TUE 13 - 5 - 2025
 
Date: Jan 14, 2011
 
المعارضة اللبنانية تطوّق نفسها دولياً

الجمعة, 14 يناير 2011
نيويورك - راغدة درغام


لعل المعارضة اللبنانية التي يقودها «حزب الله» ارتكبت خطأً استراتيجياً كبيراً عندما قررت التصعيد ضد رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري وإسقاط حكومته عقاباً له على عدم الخضوع لمطالبتها برفض القرار الظني المتوقع صدوره قريباً جداً عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. فهي أسقطت الحكومة في سعيها لإسقاط المحكمة، لكن ما فعلته أدّى الى تطويقها دولياً بصيانة قاطعة للمحكمة. تعمدت المعارضة إسقاط حكومة الحريري لتوجيه صفعة اليه والى الرئيس الأميركي باراك أوباما معاً، إذ أتى التوقيت قبيل اجتماعهما في البيت الأبيض الأربعاء الماضي، فأدى ذلك الى استياء أوباما وإيقاظه الى ضرورة التعمق في إفرازات سياساته التهادنية مع كل من سورية وإيران وانعكاساتها على لبنان. أتى التوقيت وكأنه إضافة الإهانة الى الجرح، لأن إدارة أوباما كانت في صدد إرسال سفيرها روبرت فورد الى دمشق، عندما ردَّت دمشق بإحراج أوباما، إلا ان فورد يتوجه الآن الى دمشق مُحمّلاً بمطالب صارمة ينقلها السفير الجديد من رئيسه الى الرئيس بشار الأسد. وابرز عناوين هذه المطالب يشمل أولاً التمسك بالمحكمة الدولية وضرورة الكف عن محاولات إلغائها أو رفض قراراتها، وثانياً، ضرورة توقف سورية عن تهريب الأسلحة الى «حزب الله» بانتهاك للقرارات الدولية، وأيضاً مسألة التعاون النووي بين سورية وإيران وكوريا الشمالية. وأخيراً، ربما من بين إفرازات الأخطاء الاستراتيجية إسقاط سورية و «حزب الله» تفاهماً كان أعرب فيه سعد الحريري عن استعداده لإجراءات تبعد حكومته عن تنفيذ القرار الظني، الذي تقول أوساط «حزب الله» انه سيوجه اتهام ارتكاب جريمة اغتيال الحريري الى عناصر في الحزب.


والآن، وبعدما انتقلت الجهود الديبلوماسية من الخانة السعودية – السورية الى الخانة السعودية – الفرنسية – الأميركية، ربما بمشاركة من مصر أو دول أخرى نافذة، أصبح ضرورياً لكل المعنيين التفكير في خلفيات وأسباب القرارات الخاطئة، لأن الخطأ الاستراتيجي تم ارتكابه عمداً لأسباب أخرى فائقة الأهمية والأولوية. أصبح ضرورياً أيضاً رسم ما يُعرف بـ «الخطة باء» للمعنيين في الحكومة والمعارضة بين رعاة التفاهمات. فسورية و «حزب الله» واضحان في اصرارهما على ضرب صدقية المحكمة الدولية ومنع لبنان من تنفيذ قراراتها، كما هما، ومعهما إيران، في غاية الوضوح في الإصرار على تمسك «حزب الله» بسلاحه ورفض طرحه على طاولة الحوار الوطني كما نص «اتفاق الدوحة».


يعتقد البعض ان استراتيجية سورية والمعارضة اللبنانية هي استراتيجية ذكية، فهي، بحسب هذا الرأي، استباقية للقرارات الاتهامية التي ستصدر عن المحكمة الدولية بتصنيفها محكمة «إسرائيلية وأميركية» بهدف نزع الصدقية عنها واقناع الرأي العام بأنها «مؤامرة ضد المقاومة».


إنما بحسب البعض الآخر، ان التصرف بمثل هذا القدر من الهلع يعرّي خوفاً له أسبابه لدى كل من «حزب الله» وسورية. فلقد لجأت سورية الى التحذير من عدم الاستقرار في لبنان إذا اخذت العدالة مجراها في المحكمة الدولية، ولجأ «حزب الله» الى التهديد بالسلاح وبالشارع إذا صدرت القرارات الظنية ضد أفراد أو عناصر منه.


خطأ سعد الحريري هو أنه وَثَق بأن كلاً من سورية و «حزب الله» كانا سيكتفيان باستعداده – وهو ابن الضحية – لتفريغ قرارات المحكمة الدولية من وسائل تنفيذها وحجب التعاون معها من طرف الحكومة اللبنانية، إنما بعد صدور القرار الظني الذي لا دور له فيه ولا سلطة عليه. فلقد اتضح له – بعدما قدّم ما طُلِب منه أو فُرِضَ عليه من تنازلات، عندما برّأ سورية سياسياً مسبقاً في حديثه الى «الشرق الأوسط» وقال ان شهود زور ضللوه – اتضح له لاحقاً ان تلك كانت خطوة أولى من سلسلة خطوات إركاع له. كان يفترض من جانبه أنه يقدّم الأقصى قبل صدور القرار الظني وبعده، وان ذلك هو المطلوب من «الطرف الآخر» للتعاون لضمان استقرار البلد والحؤول دون فتنة سنية – شيعية. لكنه اكتشف ان استراتيجية «الطرف الآخر» منذ البداية قامت على تكليفه إطلاق رصاصة قاضية ضد المحكمة الدولية قبل صدور أي قرار ظني عنها، وثم بعد استهلاكه وتحجيمه يصبح بديهياً التخلص منه واقالته من الحكومة.


