MON 12 - 5 - 2025
 
Date: Jan 17, 2011
 
نظرية المؤامرة والهرب من المسؤولية

الإثنين, 17 يناير 2011
أكرم البني *


هل يشفع لنا القول إن تفجير الإسكندرية صنعته أصابع أجنبية، وإن ما تشهده الجزائر وتونس من اضطرابات هو بسبب مؤامرة خارجية مدبرة؟!
يبدو أنها عادة متأصلة في ثقافتنا، أن ترتفع الأصوات، مع كل أزمة أو مصيبة تحل بنا، لتقرن ما يحصل بمؤامرة مدبرة من فعل الصهيونية أو أطراف خارجية معادية تترصد مجتمعاتنا وتحاول النيل منها، وعليه فإن ما نعانيه من تخلف وفشل لمشاريع التنمية سببه المؤامرة، وهذا الحضور البغيض للفساد والفقر سببه المؤامرة، ولا نذهب بعيداً فربما يرى البعض مؤامرة إذا ما انتشرت في مجتمعاتنا انفلونزا الطيور أو الخنازير!


والحال أن انعدام الشفافية وانغلاق حياتنا السياسية لعقود أمام الديموقراطية، وقوة موروثنا الثقافي والتربوي الذي يرفض عادة النقد والاعتراف بالخطأ ويستسهل تعليق أسباب العجز والتقصير على الغير، ثم دور بعض التوظيفات الدينية في تسويغ عقلية التهرب من المسؤولية، بأن كل شيء قضاء وقدر لا راد له، وأننا أناس مسيرون لا مخيرون، وإذا أضفنا ما يتطلبه تفسير الظواهر تفسيراً علمياً من جهد ومكابدة لتشغيل القدرة العقلية على التحليل والتركيب، وهذا أمر لا يحبذه الناس ما دامت فكرة المؤامرة تفسر لهم كل شيء بسهولة ويسر، يمكننا أن نقف عند أهم العوامل التي مكنت النخب الأيديولوجية والسياسية، إن في السلطة أو خارجها، من الترويج لنظرية المؤامرة وتوظيفها للتهرب من المسؤولية وتبرير عجزها عن تحقيق ما وعدت جماهيرها به من حرية وحياة كريمة وتالياً لتسويغ آليات الاضطهاد وإشغال مجتمعاتها بالأخطار الخارجية عن الاهتمام بالأسباب الحقيقية لاستمرار القهر والفقر والتخلف.


وبالتالي لا يعقل، حتى لو ثبت أن الجاني غريب عن أرض مصر، أن نكتفي بالقول إن تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية هو فعل خارجي، ونتناسى طابع المشكلات التي تتفاعل وتتفاقم منذ عقود بين الأقباط والمسلمين، بدءاً بما يشهده الإعلام من مشاحنات بين رجال دين متطرفين من الجانبين يلجأون إلى أساليب متخلفة وخطيرة في آن، تفاضل بين الأديان وتشحن طائفياً نفوساً ضعيفة يطوقها العوز والحرمان، مروراً بالدور الذي لعبته الحكومات المصرية المتعاقبة ذاتها عندما لجأت إلى الاستقواء بالتيارات الدينية وتأجيج النزاعات الطائفية من أجل تسهيل شروط السيطرة، إنتهاءً بحالة التمييز القائمة عملياً بين الأقباط والمسلمين وغياب المساواة وروح المواطنة في ظل قوانين وبنود في الدستور لا تزال تفرق بينهم مثلاً في تحمل المسؤوليات السياسية وفي ممارسة الشعائر الدينية وبناء دور العبادة.


وأيضاً لا يعقل إرجاع ما يحدث من اضطرابات في الجزائر أو تونس إلى مؤامرة مدبرة من الخارج، ونشيح بنظرنا عن الفساد وسوء توزيع الثروة الوطنية والحالة المذرية على الصعيدين الاقتصادي والمعيشي التي وصلت إليها شرائح واسعة من أبناء الشعبين، وقس على ذلك اندفاع البعض لقراءة الاستفتاء الجاري في السودان على أنه مؤامرة أيضاً، وكأن سياسة الاضطهاد والتمييز التي مارستها حكومات الخرطوم ليست هي المسؤولة عما صارت إليه العلاقة بين شعبي الجنوب والشمال، وكأن إضاعة الفرص التي منحت لتصويب هذه العلاقة وتنمية المنافع المتبادلة وأهلية التعايش المشترك صارت خارج الحسابات!


