تناولت مجلة «ذي إيكونوميست» البريطانية حياة أسماء الأسد زوجة الرئيس السوري بشار الأسد، معتبرة صورة للسيدة الأولى في سوريا على وسائل التواصل الاجتماعي الصيف الماضي، بينما كانت القوات الحكومية في شمال غربي سوريا تقصف آخر جيوب مقاومة المتمردين للنظام، خير معبر عما آلت إليه أسماء في الفترة الأخيرة.
وأظهرت الصورة أسماء الأسد وزوجها الرئيس السوري بشار الأسد وأطفالهما الثلاثة وهم يقفون على قمة تل عال ويحيط بهم جنود في ملابس مموهة، ويبدو بشار، الذي كان يرتدي «أنوراك»، وحذاءً رياضياً وقميص «بولو» واقفاً متظاهراً بالصلابة بين الجنود، بينما تقف أسماء بصلابة أكبر، وذراعاها على جانبيها، مرتدية الجينز الأبيض، ومنتعلةً حذاءً رياضياً، وواضعة نوعاً من النظارات الشمسية التي يحبها «رجال الشرق الأوسط الأقوياء»، بينما يتكئ الرئيس السوري على كتفها.
وشرح التقرير، أن أسماء أقوى مما كانت عليه في أي وقت مضى، بعدما كانت رحلتها إلى السيادة على هذه الأرض المنكوبة رحلة «متعرجة»، باعتقادها أن الإصلاح الاجتماعي سيعمل على تحديث «دولة منبوذة»، وظهرت كأنها «ماري أنطوانيت الدمشقية» تتسوق بينما بلدها يحترق، وتكافح السرطان بينما تسحق قوات زوجها المتمردين.
ويسأل التقرير، أين ستنتهي الرحلة؟
لم يعد صعود أسماء في بلاط عائلة الأسد مجرد مادة لإثارة القيل والقال لمراقبي سوريا. ففي العام الماضي، وصفت الحكومة الأميركية أسماء بأنها من «أسوأ المستفيدين من الحرب» في سوريا. حتى أن هناك الآن همسات بأنها قد تخلف زوجها في يوم من الأيام في منصب الرئيس.
وقطعت أسماء الأسد بالتأكيد شوطاً طويلاً من المنزل على أطراف أحياء لندن الغنية، حيث ترعرعت، حتى وصلت إلى مكانتها الحالية في النظام السوري.
وتحدث التقرير عن نشأة السيدة التي ولدت عام 1975 في أكتون، وهي منطقة في غرب لندن على حدود الأحياء الأكثر ثراءً. ومثل معظم السوريين والداها من المسلمين السنة. عندما حصل انقلاب، كان والد بشار، حافظ الأسد، جزءاً منه، وأعلن نفسه رئيساً عام 1970.
يضيف التقرير أن أسرتها محافظة ثقافياً. وعُرفت أسماء باسم «إيما» في مدرستها الابتدائية المحلية، وهي واحدة من أقدم مدارس البنات الخاصة في بريطانيا «كوينز كوليدج» على مسافة أمتار قليلة من عيادة والدها الطبية الخاصة في شارع «هارلي». وحصلت على درجة علمية في علوم الحاسوب، ويتذكرها كل من الأصدقاء والمنتقدين بأنها ذكية وتعمل بجد.
لا يتذكر أحد أنها أبدت أي اهتمام بالشرق الأوسط، وفي زياراتها إلى دمشق مع والديها، كانت تمضي وقتها بجانب المسبح في فندق الشيراتون. قال صديق للعائلة «كانت إنجليزية للغاية، ويبدو أنها لا تريد أي علاقة لها بسوريا».
ويكمل التقرير، أنها حصلت على وظيفة في بنك «جي بي مورغان» الاستثماري. حيث يعمل الموظفون لمدة تصل إلى 48 ساعة أسبوعياً، حتى أن بعضهم ينام في المكتب (لشدة الإرهاق). يتذكر بول غيبز، الذي كان مديراً لأسماء، أنها «رشيقة ومهذبة ومطيعة»، وإنها اعتادت ارتداء بدلات سوداء رائعة، وتخصصت في عمليات الاندماج والاستحواذ (وهي تجربة أثبتت فائدتها لاحقاً في سوريا).