ولذلك قالت مصادر مطلعة على أجوائه «انهم يريدون استكمال اغتيال رفيق الحريري» ويريدون «قتل القتيل والمسامحة معاً من دون أن يقدموا شيئاً... يريدون الغفران وإلغاء الأحكام وكل شيء آخر بلا تقديم أي مقابل من طرفهم»... ان ما يريدونه هو إخراج سعد الحريري من الحكومة بعد أن يسلمهم كل شيء، ابتداء بالتبرئة السياسية من دم أبيه، مروراً بإعلان إجراءات وقف التمويل اللبناني للمحكمة الدولية، وسحب القضاة اللبنانيين منها، أو رفض التعاون معها وتجريدها من الصدقية قبل – وليس بعد – صدور القرار الظني عنها.


باتت تلك الصورة واضحة حين قام ميشال عون بنعي «تسوية س-س» بعدما أبلغت دمشق المعارضة اللبنانية ما سمعته من السعودية، وفحواه ان سعد الحريري لن يتمكن من تلبية مطالب «قبل» وليس «بعد» القرار الظني للمحكمة. كان ذلك يوم توجّه الحريري للقاء أوباما في واشنطن بعدما كان اجتمع في نيويورك مع كل من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ومع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، وقبل ذلك مع وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون.


المواقف الأميركية من المحكمة الدولية لم تتغيّر منذ ان استدركت الإدارة الأميركية أخيراً إفرازات عدم اهتمامها بالملف، انما تطورات هذا الأسبوع نقلت الاهتمام الأميركي الى مرتبة جديدة بدأت بهيلاري كلينتون وانتهت عند باراك أوباما. فالبيت الأبيض شدد على أهمية عمل المحكمة في إنهاء مرحلة الإفلات من العقاب وأصدر بياناً أكد على النقاط الآتية: التصميم على تحقيق الاستقرار والعدالة معاً في لبنان أثناء الفترة التي يتخللها التقلب الحكومي. التشديد على ضرورة احجام جميع الأطراف عن التهديد بالقوة أو استخدام القوة التي تطلق اللااستقرار. التمسك بسيادة لبنان واستقلاله ورفض التدخل الخارجي في شؤونه مع التشديد على الاستمرار بالشراكة البعيدة المدى بين الولايات المتحدة ولبنان. التأكيد على تنفيذ جميع قرارات مجلس الأمن ذات الصلة. والإعلان عن «جهود موحدة» مع فرنسا والسعودية وأطراف دولية وإقليمية أساسية هدفها «الحفاظ على الهدوء في لبنان وضمان استمرار عمل المحكمة الدولية من دون عرقلة أو تدخل أطراف ثالثة».


ما أوضحته الإدارة الأميركية أيضاً هو ان سيادة واستقرار وأمن لبنان ليست قابلة للتفاوض، وان لا مجال لأية صفقة لإيقاف المحكمة الدولية عن تنفيذ ولايتها لأن تلك الولاية منوطة بها بموجب الفصل السابع الملزم لقرارات مجلس الأمن.


أوضحت الادارة الاميركية انها ليست ضد الجهود التي يبذلها السعوديون مع السوريين من أجل بناء علاقة إيجابية بين سورية ولبنان مبنية على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للطرف الآخر. وأكدت أن أية جهود للتسوية في لبنان يجب أن يشارك فيها القادة اللبنانيون.


ما يجدر بإدارة باراك أوباما التأكد منه هو ألاّ يتقلص مستوى الاهتمام الأميركي بالملف اللبناني الخطير في هذا المنعطف. فهذه ليست مرحلة المغامرات الطائشة بل انها مرحلة مطالبة جميع المعنيين باحترام السيادة اللبنانية وعدم انتهاكها بأي شكل كان.


يجب أيضاً على إدارة اوباما ان تفكر جدياً في «خطة باء» إذا فشلت محاولاتها مع سورية للجم التصعيد والكف عن التهديد بإسقاط الاستقرار إذا لم يتم إسقاط المحكمة. فلدى إدارة أوباما أدوات عدة للنفوذ مع سورية. لقد استخدمت مسرعة ومسبقاً ورقة إعادة السفير الأميركي الى دمشق، منفذة بذلك أحد أهم مطالبها، انما يجب اليوم على إدارة أوباما ان توظّف تواجد السفير الأميركي من أجل إيصال رسالة واضحة في شأن لبنان توقف الأحلام والتكهنات بإعادة الدور السوري اليه من الباب الأمني بعدما تنجح سورية و «حزب الله» في نسف الاستقرار.


