طهران – محمد صالح صدقيان - الناصرة – أسعد تلحمي نيويورك، بروكسيل – «الحياة»، أ ب، رويترز، أ ف ب – اتخذ الاتفاق الذي أبرمته إيران والدول الست المعنية بملفها النووي، طابعاً دولياً أمس، بعد مصادقة مجلس الأمن بالإجماع عليه، ما يمهد لتطبيقه خلال الأشهر المقبلة وطيّ ملفٍّ عَزَلَ طهران عن المجتمع الدولي لأكثر من عقد.
أما في طهران، فبقي السجال صاخباً، إذ تحدث «الحرس الثوري» عن بنود «تجاوزت الخطوط الحمر»، وأعلن رفضه «تقييد القدرات التسليحية» لبلاده. ونقلت وكالة «تسنيم» الايرانية للأنباء عن محمد علي جعفري قائد «الحرس» قوله قبل وقت قصير من صدور قرار مجلس الأمن «بعض أجزاء المسودة تجاوز بوضوح الخطوط الحمر للجمهورية الإسلامية خاصة ما يتعلق بقدرات إيران العسكرية.» واضاف «لن نقبله أبدا.»
وكتب حسين شريعتمداري رئيس تحرير صحيفة «كيهان» المرتبطة بشدة بالمرشد الايراني علي خامنئي: «حتى بمجرد النظر إلى الاتفاق يمكنك أن ترى أن بعض الخطوط الحمراء الأساسية للجمهورية الإسلامية لم يتم الحفاظ عليها.» لكنه اضاف «قالت إيران على الدوام إن قرارات مجلس الأمن الدولي غير قانونية لكن بقبول القرار الجديد فنحن نقرها جميعا.»
في المقابل، اعتبر عباس عراقجي، نائب وزير الخارجية الإيراني، أن قرار المجلس يشكّل «إنجازاً يُعتبر سابقة في تاريخ إيران».
وبعد تصويت مجلس الأمن على القرار الرقم 2231 الذي يمهّد لإلغاء العقوبات الدولية المفروضة على إيران، قالت المندوبة الأميركية سامانثا باور، إن رفع العقوبات «سيبدأ فقط عندما يتم التحقق من أن إيران نفذت الخطوات الأولى الضرورية لتجعل برنامجها النووي في سكة الاتفاق»، منبّهة إلى أنه في حال عدم التقيد بالاتفاق «تمكن إعادة العمل بكل نظام العقوبات». ورأت أن الاتفاق سيجعل العالم «أكثر أمناً وأماناً»، معتبرة أنه لم يكن ليُنجَز لو لم تُفرض العقوبات على طهران. واستدركت أنه «لن يغيّر قلقنا القوي حيال انتهاكات الحكومة الإيرانية لحقوق الإنسان، أو تزكيتها عدم الاستقرار، من خلال دعمها الإرهاب بالوكالة وتهديداتها المتكررة لإسرائيل ونشاطاتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة». وأضافت أن الولايات المتحدة «ستواصل الاستثمار في أمن حلفائها بالمنطقة، وسنُبقي عقوباتنا المرتبطة بدعم إيران الإرهاب وبرنامجها الصاروخي».
في السياق ذاته، اعتبر الرئيس الأميركي باراك أوباما أن قرار مجلس الأمن يوجّه «رسالة واضحة مفادها أن عدداً كبيراً جداً من الدول» يرى أن الديبلوماسية «هي أفضل مقاربة للتأكد من أن إيران لن تتمكن من امتلاك سلاح ذري».
وقبل وقت وجيز من تبنّي مجلس الأمن الاتفاق، أعلن جعفري رفضه «أي قرار يصادق عليه المجلس يفرض قيوداً على القدرات التسليحية لإيران». وأضاف أن «بعض فقرات المسودة تجاوزت بوضوح الخطوط الحمر لإيران، خصوصاً ما يتعلق بقدراتها العسكرية. لن نقبل ذلك أبداً، وأي قرار يتعارض مع هذه الخطوط، لا قيمة له إطلاقاً».
لكن عراقجي لفت إلى أن القرار سيلغي العقوبات المفروضة على طهران، و «يؤكد حقها في تخصيب اليورانيوم، وهذا أمر يُعتبر سابقة في تاريخ إيران». وأضاف أنه «يطلب من إيران ألا تزاول نشاطات صاروخية مصممة لحمل رؤوس نووية، علماً أن لا برنامج لدينا في هذا المجال». وتابع: «هذا الموضوع لا يندرج تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهو مجرد طلب وليس ملزماً قانوناً». وأقرّ بـ «قيود ستُلغى في مواعيد زمنية محددة، تشمل سلعاً ذات استخدام مزدوج في الصناعة العسكرية والنووية، وكذلك الأسلحة ونشاطات صاروخية معينة».
وأعلنت الخارجية الإيرانية أن طهران «ملزمة تطبيق التزاماتها» في إطار الاتفاق، مستدركة أن «لقدراتها العسكرية، خصوصاً الصواريخ الباليستية، هدفاً وحيداً دفاعياً، وبما أن هذه التجهيزات لم تُعَدّ لنقل أسلحة نووية، فهي خارج اختصاص قرار مجلس الأمن».
مصادر متابعة للمفاوضات النووية في طهران أبلغت «الحياة» أن جعفري أراد أن يسجّل تحفظاً على قرار مجلس الأمن في ما يتعلّق بإنتاج الصواريخ الباليستية وإنتاجها، وذلك لـ «إبقاء المفاتيح في يد الحرس الثوري لمواجهة أي تطورات قد يشهدها تنفيذ الاتفاق خلال الأشهر المقبلة».