قام عم والدة أسماء سحر بمساعدة حافظ الأسد في الاستيلاء على السلطة، واستخدمت سحر مكانة عمها للحصول على وظيفة في السفارة السورية في لندن. كما حرصت على الترتيب لمقابلات بين أسماء وبشار نجل حافظ الثاني، بحسب سام داغر، مؤلف كتاب «أسد أو نحرق البلد»، حيث التقى الاثنان مرات عدة عندما كان بشار طالب طب في لندن في التسعينات. وعندما توفي شقيقه باسل في حادث سيارة عام 1994، سقط مصير سلالة الأسد فجأة على كتفي بشار.
توفي حافظ الأسد عام 2000 في الوقت الذي انتقلت فيه أسماء إلى دمشق، لكن إرثه كان موجوداً في كل مكان، من الهندسة المعمارية على الطراز السوفياتي إلى اللوحات الإعلانية التي تحمل وجهه. وأدى دعمه لمنظمات مسلحة في جميع أنحاء المنطقة إلى عزل سوريا عن الغرب، فكان صعود بشار فرصة لإعادة العلاقات.
بدت أسماء رفيقة واعدة للزعيم السوري الجديد، وجعلت حزب البعث العلماني السوري أكثر قبولاً من بعض الدول العربية لتولي المرأة أدواراً عامة. وقال وفيق سعيد، الثري السوري الذي أقام صداقة مع الزوجين: «اعتقدت أن الجمع بين هذين الأمرين سيجعل سوريا جنة».
وقال أيمن عبد النور، مستشار بشار في ذلك الوقت، إن أفراد عائلة بشار «كرهوها... أبقوها داخل المنزل لسنوات». لم تكن أسماء تتحدث اللغة العربية بطلاقة. عندما اجتمعت الأسرة لتناول الطعام، حرصوا على التحدث بلكنتهم العلوية التي لا تستطيع هي فهمها.
لم تكن بقية النخبة الحاكمة أكثر وداً، وواجهت إصلاحات بشار – في أول عهده - معوقات، لا سيما من حلفاء والده السابقين. وفي غضون أشهر، أصبح من الواضح أن وعود بشار بالإصلاح كانت واهية، وقد تم تقديمها جزئياً لتعزيز الدعم لخلافته أبيه. وقال وفيق: «سيخبرك بشار بالضبط ما تريد أن تسمعه ثم لا يفعل شيئاً على الإطلاق».
وبالفعل، سرعان ما تراجع بشار عن إصلاحاته الموعودة، وتم سجن الأكاديميين، ووُضع صور لبشار أكبر من تلك الخاصة بوالده، وأصبح الحق في التجمع العام مقيداً لدرجة أن الأزواج اضطروا إلى الحصول على تصريح حكومي لإقامة حفلة زفاف في فندق.
وتلاشت الآمال في إمكان تغيير سوريا بشكل أكبر بعد الهجمات الإرهابية في11 سبتمبر (أيلول) 2001، وقدم بشار للأميركيين تسهيلات لاستجواب الإرهابيين المشتبه بهم. لكن إدارة بوش صممت على «نشر الديمقراطية» وتررد كلام بأن سوريا ستكون الهدف التالي بعد أن دفع العراق النظام السوري إلى تغيير المسار الصديق للأميركيين، وأرسل بشار متطرفين محليين عبر الحدود لدعم التمرد العراقي ضد الأميركيين.
*من سيدة منزل إلى شريك في الحكم
وعندما عزز بشار سلطته، قامت أسماء بدور سيدة المنزل بإخلاص، وأنجبت ثلاثة أطفال سريعاً، وكانت لا تزال ترتدي زياً مصرفياً رزيناً. وبالنسبة لبشار فقد ساعدت زوجته البريطانية في استرضاء الحكومات الغربية. ولقبت بـ«السيدة الأولى» (بدأت وسائل الإعلام الرسمية في سوريا باستخدام المصطلح فقط بعد وفاة أنيسة الأسد عام 2016). وفازت أسماء أخيراً بمقعد إلى طاولة الحكم في سوريا.