وبالتأكيد، على باراك أوباما ألاّ يترك جهود رعاية وادارة الجهود الجديدة لنظيره الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي نصب لنفسه دور المدافع عن دمشق بعدما لعب أهم الأدوار في رفع العزلة عنها بلا مقابل ومسبقاً. فهو توجه الى لقائه مع أوباما لإقناعه بضرورة «جعل الانخراط الأميركي مع سورية أكبر كي يشجعها على القيام بالمزيد من الخطوات الإيجابية» في لبنان وليقنعه برفع الخطر عن بيع الطائرات لسورية، وفق ما قالت المصادر الفرنسية الى «الحياة».


فمصير لبنان يجب ألا يوضع في أيدي نيكولا ساركوزي ولا في يد أي رئيس دولة أخرى بمفرده. انه مسؤولية جماعية لأنه ضحية تدخلات جماعية من نوع أو آخر، أو إفراط في الثقة أو لعب الأوراق. وسواء سقطت التسوية أو سقطت الحكومة، يعرف الجميع ان إسقاط المحكمة ليس وارداً، وليت المدعي العام دانيال بلمار يكف عن التلاعب بأعصاب الناس ويقول بوضوح متى سيقدم القرار الظني. فهذه مرحلة أزمة عصيبة في لبنان ولا يجوز التلاعب لأنه حقاً قد يسقط الاستقرار.


انها مرحلة إعادة التمعّن بما هي مصلحة مَن في هذا المنعطف وما هي خطة «باء» في حال المفاجآت. الجميع يتأهب انما خطر اندلاع التفجير الأمني لا يبدو وشيكاً حتى الآن.

 


The views and opinions of authors expressed herein do not necessarily state or reflect those of the Arab Network for the Study of Democracy
 
Readers Comments (0)
Add your comment

Enter the security code below*

 Can't read this? Try Another.
 
Inside:
Why Algeria will not go Egypt's way
When revolutionary euphoria subsides: Lessons from Ukraine
A letter from the Cedar Revolution to the Nile Revolution
Mubarak, save Egypt and leave
Barack Obama sees Egypt, but remembers Indonesia
Just changing generals is not freedom
Egypt’s Youth are Responsible for Defending their Revolution from Those who Would Climb upon It
Can Lebanon kill its own tribunal?
Egypt's future in Egyptian hands
Social media are connecting Arab youths and politicians
The Mediterranean between sunny skies and clouds of pessimism
For the West, act of contrition time
Why Arabs have airbrushed Lebanon out
The Tunisian experience is likely to mean evolution in Morocco
Can Egypt's military become platform for political change?
Lost generations haunt Arab rulers
Democracy: not just for Americans
For better or worse, Arab history is on the move
The Middle East's freedom train has just left the station
Mubarak's only option is to go
Ben Ali's ouster was the start, and Mubarak will follow
Is this a Gdansk moment for the Arabs?
Tunisia may be a democratic beacon, but Islamists will profit
The Arabs' future is young and restless
Egypt's battle requires focus
Arab rulers' only option is reform
Exhilarating Arab revolts, but what comes afterward?
Hezbollah enters uncharted territory
Resisting change fans the flames
To participate or not to participate?
choice decisive for Lebanon
Lebanon typifies Arab political poverty
Between Tunisia’s Uprising and Lebanon’s Tribunal
Lebanon, Between Partnership and Unilateralism
What might Hezbollah face once the trial begins?
In Lebanon, echoes of the Iraq crisis
Is Hezbollah's eye mainly on Syria?
Egypt's Copt crisis is one of democracy
The thrill and consequences of Tunisia for the Arab region
Three Arab models are worth watching
Tunisia riots offer warning to Arab governments
Tunisia has a lesson to teach
Time for Lebanese to re-think stances
Amid stalemate, let negotiations begin!
North Africa at a tipping point
The Options Available When Faced with the Failure of Arab Governments
Latifa and Others
Troubling trends in this Arab new year
The past Lebanese decade
Beyond the STL
Yet another Arab president for life
An independent Egyptian Web site gives women a voice
Fight the roots of extremism
Fractures prevail as Arabs cap 2010
Truth about injustice will help reduce Muslim radicalization
Christian flight would spell the end for the Arab world
Defining success in the Lebanon tribunal
60% of the Lebanese and 40% of Shiites Support the Choice of Justice
Without remedy, Lebanon faces abyss
The Saudi succession will affect a broad circle of countries
The Arab world faces a silent feminist revolution
The canard of regime change in Syria
Egypt faces a legitimacy crisis following flawed elections
Lebanon: Reform starts with politicians
Human Rights: Three priorities for Lebanon
What's changed?
Monitoring in the dark
Myths about America
Lessons from the fringes
On campus, not all get to vote
'Your credit is due to expire'!
Blood for democracy
Lebanon can solve its own problems
The Janus-like nature of Arab elections
Social Structural Limitations for Democratization in the Arab World
Jordan’s Public Forums Initiative
Islamic Historic Roots of the Term
Copyright 2025 . All rights reserved