تقدم الهجوم الذي تشنه المعارضة السورية المسلحة لاخراج القوات النظامية من مدينة حلب الجهود الديبلوماسية التي تبذل لاعطاء زخم لمهمة الممثل الخاص المشترك للامم المتحدة وجامعة الدول العربية في سوريا الاخضر الابرهيمي. فلليوم الثاني ظلت جبهات حلب مشتعلة بقتال "غير مسبوق". وقال مقاتلو المعارضة الذين شنوا هجوماً اساسياً على حي الشيخ مقصود الذي تقطنه غالبية كردية انهم يواجهون مهمة صعبة أمام القوات النظامية التي تمتلك تسليحا افضل بكثير. ولم تمنع اعمال العنف التي أوقعت 65 قتيلاً استناداً الى "المرصد السوري لحقوق الانسان"، سكانا في حلب وغيرها من المناطق السورية، من المشاركة في تظاهرات مناهضة لنظام الرئيس بشار الاسد دعت الى توحيد "الجيش السوري الحر".
ومع تصاعد القتال، كشف وزير الدفاع الاميركي ليون بانيتا عن امتلاك بلاده "معلومات تشير الى حصول عمليات نقل في بعض المواقع (السورية)... لزيادة تأمين الاسلحة الكيمائية"، مشيرا الى ان المعلومات تفيد "ان المواقع الرئيسية لا تزال مؤمنة".
وفي نيويورك، قالت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون امام ممثلي 20 دولة عضواً في مجموعة "اصدقاء الشعب السوري" وتسع شخصيات سورية معارضة على هامش دورة الجمعية العمومية للامم المتحدة: "اعلن اليوم مساعدة اضافية بقيمة 30 مليون دولار لمساعدة (السكان) في الحصول على الغذاء والماء والبطانيات والخدمات الطبية الاساسية". وبذلك، ترتفع القيمة الاجمالية للمساعدة الانسانية الاميركية للمدنيين السوريين الى 130 مليون دولار. واضافت: "اعلن ايضاً 15 مليون دولار اضافية لدعم المجموعات المدنية للمعارضة السورية، مما يرفع دعمنا الاجمالي للمعارضة غير المسلحة الى نحو 45 مليون دولار".
وانتقدت ايران قائلة: "لنكن صرحاء هنا... إيران هي شريان الحياة الأهم للنظام. الأسبوع الماضي اعترف مسؤول إيراني كبير علنا بأن أفرادا من الحرس الثوري الإيراني يعملون داخل سوريا... لم يعد هناك أدنى شك في أن طهران ستفعل كل ما يمكنها لحماية وكيلها وصديقها الحميم في دمشق... إيران ستبذل قصارى جهدها للتحايل على العقوبات الدولية".
وقال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس في تصريحات أعدت سلفا من أجل الاجتماع عينه إن بلاده تزيد اتصالاتها مع المعارضة المسلحة في سوريا. واعرب كل من الامين العام للامم المتحدة بان كي – مون والامين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي والابرهيمي الذين التقوا في وقت متقدم الخميس، عن تخوفهم من تحول سوريا "ساحة معركة اقليمية".
أما وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف فحذر خلال اجتماع مع وزراء الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي من المضي في اتجاه عسكرة الوضع في سوريا. والتقى لافروف وزير الخارجية السوري وليد المعلم الذي التقى بدوره وزير الخارجية الايراني علي اكبر صالحي.
وفي جنيف، وفي خطوة ذات دلالة، عين مجلس الأمم المتحدة لحقوق الانسان كارلا دل بونتي المدعية العامة السابقة للمحكمة الجنائية الدولية، في لجنة تحقيق تجريه الامم المتحدة في انتهاكات في سوريا. وعرفت دل بونتي بملاحقتها للرئيس اليوغوسلافي السابق سلوبودان ميلوسيفيتش امام المحكمة الجنائية الدولية. ومدد المجلس عمل لجنة التحقيق في جرائم الحرب في سوريا ستة أشهر.
بانيتا يقرّ بنقل سوريا بعض الأسلحة الكيميائية ويرى أن تدخلاً أميركياً أحادياً "خطأ فادح"
أقر وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا بأن الحكومة السورية نقلت أسلحة كيميائية الى مواقع اكثر أمانا، مؤكداً أن مواقع الأسلحة الكيميائية الرئيسية لا تزال حيث هي وآمنة تحت سيطرة الحكومة. ورأى أن تدخلا عسكريا أميركيا أحاديا في سوريا سيكون "خطأ فادحاً". وقال للصحافيين في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الكندي بيتر ماكاي: "وردت بعض المعلومات الى الاستخبارات عن نقل بعض تلك المواقع حتى يتمكن السوريون من تعزيز أمنها … المواقع الرئيسية لا تزال كما هي ولا تزال آمنة".