بعد شهرين من اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، في أبريل (نيسان) 2005، وقفت أسماء إلى جانب زوجها في جنازة البابا يوحنا بولس الثاني. قلة كانوا حريصين على مصافحة بشار، لكن أسماء، التي كانت متألقة بحجاب من الدانتيل الأسود، كانت أكثر جاذبية. كانت هذه لحظة محورية للزوجين. فحتى ما قبل تلك اللحظة، كانت أسماء، الزوجة الأجنبية، على الهامش. وبعدها جاءت لتلعب دوراً مركزياً في «إعادة التأهيل الدولي» لبشار.
يقول عبد النور، مستشار بشار السابق: «كانت سفيرة له في جميع البلدان التي لم يكن بإمكانه الاختلاط معها».
زادت أسماء الاهتمام بمظهرها الخاص، بمساعدة مصفف شعر جديد. وزادت حجم مجوهراتها وأقراطها بضع بوصات؛ وتم تقليم أظافرها ورسمها. وعلى الرغم من أنها لم تكن هي ولا بشار يضعان خاتم الزواج، فإن العقيق الملكي ظهر معلقاً على رقبتها.
ويتذكر موظفو الخطوط الجوية السورية في لندن سيلاً لا ينتهي من الصناديق التي تحتوي على ملابس من أرقى المتاجر في لندن. وقد أطلق دبلوماسيون سوريون عليها اسم «إميلدا ماركوس»، على اسم السيدة الأولى الفلبينية التي تدمن الأحذية.
مشروع أسماء التالي كان سوريا نفسها. بعد عقود من التخطيط المركزي والقيود المفروضة على الاستيراد، أرادت تجديد شباب سوريا. وأقنعت أسماء زوجها باستخدام المصطلحات المالية ودفعت القطاع المصرفي للانفتاح على الشركات الخاصة والأجنبية. ولسوء الحظ، هدد الإصلاح الاقتصادي مصالح بعض أقوى الفئات في سوريا.
فلتغيير الطريقة التي تتم بها الأعمال التجارية، كان على أسماء مواجهة رامي مخلوف، ابن خال بشار، الذي سيطرت شركاته على أكثر من نصف الاقتصاد السوري. وحاولت أسماء تحدي سيادته عام 2007 من خلال إنشاء شركة قابضة خاصة بها، لكنها لم تتمكن من جذب ما يكفي من الشركات ذات الثقل في سوريا للانضمام إليه.
سرعان ما وجدت أسماء طريقة جديدة لتوسيع نفوذها، فعملت على توحيد مشاريعها في منظمة واحدة: «الأمانة السورية للتنمية». وكانت تسعى إلى جعل هذه المؤسسة القناة الأساسية التي من خلالها تواجه سوريا العالم، وتجنيد الناطقين باللغة الإنجليزية من السوريين الذين يعيشون في الخارج، ومسؤولين سابقين في الأمم المتحدة.
واعتبرت أسماء أن سوريا يجب أن تكون وجهة سياحية مرغوبة مع مناظرها الطبيعية الجبلية الجميلة، وثرواتها الأثرية. وجندت أمناء متحف اللوفر والمتحف البريطاني لإعادة تصميم وسط دمشق... وتم التخطيط لخط سكة حديد جديد لربط دمشق بالمدن الآشورية القديمة في الشمال الشرقي.
*تأييد غربي
أيد الدبلوماسيون الغربيون في دمشق بكل سرور خطوات أسماء، حتى أنها جذبت الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والبنك الدولي وقطر، وجمعت ملايين الدولارات لتمويل رؤيتها، واحتفت سلسلة من المقالات الصحافية بـ«النهضة الثقافية» في دمشق، كما تسميها أسماء. وأيد بشار زوجته بقوله «هكذا تحارب التطرف، من خلال الفن».
استعانت أسماء شركات علاقات عامة في بريطانيا وأميركا لتحسين صورتها، وجاء المشاهير إلى دمشق، من بينهم أنجلينا جولي وبراد بيت وستينغ.
وأقام المستشارون الأجانب التابعون للصندوق الذي أسسته أسماء في فقاعة مطلية بالذهب في دمشق: لقد طلبوا السوشي من خدمة الغرف وتقاضوا رواتب كبيرة.