صحيح أن ثمة مخططاً قديماً وأغراضاً مكشوفة لقوى الهيمنة الخارجية للنيل من حقوقنا وطموحات شعوبنا، وربما صحيح ما تعلمناه في الكتب المدرسية عن وجود مؤامرات أجنبية تهدف إلى افتعال حروب أهلية وإثارة صراعات تطبيقاً لمبدأ فرق تسد لإبقاء الكيان الصهيوني متفوقاً ولإفشال الدول العربية ومنعها من أن تصبح دولاً مؤثرة سياسياً أو متطورة اقتصادياً أو متقدمة تكنولوجياً، لكن الصحيح أيضاً أن السياسة ليست حقلاً لقوى شريرة خفية تتحكم بمجرياتها وبأحداث العالم كما تشاء، وأن تضخيم فكرة المؤامرة ورد كل النكبات إليها، وإهمال دور التنمية الديموقراطية في تقوية الذات وتحصين المجتمعات، هي مؤامرة في حد ذاتها ولكنها في هذه الحالة مؤامرة ضد أنفسنا!


وبعبارة أخرى لا يمكن مؤامرة خارجية أن تنجح إذا لم تتوافر لها شروط داخلية تسهل لها الأمر، إن على مستوى غياب الحريات وتهميش دور الناس في مجتمعاتها، أو على مستوى انتشار الفساد والمحسوبية، أو على مستوى تغذية الانقسامات الطائفية والإثنية، أو على مستوى سوء الأحوال المعيشية وإضعاف الاقتصادات الوطنية، فالكرة ليست في ملعب التآمر الخارجي إن وجد بل في ملعبنا لأننا قصرنا في بناء مجتمعات صحية قادرة على مواجهة أغراضه وإفشال مخططاته.


طبعاً لا نأتي بجديد في القول إن ثمة أعداء في الخارج قد يتآمرون على مجتمعاتنا، وإن نظرية المؤامرة هي أشبه بحالة مرضية تصيب الفكر السياسي لأنظمة غير ديموقراطية لا تريد أن تتحمل المسؤولية عن أفعالها، وتتوهم بأن ليس من أخطاء ارتكبتها هيأت المناخات لحصول ما يحصل من اضطرابات، لكن الجديد هو هذا التوظيف السياسي الواسع لفكرة المؤامرة والتهويل بدورها لتشويه الحقائق وتضليل الناس، والجديد أيضاً هو سؤال طالما يشغل البال، هل هو قدر مجتمعاتنا أن تكون لعبة بأصابع أجنبية تصنع فيها ما تشاء وقت تشاء؟! ولماذا لا يزال الآخرون ينجحون في مؤامراتهم علينا ولم ننجح حتى الآن في إنهاء هذا التآمر ونحن نعرفه منذ سنين طويلة ونعرف قواه وأهدافه؟!


علينا ألا نجنح نحو التخفيف من نتائج وآثار ما نقوم به في عالم صارت شؤونه السياسية تحت أضواء كاشفة ولم يعد بالإمكان أن تدار أو تصنع في ايونات القصور والغرف المغلقة، وإن كان ثمة مسؤولية موضوعية دائمة تقع على عاتق الغير الخارجي، لكن وجه المسؤولية الرئيس يقع بلا شك على عاتق قوانا الذاتية، على درجة وعينا حقيقةَ الشروط القائمة بما في ذلك نوايا الخارج ومخططاته وتالياً على وضوح سياساتنا وبرامجنا وعلى قدرتنا على تجميع القوى وتفعيلها على قاعدة الحرية والمساواة. فالمجتمعات الحية عادة ما تواجه التحديات الخارجية بالانكفاء نحو الداخل لحل مشكلاته وتعزيز مناعته وأسباب القوة التي تمكنه من النمو والتطور ومقاومة ما يحاك ضده بكفاءة وفاعلية. وبكلمة أخيرة ينبغي ألا نلوم الآخرين على أنهم يخططون لتحقيق أهدافهم وحماية مصالحهم التي قد تضر بنا، بل علينا أن نلوم أنفسنا لأننا لا نخطط كفاية لحماية مصالحنا ولا نعمل ما يفترض أن نعمله لبناء مجتمعات للمواطنة خالية من التمييز والعوز، وحرام أن «نعيب زماننا والعيب فينا»!

