميت غالبيتها نسبة الى المنتج الذي تبيعه كالحبال والعباءات والعطارة، في حين اكتسب بعضها اسم مسقط زوارها فعرفت باسم سوق اسطنبول او عمان او الشام وغيرها.

ويشير الباحث في تاريخ حلب القديم علاء السيد الى غياب تحديد علمي لتاريخ بناء اسواق المدينة، مع العلم ان المستشرق الفرنسي جان سوفاجيه طرح في دراسة لم تنشر ترجمتها بعد "نظريته بأن سلوقس الأول نيكاتور وهو أحد قادة الاسكندر المقدوني، وضع لدى دخوله حلب عام 321 قبل الميلاد، مخططا جديدا للمدينة وأسس هذه الأسواق". ولكن "على مر الزمن وتوالي الزلازل والحروب والحرائق تم التعدي على هذه الشوارع بالابنية ولم تبق الا ملامح أساسية منها". ويشير السيد الى ان احد مؤرخي حلب القدامى تحدث عن تعرض اسواق المدينة لحريق عام 1867 اتى على 323 دكانا فيها.
وتحظى المحال بقيمة معنوية رمزية تفوق احيانا قيمتها المادية، خصوصا ان "لكبار التجار والصناعيين الحلبيين مكاتب رمزية في تلك الاسواق باعتبار ان معاملهم ومستودعاتهم صارت في مناطق بعيدة"، استناد الى السيد، ولكن يبقى "الضرر المعنوي بالغا".

تعزيزات في دمشق

في غضون ذلك، استقدمت القوات النظامية تعزيزات عسكرية الى مدينة حرستا في ريف دمشق مع استمرار حملة الدهم التي تقوم بها منذ السبت. وتحدث المرصد عن اقتحام القوات النظامية "مدينة حرستا بريف دمشق بعد قدوم تعزيزات عسكرية للمدينة، رافقتها حملة دهم وتخريب للمحلات التجارية".
وأضاف ان حي القدم شهد "حملة دهم واعتقالات عشوائية"، في حين قتل جنديان من القوات النظامية في هجوم نفذه مقاتلون معارضون على نقطتهم العسكرية في حي العسالي.
وفي دير الزور، افاد المرصد عن سقوط اربعة من المقاتلين المعارضين "بينهم قائد لواء وهو ضابط منشق"، خلال اشتباكات مع حاجز للقوات النظامية قرب فرع الامن السياسي في المدينة.
وفي محافظة درعا، اقتحمت القوات النظامية ليل السبت الحي الشمالي في بلدة المزيريب "ولا تزال البلدة محاصرة من القوات النظامية السورية التي تكبدت خسائر فادحة خلال الاشتباكات" السبت.
 

مدير مكتب الابرهيمي

سياسياً، قال وزير الدولة لشؤون المصالحة الوطنية علي حيدر ان الحكومة السورية لا تمانع في اللقاءات التي يعقدها مختار لماني رئيس مكتب الممثل الخاص المشترك للامم المتحدة وجامعة الدول العربية في سوريا مع أي طرف سوري سواء أكان مسلحاً أم غير مسلح.
ونقلت عنه الوكالة العربية السورية للانباء "سانا" بعد لقائه لماني "أن زيارات لماني للأطراف السوريين هي فقط لإيضاح الصورة أمامه لأن الأخضر الإبرهيمي وفريق عمله يريدون أن يشكلوا صورة واضحة للأزمة في سوريا". وأشار الى انه بحث مع لماني في ما يمكن أن تقدمه الوزارة للبعثة الموجودة في سوريا والبدء بالخطوات العملية لمهمتها.

اما لماني، فأكد انه تشاور مع حيدر في مختلف الجوانب الداخلية والإقليمية والدولية للأزمة وتبادلا المعلومات والنظر في توحيد الإمكانات للعمل على حلها. واضاف انه التقى السبت في حمص ممثلين لمنظمة الهلال الأحمر العربي السوري للاطلاع على الواقع والتعرف على الأوضاع الراهنة، وانه التقى في منطقة الرستن عدداً من أفراد المجموعات المسلحة.
وصرح الناطق باسم الامم المتحدة في دمشق خالد المصري بان لماني "زار حي بابا عمرو ومنطقة تلبيسة حيث التقى في تلبيسة ممثلين للمعارضة المسلحة برئاسة العقيد قاسم سعدالدين" الناطق باسم القيادة المشتركة لـ"الجيش السوري الحر" في الداخل.