تشتبه السلطات التركية في وقوف تنظيم "الدولة الاسلامية" (داعش) وراء التفجير الانتحاري الذي استهدف مركزاً ثقافياً في مدينة سوروج التركية الحدودية المقابلة لمدينة عين العرب (كوباني) السورية ذات الغالبية الكردية والذي أوقع 31 قتيلاً ونحو مئة جريح. ويمكن ان يشكل التفجير توسيعاً لهجمات التنظيم الجهادي وقت تتصاعد اجراءات الحكومة التركية ضده.
وتعهد المسؤولون الاتراك توجيه ضربة الى المسؤولين عن الهجوم الذي استهدف ناشطين سياسيين كانوا يجتمعون في المركز لمساعدة مدينة كوباني. وقال رئيس الوزراء التركي احمد داود اوغلو: "إننا نواجه حادثاً ارهابياً... لدينا قوة الارادة للعثور على المرتكبين ومعاقبتهم". وفيما لم تتبن أي جهة الهجوم، قال مسؤول حكومي بارز لوكالة "الاسوشيتد برس" إن تركيا تشتبه في ان "داعش" تقف وراء التفجير رداً على الاجراءات التركية ضد التنظيم المتطرف. وصرح الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، الذي كان يزور "جمهورية شمال قبرص التركية" المعلنة من جانب واحد والتي لا تعترف بها سوى انقرة وقت الانفجار: "انني شخصياً وباسم امتي اندد وألعن مرتكبي هذه الوحشية".
وروى شهود عيان ان الانفجار الذي دوى منتصف النهار استهدف اتحاد الشبيبة الاشتراكي الذي كان ينهي مؤتمراً صحافياً عن خطط مزمعة للمساعدة في اعادة بناء كوباني. وقالت عضو الاتحاد فاطمة ايدمين إن 200 شخص كانوا متجمعين للضغط من اجل تقديم مساعدة اكبر الى كوباني. واضافت ان المجتمعين كانوا يهتفون "تحيا المقاومة في كوباني" عندما دوى الانفجار. ونددت الولايات المتحدة بالتفجير. وصرح الناطق باسم البيت الابيض جوش ارنست: "إننا نعرب عن تضامننا مع الحكومة والشعب في تركيا ونؤكد عزمنا الذي لا يلين على قتال التهديد الارهابي". وفي موازاة انفجار سوروج، سجل انفجار في كوباني اسفر عن مقتل ثلاثة مسؤولين اكراد.
التفاصيل
سقط 30 قتيلاً على الاقل ونحو مئة جريح أمس في مدينة سوروج التركية القريبة من الحدود السورية، في هجوم انتحاري رجحت السلطات التركية ان يكون وراءه تنظيم "الدولة الاسلامية" (داعش). وفي حال تأكد مسؤولية التنظيم الجهادي، فسيكون الهجوم الاول يقع على الاراضي التركية منذ ظهور "داعش" الذي يحتل منذ أكثر من سنة اجزاء واسعة من الاراضي العراقية والسورية وخصوصاً قرب تركيا.
دوى الانفجار الضخم قرابة الساعة 12:00 بالتوقيت المحلي في حديقة مركز ثقافي في سوروج بجنوب البلاد على مسافة نحو عشرة كيلومترات من مدينة عين العرب السورية (كوباني) التي طرد منها جهاديو "الدولة الاسلامية" في كانون الثاني بعد أربعة أشهر من المعارك الطاحنة في مواجهة "وحدات حماية الشعب" الكردية في سوريا.
وقالت وزارة الداخلية التركية في بيان "ان هجوما ارهابياً وقع في مدينة سوروج في محافظة سائلي أورفة"، واشارت الى سقوط 27 قتيلا ونحو مئة جريح نقلوا الى المستشفيات، موضحة ان الحصيلة موقتة. وبعيد ذلك أكد مسؤول من مكتب رئيس الوزراء التركي أحمد داود اوغلو سقوط 30 قتيلاً، قائلاً "ان التفجير ناجم عن هجوم انتحاري"، وان لدى السلطات التركية "أسباباً قوية" للاعتقاد ان "داعش" وراء هذا الهجوم.
وحصل اعتداء سوروج وقت تستعد منظمات تركية قريبة من اليسار الى ابداء رغبتها في عبور الحدود للتوجه الى كوباني. وهذه المجموعة تقيم في المركز الثقافي في سوروج الذي استهدفه الاعتداء.