وقال سمير عيطة، مستشار وزارة المالية: «لم يكن لدى العديد من القرى نظام صرف صحي مناسب أو كهرباء، بينما ظهرت أسماء مع مستشاريها وتحدثت عن ريادة الأعمال والمجتمع المدني والتنمية المستدامة والتدريب على صناعة الجبن». اعتقدت أسماء «أن صندوق سوريا يمكن أن ينقذ كل شيء».
تحسنت صورة سوريا الدولية مع صعود نجم أسماء، فعاد المسؤولون الأميركيون لزيارة دمشق، خاصة بعد انتخاب باراك أوباما عام 2008، وكان الفرنسيون أكثر تعاطفاً. وطارد المصورون عائلة الأسد عندما زاروا باريس. وأشادت مجلة «باري ماتش» بأسماء لإشراقتها ووصفتها بأنها «الضوء في بلد مليء بالظلال».
في الشهرين الأول والثاني من عام 2011، كانت الحالة المزاجية في الشرق الأوسط متوترة للغاية. واندلعت الاحتجاجات من تونس إلى ليبيا، ومن الجزائر إلى البحرين، وأطاحت احتجاجات حاشدة في القاهرة الرئيس حسني مبارك.
*شرارة درعا
فوجئ الكثير من السوريين مما رأوه، لكن الخوف منع معظمهم من النزول إلى الشوارع. وفي إحدى الليالي في فبراير (شباط) في درعا، جنوب دمشق، قامت مجموعة من تلاميذ المدارس برش كتابات على أحد الجدران «حان دورك يا دكتور». وكان رئيس الأمن المحلي أحد أقرباء بشار، فجمع رجاله الأطفال وعذبوهم. وعندما طالب آباؤهم بالإفراج عنهم، عرض رئيس الأمن منحهم المزيد من الأطفال إذا أرسلوا زوجاتهم. مما أدى إلى تجمع حشود أمام مساجد درعا للمطالبة بالكرامة والحرية، فأطلق الجنود النيران عليهم.
وأعلن بشار أن «سوريا تواجه مؤامرة كبيرة»، ووصف اللقطات التي تظهر فيها قوات الأمن وهي تطلق النار على المتظاهرين بأنها «معلومات كاذبة»، ورفض الدعوات للإصلاح قائلاً إنها غطاء لمؤامرة أجنبية. وتزايدت التظاهرات من حيث العدد والحجم كل أسبوع. وهكذا بدأت دورة متصاعدة من الجنازات والاحتجاجات والعنف. على مدار شهر، أصبح رد فعل النظام أكثر شراسة: الشرطة أولاً، ثم القناصة، ثم المدفعية الثقيلة.
وانزلقت سوريا إلى الفوضى، وانهارت قلاع أسماء في الهواء. تم إلغاء حفلة بمناسبة إعادة إطلاق المتحف الوطني. لم تتحقق مشاريع التجديد الثقافي الخاصة بها. بعد سبع سنوات من التخطيط، ظل متحف الاكتشاف، الذي تم تصميمه على غرار متحف العلوم في لندن، عبارة عن هيكل خرساني.
قال وفيق سعيد لبشار: «الشعب يحبكما أنت وزوجتك، فأنت لست مثل مبارك. لا تفوّت هذه الفرصة لتصبح أعظم زعيم في العالم العربي. فقط امنحهم بعض الحقوق، وقليلاً من الكرامة، ويمكن أن تكون محبوباً إلى الأبد».
لكن مسار بشار كان مختلفاً. في خطاب ثان، في يونيو (حزيران)، شبّه المتظاهرين بـ«الجراثيم». فكان فصل مظلم على وشك أن يبدأ.
يقول الأشخاص الذين تحدثوا مع أسماء على انفراد في الأيام الأولى للأزمة، إنها تمسكت بصرامة بالرواية الرسمية القائلة إن «الانتفاضة كانت مؤامرة أجنبية». من الناحية النظرية، كان من الممكن أن تذهب إلى لندن. كانت هناك عروض للممر الآمن، فقد صرحت الحكومة البريطانية مراراً وتكراراً، بصفتها مواطنة بريطانية، بأنها لا تستطيع منعها من دخول البلاد، وهو ما فسره بعض المراقبين على أنه عرض سري للحماية.
