WED 27 - 11 - 2024
 
Date: Apr 5, 2015
Source: جريدة الحياة
الرقة – إدلب – اليرموك إلخ... - حازم صاغية
مع سقوط سلطة الأسد في مدينة إدلب، ظهرت أصوات متباينة في محيط الثورة السورية العريض. فهناك من توجس، مذكراً بما حصل في الرقة من قبل، حيث انهارت تلك السلطة ونهضت في محلها سلطة «داعش». وهناك من هلل، مذكراً بما حصل في سورية كلها، لا في إدلب والرقة وحدهما، منذ قيام الحكم الأسدي. واليوم قد تُسمع الأصوات ذاتها بعد استيلاء «داعش» على مخيم اليرموك، فيقول واحد إن الحدث عرس، ويقول الثاني إنه جنازة.

ومفهومٌ أن تظهر عبارات مفادها: كل شيء إلا الأسد. ومفهومٌ أيضاً أن يحض ألمٌ كألم السوريين، مديد وعميق، على الثأر، أي ثأر. واليوم خمر وغداً أمر في آخر المطاف.

ولا يؤتى بجديد حين يقال إن الأسدين، بالقهر والإفقار، تناوبا على إنتاج ظاهرات التطرف التكفيري الحالي،مُستعينين بتراكيب متوارثة وبأفكار شائعة سهرا على تمكنها وتكاثرها. وعلى مدى نيف وأربع سنوات لم يفعل الشبل، من خلال رفضه كل تسوية، غير تغذية التطرف وتحويل الثمرة السامة إلى شجرة.

وللأسباب المعروفة جيداً، صار كل من الطرفين، الأسد والتكفيريين، «ملح وجود» للآخر: الأول يقتل كي يحمي من الأخيرين، والأخيرون يقتلون رداً عليه.

وكنا، في العالم العربي، شهدنا في التسعينات شيئاً من هذا القبيل على نطاق أصغر، حين احتدمت الحرب بين الجهاز الأمني– العسكري في الجزائر والقوى التكفيرية. والطرفان، هناك أيضاً، كانا يقتلان، كلٌ بطريقته، حتى غدا القتل البرنامج الأوحد لكليهما.

لكنْ هل من الجائز حقاً، أو من المطلوب، أن يكون لنا رأي وموقف كلما تقاتل ضبعان، وهل ينحاز واحدنا لضبع على ضبع، خصوصاً أن الذين مثلوا لنا الثورة وعبروا عن أمل السوريين في مغادرة الاستبداد والتخلف، وعن أملنا بأملهم، إنما خرجوا أو أُخرجوا مما بدأ ثورةً وانتهى حرباً أهلية– إقليمية؟

فالذين يحلون اليوم محل الأسد، في الرقة وفي إدلب، يمعسون السوريين الخاضعين لسلطتهم، كما معسهم الأب والنجل، وهم يُحصون على الناس أنفاسهم، ويضطهدون النساء فيهم، ويهددون الأقليات بينهم، ويفرضون عليهم الشريعة، ويهدمون تراثهم الثقافي، ويزيدونهم إفقاراً، ويكرسون عزلتهم عن العالم الخارجي، ويحرمون عليهم التعليم الحديث. وهم، فوق هذا، أبعد ما يكونون عن ربط الطرف «المحرر» بمركز وطني، وآخر من يسعى إلى برنامج سياسي قد يلبي مصالح السوريين. فهؤلاء، بكلمة، إنما يقفون ضد كل ما تعلمه المرء على مقاعد الدراسة أو في الروايات أو أفلام السينما. وهم تالياً ضد كل ما يرغبه الواحد منا لشعبه ووطنه، بل لكل الشعوب والأوطان. ثم، إذا كان الصراع دائراً على سورية، فهذه تنظيمات لا تعترف بسورية وطناً. ومعها تتبدد حتى الفرص ذات الاحتمال الواعد، كتمكن «الجيش الحر» في الجنوب، إذ تنتفي القدرة على تثميرها على نطاق أعرض وفي مشروع أوسع.

فما الذي يبقى إذاً كي يؤيد واحدنا، غير المتعصب وغير الطائفي، «داعش» أو «النصرة» في استيلائهما على هذه البقعة أو تلك من الأرض السورية؟

يبقى شيء واحد: الثأر من بشار الأسد. والثأر قد يكون شعوراً إنسانياً مفهوماً، إذا ما أخذنا في الاعتبار تاريخ القهر الأسدي لملايين السوريين. لكن الثأر، وهو مهندس رائع للموت، مرشد سيء في الحياة وفي اختيار المستقبل. فهو يجوهر النزاعات ويُخرجها من السياسة والعقل واحتمالهما، اليوم وغداً وفي كل حين. هكذا يصير لزاماً أن تنشأ في سورية، وللسوريين جميعاً، «قضية فلسطينية» أخرى، قضيةٌ ينبغي أن تعيش وتبقى وتزدهر حتى لو فنيَ الفلسطينيون.


The views and opinions of authors expressed herein do not necessarily state or reflect those of the Arab Network for the Study of Democracy
 
Readers Comments (0)
Add your comment

Enter the security code below*

 Can't read this? Try Another.
 
Related News
Syrian army says Israel attacks areas around southern Damascus
Biden says US airstrikes in Syria told Iran: 'Be careful'
Israel and Syria swap prisoners in Russia-mediated deal
Israeli strikes in Syria kill 8 pro-Iran fighters
US to provide additional $720 million for Syria crisis response
Related Articles
Assad losing battle for food security
Seeking justice for Assad’s victims
Betrayal of Kurds sickens U.S. soldiers
Trump on Syria: Knowledge-free foreign policy
Betrayal of Kurds sickens U.S. soldiers
Copyright 2024 . All rights reserved