* كاتب سوري


The views and opinions of authors expressed herein do not necessarily state or reflect those of the Arab Network for the Study of Democracy
 
Readers Comments (0)
Add your comment

Enter the security code below*

 Can't read this? Try Another.
 
Inside:
Why Algeria will not go Egypt's way
When revolutionary euphoria subsides: Lessons from Ukraine
A letter from the Cedar Revolution to the Nile Revolution
Mubarak, save Egypt and leave
Barack Obama sees Egypt, but remembers Indonesia
Just changing generals is not freedom
Egypt’s Youth are Responsible for Defending their Revolution from Those who Would Climb upon It
Can Lebanon kill its own tribunal?
Egypt's future in Egyptian hands
Social media are connecting Arab youths and politicians
The Mediterranean between sunny skies and clouds of pessimism
For the West, act of contrition time
Why Arabs have airbrushed Lebanon out
The Tunisian experience is likely to mean evolution in Morocco
Can Egypt's military become platform for political change?
Lost generations haunt Arab rulers
Democracy: not just for Americans
For better or worse, Arab history is on the move
The Middle East's freedom train has just left the station
Mubarak's only option is to go
Ben Ali's ouster was the start, and Mubarak will follow
Is this a Gdansk moment for the Arabs?
Tunisia may be a democratic beacon, but Islamists will profit
The Arabs' future is young and restless
Egypt's battle requires focus
Arab rulers' only option is reform
Exhilarating Arab revolts, but what comes afterward?
Hezbollah enters uncharted territory
Resisting change fans the flames
To participate or not to participate?
choice decisive for Lebanon
Lebanon typifies Arab political poverty
Between Tunisia’s Uprising and Lebanon’s Tribunal
Lebanon, Between Partnership and Unilateralism
What might Hezbollah face once the trial begins?
In Lebanon, echoes of the Iraq crisis
Is Hezbollah's eye mainly on Syria?
Egypt's Copt crisis is one of democracy
The thrill and consequences of Tunisia for the Arab region
Three Arab models are worth watching
Tunisia riots offer warning to Arab governments
Tunisia has a lesson to teach
Time for Lebanese to re-think stances
Amid stalemate, let negotiations begin!
North Africa at a tipping point
The Options Available When Faced with the Failure of Arab Governments
Latifa and Others
Troubling trends in this Arab new year
The past Lebanese decade
Beyond the STL
Yet another Arab president for life
An independent Egyptian Web site gives women a voice
Fight the roots of extremism
Fractures prevail as Arabs cap 2010
Truth about injustice will help reduce Muslim radicalization
Christian flight would spell the end for the Arab world
Defining success in the Lebanon tribunal
60% of the Lebanese and 40% of Shiites Support the Choice of Justice
Without remedy, Lebanon faces abyss
The Saudi succession will affect a broad circle of countries
The Arab world faces a silent feminist revolution
The canard of regime change in Syria
Egypt faces a legitimacy crisis following flawed elections
Lebanon: Reform starts with politicians
Human Rights: Three priorities for Lebanon
What's changed?
Monitoring in the dark
Myths about America
Lessons from the fringes
On campus, not all get to vote
'Your credit is due to expire'!
Blood for democracy
Lebanon can solve its own problems
The Janus-like nature of Arab elections
Social Structural Limitations for Democratization in the Arab World
Jordan’s Public Forums Initiative
Islamic Historic Roots of the Term
Copyright 2025 . All rights reserved