وصرح الرئيس التركي رجب طيب اردوغان خلال زيارة للشطر الشمالي من قبرص الذي تحتله تركيا منذ عام 1974: "نحن في حداد بسبب عمل ارهابي اوقع 28 قتيلا والكثير من الجرحى. أنا اندد وألعن باسم شعبي، مرتكبي هذه الوحشية". واضاف: "يجب ادانة الارهاب بصرف النظر عن مصدره"، داعيا الى حملة دولية لمكافحة الارهاب.
وبعيد هذا التفجير الاول في مدينة سوروج التركية، اعلن "المرصد السوري لحقوق الانسان" الذي يتخذ لندن مقراً له ان هجوما آخر بسيارة مفخخة استهدف حاجزاً امنيا لمقاتلين اكراد في جنوب مدينة كوباني السورية في الجانب الآخر من الحدود.
وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن: "فجر انتحاري نفسه بسيارة مفخخة على حاجز لوحدات حماية الشعب (الكردية) في جنوب كوباني"، مما ادى الى مقتل عنصرين من الوحدات. وعلق المسؤول التركي بأن هذا الهجوم المتزامن تقريبا في الجهة السورية "يعزز شبهاتنا" في "داعش".
ويأتي الهجوم الانتحاري بعد بضعة اسابيع من تعزيز السلطات التركية تدابيرها العسكرية على الحدود مع سوريا غداة الانتصار الذي حققه المقاتلون الاكراد السوريون في مواجهة الجهاديين في المعركة للسيطرة على مدينة سورية حدودية اخرى هي تل ابيض.
ويرى المحللون ان قرار الحكومة التركية الاسلامية المحافظة يهدف في آن واحد الى التصدي لـ"داعش" ووقف تقدم القوات الكردية المقربة من "حزب العمال الكردستاني" الذي يخوض تمرداً مسلحاً منذ 1984 ضد انقرة، في شمال سوريا.
وتأخذ الدول الغربية بانتظام على حكومة انقرة تغاضيها عن التنظيمات المتطرفة التي تحارب نظام الرئيس السوري بشار الاسد، ومنها "داعش" او حتى تعاطفها معها. ونفت تركيا دوما هذه الاتهامات، إلا انها رفضت حتى الآن المشاركة في الائتلاف العسكري لمحاربة التنظيم الجهادي بقيادة الولايات المتحدة. ولكن تحت ضغط سيل الانتقادات من حلفائها، شددت قبل سنة جدياً تدابير المراقبة في المطارات وعلى الحدود لمنع عبور مجندين أجانب لـ"الدولة الاسلامية" اراضيها في طريقهم الى سوريا. كما قامت في الاسابيع الاخيرة بعمليات عدة وسط تغطية اعلامية لتفكيك شبكات الجهاديين الذين يمرون عبر اراضيها.
وتستضيف سوروج آلاف اللاجئين الاكراد السوريين الذين غادروا منطقة كوباني خلال الهجوم الذي شنه "داعش" في أيلول من العام الماضي. وتسبب ذلك الهجوم والمعارك العنيفة التي تلته طوال أربعة أشهر بنزوح نحو مئتي الف شخص الى تركيا المجاورة. وبحسب السلطات التركية المحلية فإن نحو 35 الف سوري فقط عادوا الى بلادهم منذ انتهاء المعركة.
واواخر حزيران، شن "داعش" هجوما مفاجئا على كوباني مسجلاً بذلك عودته الى داخل المدينة من خلال ثلاثة اعتداءات انتحارية. وأدت المعارك التي تلت ذلك الى مقتل اكثر من 120 مدنيا. وبعد بضعة أيام استعادت "وحدات حماية الشعب" الكردية السيطرة الكاملة على المدينة.
مقتل جندي تركي من جهة اخرى، قال الجيش التركي ان جندياً تركياً قتل واصيب اثنان آخران في اشتباك مع مقاتلي "حزب العمال الكردستاني" في محافظة أديامان بجنوب شرق البلاد. ويشكل هذا ضربة جديدة لعملية السلام الهشة بين الجانبين. وبدأت محادثات السلام في تركيا عام 2012 سعياً الى انهاء الصراع المستمر منذ ثلاثة عقود والذي قتل فيه أكثر من 40 الف شخص. لكن المحادثات تعثرت في الاشهر الاخيرة وظلت مرتكزة على ارضية هشة.
|