في غضون ذلك، سعى وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر خلال زيارته الأولى إلى إسرائيل، إلى طمأنة الدولة العبرية من تبعات الاتفاق مع إيران، إذ أكد أنه «لا يحول دون إبقاء الخيار العسكري» الأميركي على الطاولة. واستدرك: «لن أسعى إلى تغيير رأي أحد في إسرائيل. ليس هذا هدف زيارتي».
مجلس الأمن يصادق على الاتفاق النووي وطهران تسخر من «وسواس» الحل العسكري
صادق مجلس الأمن بالإجماع أمس، على اتفاق أبرمته إيران والدول الست المعنية بملفها النووي، فيما انتقدت طهران واشنطن وتل أبيب لمواصلتهما التلويح بشنّ هجوم عسكري على منشآتها الذرية.
وصوّت مندوبو الدول الـ15 الأعضاء في المجلس، برفع الأيدي. وقال المندوب النيوزيلندي جيرارد فان بوهيمن الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية للمجلس، بعد التصويت: «اعتُمِد مشروع القرار بالإجماع». وينص القرار على وقف العمل تدريجاً بسبعة قرارات أصدرها المجلس منذ العام 2006، تتضمن عقوبات على إيران، شرط التزامها الاتفاق.
وقالت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة سامنتا باور إن «الاتفاق لا يبدد كل قلقنا، لكنه في حال طُبِّق سيجعل العالم أكثر أمناً»، ودعت طهران إلى «اقتناص الفرصة»، متعهدة أن تساعدها الولايات المتحدة، في حال فعلت بذلك، على «الخروج من عزلتها».
وقبل ساعات من إقرار مجلس الأمن الاتفاق النووي، قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف: «في وقت وصف العالم الاتفاق بأنه نصر للديبلوماسية على الحرب والقوة، مؤسف انه ما زال هناك من يتحدث عن الاستخدام اللامشروع للقوة، لتحقيق أغراضه الباطلة، ويصرّ في شكل عبثي على الاحتفاظ بخيار غير فاعل سلفاً». وأضاف: «يبدو أن هؤلاء لا يدركون أن استخدام القوة للاعتداء على حقوق الآخرين، ليس خياراً، بل وسواس خطر وغير حكيم يثيره عادة الذين يفتقرون إلى القدرات والطاقات المناسبة لإدارة الديبلوماسية وتقويتها وترسيخها».
وكان ظريف يعلق على تأكيد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أن الخيار العسكري يبقى مطروحاً على الطاولة لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، وقول وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر إن «أحد الأسباب التي تجعل الاتفاق (النووي) جيداً، هو انه لا يحول بتاتاً دون إبقاء الخيار العسكري» الأميركي على الطاولة، إذا سعت طهران إلى امتلاك «قنبلة». وأضاف: «هذا خيار نبقي عليه ونحسّنه باستمرار».
إيران - ألمانيا
في غضون ذلك، رفضت إيران ربط تحسين علاقاتها مع ألمانيا، بامتناعها عن «تهديد أمن إسرائيل». ورأس وزير النفط الإيراني بيجن نمدار زنكنه ووزير الاقتصاد الألماني سيغمار غابريال في طهران أمس، «ملتقى التعاون الاقتصادي بين إيران وألمانيا».
وبات الوزير الألماني الذي يرافقه وفد يمثّل شركات ألمانية، أول مسؤول أوروبي بارز يزور إيران بعد إبرامها الاتفاق النووي مع الدول الست، علماً أن برلين كانت لعقود أبرز شريك تجاري لطهران. وأعلن زنكنه أن «أعمال الدورة الخامسة للجنة المشتركة بين إيران وألمانيا ستبدأ نهاية الصيف أو مطلع الخريف»، فيما ذكر غابريل أن اجتماعاً وزارياً للجنة الاقتصادية الألمانية -الإيرانية سيُعقد في طهران مطلع العام المقبل.
وقال غابريال، وهو نائب للمستشارة الألمانية أنغيلا مركل، في حضور زنكنه: «يجب أن تدركوا انه بالنسبة إلينا نحن الألمان، أمن إسرائيل يرتدي أهمية كبرى. أدرك مدى صعوبة النقاش ونحن في ألمانيا نعتقد أيضاً بأن للفلسطينيين الحق في إقامة دولتهم. علاقات جيدة مع ألمانيا تعني وجوب الامتناع عن تهديد امن إسرائيل». وكان غابرييل أبلغ صحيفة «بيلد» الألمانية انه سيعرض خلال زيارته أن تكون ألمانيا «وسيطاً» بين إيران وإسرائيل.
وعلّقت الناطقة باسم الخارجية الإيرانية مرضية أفخم: «مواقفنا مختلفة تماماً مع ألمانيا حول المسائل الإقليمية، وخلال السنوات الـ35 الماضية، عبّرنا مرات عن مواقفنا في شكل واضح جداً». واستدركت أن طهران وبرلين «تحرصان على توسيع تعاونهما في مختلف المجالات، بما فيها السياسية والاقتصادية». على صعيد آخر، قُتل 28 شخصاً وجُرح وفُقد آخرون، بسبب سيول وفيضانات وانهيار صخور جبلية في طهــران وأماكن أخرى، بعد تعرّضها لعاصــفة ترابية أدت إلى قطع أشجار والتيار الكهربائي في مناطق. |