MON 12 - 5 - 2025
 
Date: Jan 17, 2011
 
الانتفاضات الشبابية: سيناريو 1988 يتكرر وشباب الجزائر من «مغرر بهم» إلى «منحرفين ولصوص»

الإثنين, 17 يناير 2011

إسماعيل طلاي


مفارقة غريبة انتهت إليها الاحتجاجات التي اندلع فتيلها في الخامس من الشهر الجاري في الجزائر، قادها أطفال وشباب، وأدّت بالآلاف إلى القضاء ليحاكموا في قضايا الإجرام، وبينهم المئات من القاصرين.


وهؤلاء الذين واجهوا هراوات الأمن والقنابل المسيلة للدموع بالحجارة والزجاجات الحارقة منتفضين ضد غلاء الأسعار وضنك العيش وفقدان الأمل، وينسب اليهم وحدهم الفضل في تحرك الحكومة لمراجعة الأسعار، فيما الأحزاب والمنظمات صامتة ومتفرجة، وجدوا أنفسهم مصنفين «مجرمين» و «لصوصاً»، ليس في نظر السلطة فحسب، بل في أعين فئات من نخبة المجتمع أيضاً... في سيناريو مكرر لأحداث 5 تشرين الأول (أكتوبر) 1988 حينما هبّ الشباب في انتفاضة شعبية قتل فيها المئات، وقيل لهم بعد سنوات طويلة «أنتم لم تثوروا ولم تنتفضوا بل غرر بكم لا أكثر».
«هؤلاء الشباب بحاجة إلى التهذيب والتأديب»، قال وزير الداخلية والجماعات المحلية الجزائري دحو ولد قابلية بنبرة هادئة، وبلغة المربّي الذي يوجه نصائح لأولياء المتظاهرين، معتبراً أنهم «لا يحسنون سوى العنف والتخريب، سواء في الفرح أو في الحزن»، من دون أن يذكر الأسباب التي جعلتهم لا يعرفون بديلاً من تلك اللغة وهم الذين ولدوا في سنوات الدم والدموع.
واللافت أن فئة من المثقفين والأكاديميين والإعلاميين انبروا ليكيلوا اتهامات مماثلة للشباب الغاضب، وتورط بينهم مراهقون، استغلوا الفرصة للتعبير عن سخطهم والانتقام ليأسهم وكبتهم، بالسرقة والتخريب التي لم تنجُ منها الممتلكات العمومية والخاصة في آن.


وبدل البحث عن الأسباب، تحول المحتجون من «ضحايا» يثورون على وضعهم، إلى «مذنبين» يتهمون باللصوصية وانعدام الأخلاق، والإجرام.
فهل هم كذلك فعلاً؟ أم تراهم ضحايا سياسات اقتصادية وظروف اجتماعية دفعت بهم إلى عالم الإجرام رغماً عنهم؟ وهل هم فئة غريبة عن المجتمع الجزائري وجيب فاسد في بيئة صالحة يكفي استئصالهم وإدخالهم السجون لينظف البلد منهم؟


لا شك في أن أحداً لا يمكنه الدفاع عن أعمال الشغب والتخريب، لكن تجريم هؤلاء الشباب ربما لا يكفي وحده لحل المشكلة، خصوصاً أن الجزائر اختبرت نتائج عقوبات من هذا النوع في قانون وضع منذ بضع سنوات يجرم الهجرة غير الشرعية. وكان ذلك خيار شباب في مقتبل العمر والقدرة على الإنتاج، لكنهم عانوا البطالة وبفقدانهم الامل، لم يبقَ لهم ما يخسروه.
والجزائر التي تحوي خزينتها 155 بليون دولار احتياطي صرف، وليس لها مديونية خارجية، وتدرّ لها آبار البترول والغاز عائداً معدله 50 بليون دولار سنوياً، وتملك ثاني احتياطي من الذهب عربياً، ومقومات سياحية غير مستغلة، هي نفسها الجزائر التي يستهلك 45 في المئة من مراهقيها المخدرات، و71 في المئة من الشباب اعترفوا بأنهم يستهلكون الحشيش، بينما استقبلت مراكز العلاج 25 ألف شاب عام 2008، بحسب الديوان الجزائري لمكافحة الإدمان والمخدرات.


