TUE 26 - 11 - 2024
 
Date: Sep 12, 2015
Source: جريدة الحياة
نحن والألمان - حازم صاغية
الصورة المؤثّرة جدّاً للطفل ألان كردي فعلت فعلها، لا سيّما في... ألمانيا: فالعام لن ينتهي إلاّ وقد استقبلت 800 ألف لاجئ. وألمانيا، وفقاً لسيغمر غابرييل، نائب المستشارة، ستستقبل سنويّاً، ولسنوات عدّة، 500 ألف.

لقد انحازت مركل إلى خيار أخلاقيّ تدعمه أدبيّات الاتّحاد الأوروبيّ حول اللجوء، ونصوص يحتوي عليها الدستور الألمانيّ نفسه. بهذا فإنّها، بين أشياء أخرى، دافعت عن شرف العولمة التي أُخذ على تأويلها النيوليبراليّ تشجيعه انتقال السلع والرساميل وحيلولته دون انتقال البشر.

لكنّ الخيار هذا تواجهه تحدّيات ضخمة: فحتّى حليف المستشارة مركل، «الاتّحاد المسيحيّ الاجتماعيّ» البافاريّ، مستاء. وهي بسياستها الجديدة، في بلدها وفي أوروبا، تغامر بمستقبلها ومستقبل حزبها السياسيّين. ولئن واجهتها كتلة عنصريّة في ألمانيا نفسها، خصوصاً في الشرق ذي التقليد الديموقراطيّ الأضعف، فإنّ أنظمة أوروبا الوسطى والشرقيّة، لا سيّما منها الهنغاريّة، ليست أقلّ فجوراً.

ثمّ إنّ أوروبا لا تزال تتخبّط بأزمتها الماليّة، وتجربة اليونان تضيء التخبّط هذا. ومثلما تنتصب في وجه مركل الحجّة الاقتصاديّة المباشرة، تنتصب في وجهها حجج الواقعيّة الدولتيّة العاديّة، ومنها أنّ الحكومات تضع خططها وتخلق فرص العمل تبعاً لسوق وطنيّة بعينها، ولهذا تتقدّم الإحصاءات أيّة خطّة رسميّة، أو أنّ الحدود الصلبة شرط لا غنى عنه لاستقرار تهدّده سيولة الحدود. وتهبّ أيضاً حجج المشكّكين بالقدرة على الدمج، والمدافعين عن نسبة محدودة من المدموجين. وهناك حجج القائلين بالتحدّي الأمنيّ، وهو كتحدّي الدمج، يجد براهينه في صعود «داعش». ونعرف أنّ «رُهاب الإسلام» هو اليوم مرض أوروبا الذي كانته اللاساميّة.

لكنْ في مواجهة هذه التحدّيات الصلبة، يسند الرأي العامّ الألمانيّ مركل، ليس فقط بسبب الصورة الأخيرة، بل أيضاً بسبب صور أقدم عهداً تختزنها الذاكرة الجمعيّة. ذاك أنّ القطارات التي حملت اللاجئين السوريّين في رحلتهم الملحميّة تُحيل إلى قطارات لا تُنسى في تجربة اليهود المُرحّلين إلى المحارق. ولئن استثمر الألمان الكثير لتعليم أجيالهم ما يحول دون تكرار المحرقة، فقد قضت الظروف المأسويّة أن يستفيد عرب من هذا الاستثمار انطلاقاً من مأساة اليهود.

وإلى ذلك يعمل الشعور بالذنب، ليس في ألمانيا فحسب، بل في عموم البلدان الغربيّة التي كفّت عن استقبال اليهود الألمان منذ 1938. والسياسة هذه إنّما استمرّت إلى ما بعد الحرب الثانية، فبين 1941 و1945، لم تفتح الولايات المتّحدة أبوابها إلاّ لـ21 ألف لاجئ من أصل 210 آلاف. أمّا الأوروبيّون المنتصرون فأبقوا الناجين في «مخيّمات لاجئين» في المناطق الألمانيّة والنمسويّة التي احتلّوها. ولربّما بسياسات أخرى كان ممكناً تفادي المحرقة، ثمّ تفادي قيام إسرائيل. أمّا أن تطمح ألمانيا إلى عنصر شابّ تفتقر إليه، فهل هذا مأخذ على حكومة معنيّة ببلدها واقتصاده، تحاول التوفيق بين الأخلاق والمصالح، وهل كان الأفضل ألّا تحتاج ألمانيا إلى هذا العنصر بما يزيد ضغوط الضاغطين لإغلاق الأبواب؟

ما من شكّ أنّ ما فعله الألمان لا يُعفي حكومة مركل من مآخذ كثيرة، بما فيها الموقف من بقاء الأسد في السلطة. لكنّ الأمرين يخضعان لاعتبارات مختلفة، أهمّها أنّ الرأي العامّ الذي يؤيّد استقبال المهاجرين لا يؤيّد، للأسف، ما يعتبره تورّطاً في سورية. وهكذا يُستحسن الاستفادة من المتوافر، والضغط، إن أمكن، لتوفير غير المتوافر. ثمّ هناك مواقف دول كثيرة، بلا رأي عامّ، تؤيّد إطاحة الأسد ولا تؤيّد استقبال اللاجئين. فأيّ الموقفين أفضل؟

لقد وجدنا أنفسنا أمام أصوات لا تستبعد المقارنات الواقعيّة فحسب، بل تذهب دوماً إلى المقارنة بطوبى ليست على هذه الأرض. كما وجدنا أنفسنا أمام استسهال شتم «الغرب»، لأنّ الإقرار بالواقع يُحرج خطاباً تاريخيّاً متمكّناً يجمع بين الحاكم والمحكوم. وطبعاً، وكالعادة، وُجد من يستسهل شتم أنفسنا مردّداً ما يقوله العنصريّون الغربيّون. لكنْ لم يُجبنا أيّ من هؤلاء باقتراح عمليّ حيال المأساة الرهيبة؟

The views and opinions of authors expressed herein do not necessarily state or reflect those of the Arab Network for the Study of Democracy
 
Readers Comments (0)
Add your comment

Enter the security code below*

 Can't read this? Try Another.
 
Related News
Syrian army says Israel attacks areas around southern Damascus
Biden says US airstrikes in Syria told Iran: 'Be careful'
Israel and Syria swap prisoners in Russia-mediated deal
Israeli strikes in Syria kill 8 pro-Iran fighters
US to provide additional $720 million for Syria crisis response
Related Articles
Assad losing battle for food security
Seeking justice for Assad’s victims
Betrayal of Kurds sickens U.S. soldiers
Trump on Syria: Knowledge-free foreign policy
Betrayal of Kurds sickens U.S. soldiers
Copyright 2024 . All rights reserved