حتى في لندن، كان الجو غير جذاب. تجمع المتظاهرون خارج منزل عائلتها في أكتون وقاموا بتلطيخ الباب باللون الأحمر. وحذفت كلية كوينز اسمها من قائمة المتخرّجات المكرمات.
توقفت أسماء عن إجراء المقابلات لأشهر عدة، وركزت على تجديد المنزل. في السنة الأولى من الانتفاضة، أنفقت 250 ألف جنيه إسترليني على الأثاث. وللتحايل على العقوبات، أرسلت مصفف شعرها للتسوق في دبي واستخدمت اسماً مستعاراً عند طلب منتجات من متجر هارودز. وبعد فترة وجيزة، أصدرت أسماء أول بيان رسمي لها منذ بداية الانتفاضة: «الرئيس هو رئيس كل سوريا، وليس رئيس فصيل من السوريين، والسيدة الأولى تدعمه في هذا الدور».
وتم نشر صور على «فيسبوك» تؤرخ الأنشطة الرسمية للعائلة، ففي إحدى الصور ظهرت أسماء وزوجها جالسين على شرفة مزينة بالورد مع تعليق كُتب عليها «الحب بلد يقوده أسد قضى على المؤامرات، والسيدة الأولى تدعمه». وعلق أحد المستخدمين أسفل الصورة «ألا تخجل؟ شعبك يُذبح وأنت تراقب، بل والأسوأ من ذلك... تطلب الأحذية».
يقول التقرير، إن فساتين «شانيل» والأحذية ذات الكعب العالي التي اقتنتها أسماء على مر السنين لا تتناسب مع ما تشهده البلاد من حرب أهلية، لأن الواقع الجديد في سوريا يتطلب «أسماء جديدة»، فتخلصت من الكعب العالي والسترات والمجوهرات. وجاءت الأحذية المسطحة والقمصان والسراويل التي كشفت ذراعيها الهزيلتين وجسدها النحيل.
عام 2018 تم تشخيص أسماء بسرطان الثدي. لكن المرض لم يمنعها من إدارة صورتها العامة بعناية، أو التأكد من أن الجميع يعرف أنها بقيت في سوريا لتلقي العلاج. وتم توثيق «نضالها» ضد المرض بالتفصيل من قبل وسائل الإعلام الحكومية وعلى قنوات التواصل الاجتماعي التابعة للرئاسة. وتم تصويرها وهي تدخل غرفة العمليات على عجلات.
وعندما تساقط شعرها، تم تصويرها وهي تضع حجاباً أنيقاً، مما يدل على الضعف والقوة. قال أحد المحاورين التلفزيونيين «تهانينا على انتصارك على السرطان». أجابت أسماء «شكراً»، وأضافت «وآمل أن نحتفل قريباً بانتصار سوريا». حتى قبل أن تتعافى تماماً، أظهرت وسائل الإعلام الموالية للحكومة أسماء تشارك في حزن سوريا. برفقة طواقم التصوير، طرقت الأبواب في قرى المرتفعات الفقيرة، وعانقت أمهات الشهداء وقدمت لهن هبات.
بذلت أسماء جهداً لإخفاء هويتها البريطانية. عملت بجد على لغتها العربية لدرجة أن السوريين لم يعد بإمكانهم اكتشاف اللهجة الإنجليزية. وتجاهلت طلبات إجراء مقابلات من وسائل الإعلام الغربية، ولم تقبل سوى لقاءات مع وسائل إعلام روسية ومحلية. وعلى الرغم من أن أسماء أدارت ظهرها للغرب، فإن محاولات مؤسساتها مع المانحين الدوليين استمرت. لكن جف دخل مؤسستها الخيرية «سوريا ترست»، بعد أن فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات عليها عام 2012.
حصلت أسماء كرئيسة لـ«سوريا ترست» على أكثر من مجرد ثروة. فمن خلال توجيه مساعدات الأمم المتحدة، طورت شبكة واسعة من المحسوبية التي شملت أمراء الحرب السوريين. وبحسب ما ورد، أظهر الناس امتنانهم لحمايتها وإحسانها في شكل حقائب مليئة بالنقود تم تسليمها إلى المنظمات المرتبطة بها.