وهذه المرة الاولى يقر مسؤول أميركي بحصول عمليات نقل "محدودة" للاسلحة الكيميائية في سوريا، وإن يكن أشار الى أنها نقلت من أجل ضمان أمنها. وأضاف: "الى أين نقلت تحديداً، لا نعرف... لا أملك أية معلومات محددة عن المعارضة، وما اذا كانت حصلت على بعض منها أم لا، وبأية كمية". وعندما سئل هل يعتقد أن الحرس الثوري الايراني "الباسدران" أو الثوار تمكنوا من حيازة أي من الاسلحة، ترك الباب مفتوحاً لمثل هذا الاحتمال، قائلاً إنه لا يملك معلومات حاسمة لتأكيد ما يحصل. الا أنه أوضح أن الولايات المتحدة راقبت المواقع الرئيسية التي لا تزال آمنة.
وكان بانيتا علق الخميس على دعوة أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الى التدخل العسكري في سوريا ، بقوله إنها لا تغير اقتناعه بأن المقاربة الفضلى هي "الضغط الديبلوماسي والاقتصادي الدولي على (الرئيس السوري بشار) الأسد كي يتنحى". وأفاد أنه إذا قرر المجتمع الدولي التحرك عسكرياً فسوف نكون جزءاً منه"، لكن تدخلا عسكريا أميركيا أحاديا سيكون "خطأ فادحاً". وذكر ان أميركا تعمل مع دول أخرى لمساعدة المعارضة السورية وتوفير المساعدة الإنسانية للمتضررين من العنف في سوريا، كما تراقب من كثب مواقع الأسلحة الكيميائية والبيولوجية.
وفي ما يتعلق بالاعتداء على القنصلية الأميركية في بنغازي احتجاجاً على الفيلم المسيء الى النبي، أعرب عن اقتناعه بأن من نفذوا الهجوم هم "إرهابيون"، لكن التحقيق لا يزال مستمراً لتحديد ما اذا كانوا من "القاعدة" أو غيرها. وحذر من "أننا لن نسمح للذين يهاجموننا ويقتلون شعبنا بالنفاد بفعلتهم".
ميدانيا
لليوم الثاني واصل مقاتلو المعارضة السورية المسلحة هجومهم "الحاسم" على الاحياء التي يسيطر عليها الجيش النظامي في حلب. وقال ناشطون ان المعارضة أحرزت تقدماً ولكن من دون اختراق كبير على جبهات المدينة، في اعنف قتال ينشب فيها منذ دخول المعارضة إياها في 20 تموز الماضي.
أفاد احد قادة "لواء التوحيد" البارز في حلب ابو فرات: "على جبهة (حي) صلاح الدين، تمكنا من السيطرة على احدى قواعد القوات النظامية، وقتل 25 جندياً على الاقل في هذا الهجوم". وقال احد المقاتلين المعارضين في هذا اللواء، والذي شارك حتى منتصف ليل الخميس في المعارك التي اعتبرها المقاتلون "حاسمة" : "سمعنا الجنود عبر اجهزة الاتصال اللاسلكية يطلبون من قادتهم ارسال الدعم. كانوا يبكون ويقولون + سنموت جميعاً +".
وتحدث مقاتل آخر عن سقوط 20 مقاتلاً معارضاً واصابة 60 آخرين في الاشتباكات، مع شنّ آلاف من المقاتلين المعارضين هجوما منسقا على جبهات عدة من أجل دفع القوات النظامية الى التراجع في احياء سيف الدولة وصلاح الدين والاذاعة والعامرية والسكري جنوب غرب المدينة. وأشار عدد من قادة المقاتلين المعارضين الى انهم نجحوا في التقدم على محوري السكري والاذاعة.
وفي صلاح الدين، قال ابو فرات ان المقاتلين تقدموا قبل ان يضطروا الى التراجع بسبب نقص الذخيرة. وأضاف: "لخوض حرب شوارع، نحن في حاجة الى قذائف، لا نملكها ويا للاسف". ولاحظت مراسلة لـ"وكالة الصحافة الفرنسية" ان مسجد الامويين في حلب بات الهدف الجديد للمقاتلين المعارضين، وهو يقع على خط التماس في قلب المدينة القديمة. وشهدت اطراف المسجد اشتباكات منتصف يوم الجمعة، وترددت اصداء انفجارات عدة في الحي حيث اطلقت دبابات القوات النظامية قذائفها بانتظام.