يضاف إلى ذلك كله حقائق مفزعة، ليس أقلها أن 18 مليون شاب لا يقدرون على تطليق العزوبية بسبب غلاء المعيشة، بينهم 11 مليون امرأة. تجاوزوا كلهم سن الزواج، بينما يشير مركز «إعلام وتوثيق حقوق الطفل والمرأة» ضمن «التحقيق الجزائري عن صحة الأسرة»، إلى أن 50 في المئة من الشباب الجزائريين عزفوا نهائياً عن الزواج، بسبب مشاكل اجتماعية واقتصادية، و43 في المئة يفكرون في الهجرة بكل الطرق القانونية وغير الشرعية، بينهم 4 في المئة يرون في الهجرة بوابة للزواج بالأجنبية بهدف الاستقرار والعيش الكريم.


أما من يئسوا من تحقيق حلم الهجرة، فيشير بعض الإحصاءات غير الرسمية إلى وجود أكثر من 5 آلاف قضية نزاع في المحاكم لإثبات عقد الزواج، بعدما لجأ أصحابها للزواج العرفي، والزواج المزيف لعدم وفرة السكن، في وقت يعترف مكتب الإحصاء الجزائري بأن 80 في المئة من الأزواج الجدد لا يمكنهم تأمين سكنهم.


وفي حين تتهم السلطة الشباب باعتماد لغة العنف، تتجاهل في المقابل نداءات بضرورة الاستماع إليهم، وتفادي ذلك الانفجار الذي حذّر منه معارضون وأكاديميون مراراً، ليس آخرهم رئيس الودادية الجزائرية للتضامن مع الشباب الذي قال إنه راسل السلطات لأجل الموافقة على عقد لقاء وطني للعاطلين من العمل، محذراً من أن سياسة التهميش والإقصاء في حق الشباب من شأنها أن تؤدي إلى وقوعهم في دائرة العنف، لكن نداءاته قوبلت بالتجاهل التام.


وبينما تعيب السلطات على الشباب عدم التعبير عن متطلباتهم بالاحتجاج السلمي، فإنها لا توفر منابر جادة للنقاش، باستثناء جمعيات يتخصص معظمها في النشاطات الترفيهية، ولا يثق فيها الشباب العاطلون من العمل، وكثير منها ذاب تحت لواء الأحزاب السياسية، الأمر الذي تؤكده نتائج عملية سبر آراء لمعهد «غالوب» الأميركي، أشارت إلى أن 87 في المئة من الشباب الجزائريين لا يثقون في مسؤوليهم، وأن التشاؤم طبع غالب على الشباب، بينما قال 36 في المئة فقط إنهم يثقون في نية السلطات بمنحهم فرصة لتسيير أعمالهم وتحقيق آمالهم، و25 في المئة فقط يرون أن السلطات لا تعرقل تحقيق أحلامهم.


وخلافاً للتصريحات المذكورة لوزير الداخلية، تشير الدراسة إلى أن 77 في المئة من الشباب يشاركون في دورات تكوينية لتطوير قدراتهم والحصول على مناصب عمل لائقة، بينما 35 في المئة قالوا إنهم لا يملكون أصلاً الإمكانات للتدريب وتطوير قدراتهنّ فيما تؤكد الإحصاءات غير الرسمية أن معدلات البطالة تصل إلى 25 في المئة بينما تراهن الحكومة على أنها تقل عن 10 في المئة.
هذه الشواهد وغيرها، تثبت أن العيب ليس في هؤلاء الشباب الذين انتهجوا العنف للتعبير عن حال اليأس والكبت بداخلهم. فماذا تتوقع السلطات ممن يرى نفسه محتقراً في بلده ولا أمل له في العمل أو الحياة الكريمة ويحرم حتى من حقه البسيط في ممارسة تجارة على الرصيف لضمان مصروف جيبه حتى اندفع للانتحار وسط البحر حاملاً شعار «يأكلني الحوت ولا الدود»؟
ومن المفارقات أن الشباب الذين يتهمون اليوم باللصوصية، كانوا بالأمس مفخرة وطنية عندما انتقلوا إلى أم درمان السودانية لنصرة فريقهم الوطني المتأهل لمونديال كرة القدم. يومها لم تفرق السلطات بين الصالح والطالح، بين اللص و «ابن العائلة».