واستفادت أسماء من اقتصاد الحرب بشكل مباشر أيضاً. فحازت شركة ارتبطت بها بعقد حكومي لإدارة مدفوعات البطاقات الذكية. وأطلقت أيضاً موزعاً للهواتف المحمولة يسمى «إيما تل»، على اسم طفولتها. وتم تسجيل كل هذا باسم «خضر علي طاهر»، الذي أشار إليه أحد رجال الأعمال باسم «واجهة أسماء لكل شيء».
وأصبحت عائلة أسماء ذات نفوذ متزايد في الاقتصاد السوري. وتقول مواقع إخبارية سورية (بعضها تابع للمعارضة)، إن شقيقها فراس وابن عمها مهند الدباغ يديران شركة البطاقات الذكية نيابة عنها. ووصف تقرير حديث الموظف السابق في السفارة الأميركية في دمشق طريف الأخرس، ابن عم أسماء، بأنه «من أبرز الشخصيات الاقتصادية للنظام».
ويقول زملاء بشار السابقون، إنه سعيد بالنجاح المالي لزوجته وممتن لمساعدتها: لقد سئم بعد حرب استمرت عقداً من الزمان - ولم يكن الاقتصاد أبداً يناسبه؛ ولذا فقد أصبحت أسماء «مستشاره الاقتصادي الرئيسي».
في أواخر العام الماضي، لاحظ سكان حي دمشق، حيث تعيش أسماء، تغيراً سريالياً في المشهد. فأضيف تمثال جديد: تمثال ضخم لرأس حصان، وذلك بتوجيه من شركاء أعمال أسماء. واشتكى السكان المحليون من الإسراف. وبحسب تقارير، قامت السلطات بخلع رأس الحصان. وبعد ساعات عاد الرأس لمكانه وكانت الرسالة واضحة: في سوريا ما بعد الحرب، «أسماء هي صاحبة القرار».
ومع الانقلاب على مخلوف ورحيل أخت بشار ووالدته، لم يعد لدى أسماء سوى عدد قليل من المنافسين الأساسيين داخل الدائرة الضيقة لبشار الأسد، حيث يشغل العديد من أقرب مستشاريها المناصب العليا في مكتب الرئيس. وقال رجل أعمال يسافر بين دمشق وأوروبا «إنها تسيطر على المعينين من القصر... يمكنها أن ترشح من تريد».
*«تود أن تكون رئيسة»
يشير تقرير «ذي إيكونميست» إلى أن في كل من دمشق والعواصم الأجنبية، يتكهن السوريون علانية بما إذا كانت لأسماء طموحات سياسية في الصعود إلى القمة. إذا أصبح بشار في موقف عسير، فهل يمكن لـ«الرئيس أسماء» أن يقدم خدمة للأغلبية السنية في البلاد مع الحفاظ على الاستمرارية؟ حتى أن هناك شائعات بأن أحد أفراد الأسرة التقى مؤخراً مسؤولين أميركيين للحصول على دعم لهذا المخطط. ويقول دبلوماسي سوري سابق: «بشار وأسماء يفكران في هذا الأمر. إنها تود أن تكون رئيسة وكلاهما يعتبر ذلك حلاً ثورياً لإنقاذ النظام».
وعلى الرغم من الإدانة الصارخة لعائلة الأسد، لم تسحب الحكومة البريطانية جنسية أسماء أبداً، كما فعلت مع شميمة بيغوم، الطالبة التي سافرت إلى سوريا للانضمام إلى تنظيم «داعش» عام 2015 عندما كانت لا تزال مراهقة.
ومن غير المرجح أن يدعم المتشددون العلويون أي محاولة من جانب أسماء لتولي الرئاسة. ربما يكون أقوى خصم محتمل لها هو ماهر، الأخ الأصغر لبشار، الذي لا يزال يقود الفرقة الرابعة المدرعة في الجيش. قال تاجر سوري على صلة جيدة في دبي: «سيتآمر الجيش والطائفة لمنعها من أن تكون رئيسة».
إنها أقوى من أي وقت مضى، لكنها أيضاً أكثر ضعفاً. حتى الحديث عن طموحات رئاسية قد يكون خطيراً على أسماء، يقول وفيق سعيد «أنا قلق عليها». لكن كما أدركت أسماء منذ فترة طويلة: لا عودة إلى الوراء.
|