وتراجعت حدة الاشتباكات بعد الظهر، واوضح مراسل في المدينة ان أصوات رشقات نارية كانت تسمع كل 15 دقيقة في حيي الاذاعة وبستان القصر. وقال المراسل و"المرصد السوري لحقوق الانسان" الذي يتخذ لندن مقراً له ان حي الكلاسة المجاور تعرض لقصف عنيف. وشرح مدير المرصد رامي عبد الرحمن ان المقاتلين المعارضين الموجودين في حلب "هم من كل المناطق السورية"، وقد استقدموا تعزيزات "في العدد والمعدات" قبل بدء هجوم "حاسم" الخميس، لكنهم لا يزالون غير قادرين على مجاراة القوة النارية للقوات النظامية. ورأى ان "النظام غير قادر على الحسم، ولا الثوار قادرون على السيطرة على احياء بكاملها". وقال ان "المعارك على نطاق غير مسبوق ولم تتوقف منذ الخميس"، و"في السابق كانت المواجهات تجري في شارع او شارعين من قطاع معين، لكنها تدور الان على جبهات عدة".
وروى سكان في احياء بوسط المدينة يسيطر عليها النظام وكانت حتى الان بمنأى عن اعمال العنف مثل السليمانية وسيد علي، عان اطلاق نار "غير مسبوق" سجل صباح الجمعة. واكد مصدر عسكري ان الاشتباكات الاكثر حدة دارت فجر الجمعة في حيي العرقوب وميسلون واستمرت ساعات. واشار الى ان المقاتلين المعارضين حاولوا مساء الخميس "اكثر من مرة" و"على جبهات عدة" اختراق ساحة سعد الله الجابري وسط المدينة، من غير ان ينجحوا في ذلك. وقد قتل عشرة من المقاتلين المعارضين لدى محاولتهم اقتحام حي الشيخ مقصود ذي الغالبية الكردية في شمال المدينة.
وقال المقاتلون إنهم أمسكوا بثمانية رجال على الأقل من ميليشيا الشبيحة الموالية للرئيس بشار الاسد وإن بعض الأسرى قتلوا. ولم يتضح ما إذا كان القتلى من الأكراد. ووجه زعيم للمقاتلين تحذيراً الى الأكراد عبر موقع "لواء التوحيد" في "فايسبوك"جاء فيه أن قائد العمليات العسكرية للواء التوحيد عبد القادر الصالح "وجه طلبا اخيراً الى عصابات البي كي كي (حزب العمال الكردستاني) لإلقاء سلاحهم فوراً وعدم الزج بأنفسهم في معركة خاسرة ليس لهم فيها ناقة ولا جمل وأنه من دخل بيته فهو آمن ومن يحمل السلاح في وجه الكتائب المقاتلة ستكون نيران البندقية اليه اقرب". وبث التلفزيون الرسمي أن "مجموعات إرهابية" أطلقت قذائف هاون على منطقة في جنوب شرق المدينة، فاودت بحياة ثلاثة أشخاص بينهم طفلان وأصابت عشرة آخرين.
وقال مقاتل طلب عدم ذكر اسمه: "وصلنا إلى وسط سليمان الحلبي وحررنا بعض الأحياء، لهذا لا أزال متفائلاً لكنني قلق على تنظيمنا. لا يمكننا طرد النظام. أعتقد أن في وسعنا أن نتقدم في بعض المواقع على أحسن تقدير". وتحدث مقاتلون آخرون عن تطويق إحدى الوحدات التي تقاتل في المدينة. وقال مقاتل إن بعض الكتائب تنسحب عن خط الجبهة أو لم تنضم أصلا الى المعركة. وأكد الناشط أحمد عبد الرحمن إن معارك دارت على نحو متقطع طوال ليل الخميس وإن طائرة حربية قصفت مجموعة من المباني قرب بلدة أعزاز على مسافة أقل من كيلومتر من الحدود مع تركيا. وأظهرت لقطات نشرها ناشطون سكانا وهم يزيلون أنقاض مبنى منهار ويخرجون جثة واحدة على الأقل. وقال عبد الرحمن إنه يعتقد أن أشخاصا آخرين مدفونون تحت الأنقاض.