والمريب أكثر أن بعض الأصوات تعالت تنفي وجود أناس يجوعون في الجزائر، وقال آخرون إن هؤلاء الذين خرجوا إلى الشوارع لا يفقهون شيئاً في أمور «القفة»، وليسوا هم من يشترون الزيت والسكر، متناسين أن بين المتظاهرين من يعيل أسرة كاملة من دخل «التراباندو» أو التجارة غير الشرعية، وبينهم جامعيون عاطلون يضمنون قوتهم من بيع الفول السوداني والسجائر، بل وأطفال يبيعون الخبز التقليدي (الكسرة والمطلوع) على رصيف الشوارع الضيقة، وأحياناً على حافة الطرقات السريعة، يصارعون خطر الموت.
هؤلاء الشباب الذين تراوح أعمارهم بين 16 و30 سنةً هم في النهاية أبناء أسر تعاني الحرمان و «الميزيرية» على ما يقول الجزائريون، وحينما يصعب عليهم الحصول على وظيفة، أو تطردهم الشرطة من الرصيف مصدر رزقهم الوحيد، لا يجدون متنفساً إلا المخدرات والسرقة. وفي مقابل «حوار الطرشان» الذي تنتهجه السلطات، لا يتوانى هؤلاء عن اغتنام أول فرصة للانفجار والانتقام من دولة لا تبالي بهم، ومجتمع همشهم.

 


The views and opinions of authors expressed herein do not necessarily state or reflect those of the Arab Network for the Study of Democracy
 
Readers Comments (0)
Add your comment

Enter the security code below*

 Can't read this? Try Another.
 
Inside:
Why Algeria will not go Egypt's way
When revolutionary euphoria subsides: Lessons from Ukraine
A letter from the Cedar Revolution to the Nile Revolution
Mubarak, save Egypt and leave
Barack Obama sees Egypt, but remembers Indonesia
Just changing generals is not freedom
Egypt’s Youth are Responsible for Defending their Revolution from Those who Would Climb upon It
Can Lebanon kill its own tribunal?
Egypt's future in Egyptian hands
Social media are connecting Arab youths and politicians
The Mediterranean between sunny skies and clouds of pessimism
For the West, act of contrition time
Why Arabs have airbrushed Lebanon out
The Tunisian experience is likely to mean evolution in Morocco
Can Egypt's military become platform for political change?
Lost generations haunt Arab rulers
Democracy: not just for Americans
For better or worse, Arab history is on the move
The Middle East's freedom train has just left the station
Mubarak's only option is to go
Ben Ali's ouster was the start, and Mubarak will follow
Is this a Gdansk moment for the Arabs?
Tunisia may be a democratic beacon, but Islamists will profit
The Arabs' future is young and restless
Egypt's battle requires focus
Arab rulers' only option is reform
Exhilarating Arab revolts, but what comes afterward?
Hezbollah enters uncharted territory
Resisting change fans the flames
To participate or not to participate?
choice decisive for Lebanon
Lebanon typifies Arab political poverty
Between Tunisia’s Uprising and Lebanon’s Tribunal
Lebanon, Between Partnership and Unilateralism
What might Hezbollah face once the trial begins?
In Lebanon, echoes of the Iraq crisis
Is Hezbollah's eye mainly on Syria?
Egypt's Copt crisis is one of democracy
The thrill and consequences of Tunisia for the Arab region
Three Arab models are worth watching
Tunisia riots offer warning to Arab governments
Tunisia has a lesson to teach
Time for Lebanese to re-think stances
Amid stalemate, let negotiations begin!
North Africa at a tipping point
The Options Available When Faced with the Failure of Arab Governments
Latifa and Others
Troubling trends in this Arab new year
The past Lebanese decade
Beyond the STL
Yet another Arab president for life
An independent Egyptian Web site gives women a voice
Fight the roots of extremism
Fractures prevail as Arabs cap 2010
Truth about injustice will help reduce Muslim radicalization
Christian flight would spell the end for the Arab world
Defining success in the Lebanon tribunal
60% of the Lebanese and 40% of Shiites Support the Choice of Justice
Without remedy, Lebanon faces abyss
The Saudi succession will affect a broad circle of countries
The Arab world faces a silent feminist revolution
The canard of regime change in Syria
Egypt faces a legitimacy crisis following flawed elections
Lebanon: Reform starts with politicians
Human Rights: Three priorities for Lebanon
What's changed?
Monitoring in the dark
Myths about America
Lessons from the fringes
On campus, not all get to vote
'Your credit is due to expire'!
Blood for democracy
Lebanon can solve its own problems
The Janus-like nature of Arab elections
Social Structural Limitations for Democratization in the Arab World
Jordan’s Public Forums Initiative
Islamic Historic Roots of the Term
Copyright 2025 . All rights reserved