THU 28 - 11 - 2024
 
Date: Oct 3, 2015
Source: جريدة الحياة
مزيد من الحروب المقدسة في سورية - بيسان الشيخ
أثارت تصريحات رأس الكنيسة الروسية (الأرثوذكسية) في شأن التدخل العسكري في سورية، ووصفه بأنه «معركة مقدسة»، سخطاً واستهجاناً واسعاً وحملات تشهير وسخرية من مزاعم العلمانية وحماية الأقليات التي يدعيها نظام بشار الأسد وحلفاؤه منذ خمس سنوات، والتي بذريعتها يفتك بالأكثرية قتلاً وتهجيراً وتعذيباً من دون أي رادع داخلي أو دولي.

واستفظع كثيرون أن يكون الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وما تمثله بلاده من رمز للشيوعية وتحمله من إرث ثقيل من الإلحاد، استعان بخطاب ديني وسلطة دينية، لتبرير قرار عسكري وسياسي بالانخراط المباشر في سورية وتسويقه داخلياً. فهو بدا لوهلة، كمثل جورج بوش في 2003، يعلن حرباً صليبية على الإرهاب في العراق، مع فارق أن بوتين استعان في جهاده المسيحي هذا، بجهاد طائفي «أقلوي» آخر، شيعي، يمثله «حزب الله» والفصائل العراقية المقاتلة إلى جانبه. ووسط تلك المعارك المقدسة كلها، وهؤلاء المقاتلون تحت راياتها، ظهر جلياً مَن الضامن الفعلي لحقوق الأقليات والمدافع عنها، وبدا البعث هزيلاً وأضعف عقيدة من أن يجد من يقاتل باسمه ولأجله.

والحال أن اعتماد السلطة في روسيا على نفوذ الكنيسة ليس جديداً ولا هو بدعة من صنع بوتين. ذاك أن أحلك أيام الشيوعية، وأقواها، شهدت تقارباً صريحاً مع المؤسسة الدينية واستعانة، إن لم يكن استنجاداً، بها. فعلى أثر اجتياح القوات النازية الاتحاد الســوفيــاتي في 1941، سارع ستالين نفســـه إلى عقد روابـــط مــــع المطارنة والرهبان واستقبل بعضهم وشجعهم على تــعزيز الشعــــور الوطني/ القومي في خطوة غير مسبوقة، سواء لجـــهة إشراك رجال الدين في هذه المهمة، أو لجهة شد العصب الوطني الروسي، لا الأممي العابر للأوطان. وفي خضم الحرب العالمية الثانية، حين كانت خسائر الجيش الروسي تعـــد بالملايين مقابل تقدم واضح وإنجازات ميدانية على أرض المعركة، سمح الزعيم الشيوعي باستعادة طقـــوس العـــبادة في المنازل والصلاة في الكنائس حتى افتتح في غضون سنتين أو أقل أكثر من 25 ألف كنيسة. وذلك بعد سنوات تطهير منهجي طالت رجال الدين والمؤمنين على السواء، وبلغت حد الاعتقال في معسكرات الأعمال الشاقة، والمصحات العقلية، والتصفية المباشرة.

ولا يخلو أرشيف الصحف الروسية والأدب الحديث من وصف تلك المرحلة بصور وسلوكيات أبعد ما تكون عن الصورة النمطية الشائعة للمحارب السوفياتي. فالحرب أيقظت ممارسات دينية ظنت الشيوعية أنها قضت عليها، كأن يرتدي الجنود مثلاً صليباً تحت البزة العسكرية، أو ألا يخرجوا إلى المعركة قبل نيل بركة والدتهم. واستعادت المنازل تقليد إضاءة الشموع أمام الأيقونات وعقد النذور إلى حين عودة المقاتلين. ذلك كله وغيره مما تحفل به الكتابات عن تلك المرحلة جرى في روسيا الستالينية، التي جعلت الإلحاد ديناً بديلاً في مواجهة سلطة الكنيسة ورجالها.

لكن الكنيسة في المقابل، ردت الجميل بمثله. فعدلت خطابها المعادي للثورة البلشفية، وأيدت «إنجازاتها»، وتبنت مواقفها «الوطنية»، حتى راح ستالين، منذ خطاب الاحتفال بالنصر، يفرط في استخدام تعبير «وطني».

وكان للحرب العالمية الثانية، تأثير كبير في إبرام عقد اجتماعي جديد بين السلطتين السياسية والدينية في روسيا الشيوعية، تعزز في مرحلة البيريسترويكا ولا يزال إرثاً متناقلاً بكل أمانة بعد عقود من سقوط الاتحاد السوفياتي.

وعلى كل حال، لم يفت بوتين التذكير بالحرب العالمية والدور الروسي في كسبها خلال إلقاء كلمته الأخيرة في الأمم المتحدة في نيويورك، مشبهاً المرحلة الحالية بالأربعينات التي شهدت تعاوناً أميركياً- سوفياتياً أتى ثماره في وجه النازية، وليس ما يمنع تكرار ذلك النصر اليوم في التحالف ضد «داعش».

لكن ما يفوت الرئيس الروسي ربما، أن الحرب الباردة انتهت وإن كان لا يزال هناك بعض نقاط تقاطع معها، وأن الاستعانة بالدين ورجاله ورموزه، إن لم تكن جديدة في روسيا، فهي لم تعد حكراً عليها وعلى الكنيسة كما في ذلك الزمن. فثمة كثيرون ممن ينتظرون حرباً صليبية يمن الله بها عليهم، لتعزيز جهادهم وإعداد مزيد من العدة له.

* كاتبة وصحافيّة من أسرة «الحياة».

The views and opinions of authors expressed herein do not necessarily state or reflect those of the Arab Network for the Study of Democracy
 
Readers Comments (0)
Add your comment

Enter the security code below*

 Can't read this? Try Another.
 
Related News
Syrian army says Israel attacks areas around southern Damascus
Biden says US airstrikes in Syria told Iran: 'Be careful'
Israel and Syria swap prisoners in Russia-mediated deal
Israeli strikes in Syria kill 8 pro-Iran fighters
US to provide additional $720 million for Syria crisis response
Related Articles
Assad losing battle for food security
Seeking justice for Assad’s victims
Betrayal of Kurds sickens U.S. soldiers
Trump on Syria: Knowledge-free foreign policy
Betrayal of Kurds sickens U.S. soldiers
Copyright 2024 . All rights reserved