وأعلن المرصد مقتل الكاتب السوري ابرهيم الخريط وولده سومر برصاص القوات النظامية في مدينة دير الزور بشرق سوريا. ونفى مصدر سوري الأنباء التي ترددت عن انفجار في ساحة الامويين ومحيط مبنى هيئة الأركان العامة في دمشق. وكان انفجاران هزا المبنى قبل يومين.
قذائف على تركيا
وامتداداً للاشتباكات في شمال سوريا، أصيب ثلاثة مدنيين في سقوط قذيفة هاون من الجانب السوري داخل الأراضي التركية في قرية أقجه قلعة بمحافظة شانلي أورفة بجنوب شرق تركيا على الحدود مع سوريا. وبثت شبكة "ام تي في" التركية، أن ستة مبان تضررت بسبب قذيفة الهاون، وهذه المباني هي أربعة محال تجارية ومنزلان. وسقطت قذيفة ثانية على خط السكة الحديد في القرية عينها، فأصابت إحدى عربات قطار النقل الذي يمر بالقرية. وأصيب مواطن تركي بجروح طفيفة في وقت سابق في القرية إثر سقوط قذيفة من الجانب السوري . الى ذلك، شهدت مناطق عدة في سوريا تظاهرات في "جمعة توحيد كتائب الجيش السوري الحر"، ولا سيما في حلب، كما في ريف دمشق ومحافظة حماة وادلب والحسكة ودرعا.
مجلس حقوق الإنسان
في جنيف، مدد مجلس الامم المتحدة لحقوق الانسان تفويض لجنة التحقيق في سوريا ستة اشهر اخرى وندد بالانتهاكات التي ترتكبها القوات الحكومية والميليشيات الموالية للاسد وكذلك مقاتلو المعارضة. وتبنى المجلس المكون من 47 عضوا مشروع قرار قدمته دول عربية بغالبية 41 دولة ومعارضة ثلاث دول هي الصين وكوبا وروسيا فيما امتنعت ثلاث دول عن التصويت. ورفض المندوب السوري السفير فيصل خباز حموي نص القرار باعتباره مسيّسا وانتقائيا واتهم "ارهابيين" اسلاميين بتصعيد العنف في بلاده.
واعلنت رئيسة مجلس حقوق الانسان لورا دوبوي لاسير تعيين القاضية كارلا دل بونتي والمقرر الخاص السابق للامم المتحدة حول كوريا الشمالية فيفيت مونتاربورن مفوضين في لجنة التحقيق التابعة للمنظمة الدولية في سوريا. وقالت انكم "مع أخذها في الاعتبار تمديد تفويض (اللجنة) حتى آذار 2013 والذي قرره المجلس اليوم (الجمعة)، وفي ظل عدم وجود مؤشرات تحسن على الارض، ارغب في تعزيز اللجنة عبر تعيين مفوضين اضافيين: كارلا دل بونتي وفيفيت مونتاربورن". ومنذ ان بدأ التحقيق المستقل قبل نحو سنة برئاسة البرازيلي باولو بينيرو، أجريت مقابلات مع اكثر من 1100 ضحية ولاجئ ومنشق، لكن المحققين منعوا من دخول سوريا.
فراس طلاس يتعهد تمويل المعارضة
تعهد فراس طلاس، نجل وزير الدفاع السوري سابقا مصطفى طلاس، تمويل جماعات المعارضة السورية في الداخل وتقديم مساعدات انسانية وانشاء منظمة غير حكومية للتعامل مع ما اعتبره الفوضى التي ستشهدها سوريا بعد رحيل نظام الرئيس بشار الأسد. وقال فراس، شقيق العميد مناف أحد قادة الحرس الجمهوري الذي انشق في تموز الماضي، إنه "سيمنح شركاته الضخمة لهيئة من الشخصيات البارزة في المعارضة السورية، لاستخدام أرباحها للمساعدة في بناء مجتمع ديموقراطي في سوريا". واضاف: "أنا أدعم برنامجاً كاملاً لإطاحة النظام وأضع ثروتي وراء ذلك حتى النهاية". واوضح ان كراهيته للحكومة السورية "تعود إلى قرابة عقد من الزمن، لأن عائلة الأسد تعتقد أنها تملك البلد وأن شعبها أغنام لها وهي الأسرة الوحيدة التي تملك... وهذه هي الطريقة التي تُدير بها سوريا". |