THU 28 - 11 - 2024
 
Date: Apr 7, 2015
Source: جريدة الحياة
أميركا - إيران: ضربتان للإيديولوجيا - حازم صاغية
كائناً ما كان الرأي السياسيّ بـ»اتّفاق الإطار»، فالكثيرون ممّن تناولوه غلّبوا «مبدأ اللذّة» والرغبات على «مبدأ الواقع». فهو، في النهاية، تسويةٌ تلبّي، مثل كلّ تسوية، بعضاً من مصالح الطرفين، لا كلّها. وإذا جاز التلخيص بأنّ أميركا ستضمن، بعد استكمال الاتّفاق، عدم حصول إيران على السلاح الذريّ فيما ستضمن إيران رفع العقوبات، كانت الإيديولوجيا هي الخاسر الأكبر. وهي، باستطالتها الحربيّة، خاسر بمعنيين: قلع الأنياب النوويّة واستبعاد الحرب في العلاقة مع إيران.

وبالمعنى نفسه بدت المصالح هي المستفيد الأوّل. ولئن كان هذا جليّاً في حالة إيران بعد رفع العقوبات وتمتّعها بمنافع الرفع، فهو أيضاً، وبسبب الهجمة المتوقّعة للشركات الغربيّة وللعقود النفطيّة، إقرار بالأولويّة التي تكسبها «اليد الخفيّة» للسوق على حساب المواقف المبدئيّة القصوى.

والحال أنّ الإيديولوجيّين في الطرفين بدوا مربكين قبل التوصّل إلى «اتّفاق الإطار». فالمرشد علي خامنئي سبق له، في آخر ظهور علنيّ، أن ردّد «الموت لأميركا» كما أكّد على أنّ الإيرانيّين يريدون التوصّل إلى تسوية، وهي بالضرورة تسوية مع هذا الكائن الآيل سريعاً إلى الموت! أمّا بعد «الإطار»، فلم يكتف متشدّدو إيران بإبداء التحفّظات، بل ذهب بعضهم إلى أنّ قيادة بلادهم رضخت لـ «الشيطان الأكبر». وفي هذا، كانوا كأنّهم يردّون على قول مؤيّديهم عندنا حيث جزموا بأنّ أميركا «رضخت» لإيران. وقد استعانت صحيفة «كيهان» بالسخرية في نقلها هذه الأجواء إذ كتبت، وهي من ألسنة حال المتشدّدين: «إنّه اتّفاق يكسب فيه الجميع: برنامجنا النوويّ سيزول، والعقوبات ستبقى».

وعلى الجانب الآخر يمثّل الجمهوريّون الأميركيّون، وهم دائماً أكثر إيديولوجيّة من منافسيهم الديموقراطيّين، ما يمثّله المتشدّدون الإيرانيّون. وقد كُتبت حتّى اليوم أطنان المقالات في تفسير موقف باراك أوباما وإدارته، وكان معظمها يكرّر نقطتين لا يملك الجمهوريّون ردّاً عليهما ما خلا الاستنجاد بحجج «العالم القديم»: أنّ تركيز أميركا الاقتصاديّ، وكذلك الاستراتيجيّ، انتقل إلى آسيا والمحيط الهادئ، اللذين صارا الإلدورادو الأميركيّة الراهنة، وأنّ واشنطن لم تعد مستعدّة لأن تتحمّل مجدّداً أكلافاً كالتي تكبّدتها في حرب العراق بسبب الجمهوريّين أنفسهم. وكما هو معروف، كان أصلاً أحد أبرز الأسباب وراء صعود أوباما السياسيّ ومعارضته حروب جورج دبليو بوش.

وقبل سنوات على انتخاب الرئيس الحاليّ كان إدوارد لوتفاك، وهو عالم اجتماع سياسيّ أميركيّ، قد أضاف في تفسيره ظاهرة العداء الأميركيّ المستجدّ للتدخّل والحروب عنصراً ديموغرافيّاً. فمن قبل كانت الأسرة تنجب خمسة أبناء أو ستّة، وهي اليوم تنجب ولدين أو ولداً واحداً. وهذا ما يقود إلى إضعاف القدرة على التجييش وعلى زجّ الأبناء في حروب يتكاثر وصفها بـ»العبثيّة». ثمّ إذا كانت «الشهيّة الاستراتيجيّة» في الماضي شرطاً لاكتساب القوّة الاقتصاديّة، فهذا ما تغيّر بعد تجربتي اليابان وألمانيا اللتين تخلّتا عن القوّة العضليّة فأحرزتا، بدلاً منها، قوّة اقتصاديّة باهرة.

وفي هذا حلّت فلسفة للأمن القوميّ تضع منع تهديد الداخل محلّ المبادرة بتهديد الخارج، بوصفه الأولويّة ومحطّ التركيز. فموجبات الحرب الباردة على نطاق كونيّ غير موجبات الصراع مع أطراف أصوليّة لا يحول تمدّدها الجغرافيّ دون موضعيّتها العسكريّة التي لا تستدعي، في عرف أوباما، أكثر من الضرب جوّاً.

وهذا على عمومه قد يُحدث، في حال استكماله، انفراجات في علاقة الطرفين المعنيّين. لكنّه بالتأكيد لن يقلّل، إن لم يزد، المآسي المتوالية في أمكنة أخرى من العالم لا تزال تحكمها فظاظة دون - إيديولوجيّة.


The views and opinions of authors expressed herein do not necessarily state or reflect those of the Arab Network for the Study of Democracy
 
Readers Comments (0)
Add your comment

Enter the security code below*

 Can't read this? Try Another.
 
Related News
UN calls on Arab world for more solidarity against pandemic
Virus impact could kill over 50,000 children in MENA: UN agencies
Virus cases surpass 200,000 in Gulf states
Mideast economies take massive hit with oil price crash
Trump says US will destroy any Iranian gunboats harassing U.S. ships
Related Articles
Democracy in the digital era
From hope to agony, what's left of the Arab Spring?
Reopening the peace factory
Tackling the inequality pandemic: a new social contract
Global wake-up call
Copyright 2024 . All rights reserved