SUN 17 - 8 - 2025
 
Date: Jan 13, 2011
Source: جريدة النهار اللبنانية
 
حدود مسؤولية المجتمع المصري ؟

بقلم عمرو حمزاوي


هذه دعوة لنا كمواطنين بعدم إلقاء كامل المسؤولية السياسية لتفجير كنيسة القديسين وما سبقه من أعمال عنف ضد الأقباط المصريين على الحكومة وأجهزتها التنفيذية والأمنية. ففي مثل هذه المقاربة تجاهل خطير لمسؤولية المجتمع عن تصاعد التحريض الطائفي والتوترات الطائفية خلال الأعوام الأخيرة، وما أدى إليه من تحول البيئة المجتمعية في مصر إلى بيئة قابلة جزئيا لأعمال العنف ضد الأقباط وغير ممانعة للتمييز ضدهم.


فقد تركنا كمجتمع، والمسؤولية تقع هنا بالأساس على عاتق الغالبية المسلمة، ساحات واسعة، خاصة في مجالات الدعوة الدينية والإعلام التقليدي والحديث لفعل خطابات التحريض الطائفي، وسمحنا لها أن تصوغ اقتناعات وتفضيلات قطاعات معتبرة من المسلمين المصريين على نحو باعد في مرحلة أولى بين سياقات حياتهم اليومية وسياقات حياة الأقباط وصولا إلى الفصل شبه التام. ثم وفي مرحلة ثانية، رتبت خطابات التحريض الطائفي هذه بين الكثيرين من المسلمين المصريين تبلور تفضيل واضح في اتجاه قبول دعوات "مقاطعة الأقباط" والترويج لها (من شاكلة ما شاهدناه العام الماضي في الإسكندرية وغيرها من المدن المصرية من حملات شعبية رفعت شعار "قاطعوا بضائع النصارى")، بل صمت وعدم الاعتراض على أعمال العنف التي ترتكب بحقهم أو التمييز المستمر ضدهم.
هل توقعت الغالبية المسلمة من الأقباط المصريين، ومع التحريض الطائفي ضدهم ومع كل النواقص الخطيرة الواردة على حرياتهم الدينية وحقوقهم السياسية وأمنهم الشخصي، أن يصبروا صامتين ومحتسبين على معاناتهم دون امتعاض أو رد؟ وهل انتظرت الغالبية المسلمة أن يمر تحريضها الطائفي دون خطاب طائفي معاكس بدأ بالتبلور في أوساط الأقباط وحرض ضد المسلمين أو "الضيوف المغتصبين" كما يشار إليهم في هذه الأوساط؟ وهل توقعنا كمجتمع أن يمر الانتقاص من المقدسات المسيحية من قبل أشباه الدعاة ومروجي خطابات التحريض دون انتقاص مضاد من المقدسات الإسلامية؟


المؤكد هو أن الغالبية المسلمة قد فشلت فشلا ذريعا في الاضطلاع بمهمتها المجتمعية في الحفاظ على، وتجديد دماء، قيم التنوع والتسامح والانفتاح على الآخر القبطي، وفي تحصين البيئة المجتمعية ضد التمييز وأعمال العنف الطائفي التي باتت خلال الأعوام الأخيرة في تصاعد مستمر. مثل هذا الوضع الداخلي الخطير لن يتغير الى الافضل طالما داومنا نحن على قصر المسؤولية عن تفجير كنيسة القديسين وغيره على الحكومة والأجهزة الرسمية وأعفينا المجتمع والغالبية المسلمة من المسؤولية. كما أن مجرد توجيه أصابع الاتهام إلى الحكومة والدعوة بعمومية بالغة إلى الديموقراطية والإصلاح السياسي كحلول سحرية لكل أزماتنا بما فيها الطائفية، وهو ما ذهبت إليه معظم قوى المعارضة، يدلل على قصور في الرؤية وخلل في المقاربة لا يريان في سياقات المجتمع إلا السياسة ولا يلمحان في خريطة الفاعلين المسؤولين إلا الحكومة السلطوية العاجزة.


إلا أن هذه دعوة أيضا للحكومة، أو لنقل للعقلاء داخلها وحولها، للامتناع عن اختزال تفجير كنيسة القديسين إلى مؤامرة خارجية وعمل إرهابي نفذته عناصر إرهابية غير مصرية تجتهد الأجهزة الأمنية اليوم لإلقاء القبض عليها والحيلولة بينها وبين القيام بأعمال عنف جديدة. فحتى إن كان التفجير بالفعل من تنفيذ عناصر خارجية (وهو ما لم يتأكد إلى لحظة كتابة هذا المقال) ما كان له أن يحدث، أو لغيره من أعمال العنف الطائفي أن تحدث، لولا أن البيئة المجتمعية في مصر، بل والبيئة القانونية والسياسية، قابلة لحدوثه. وهنا الخيط الناظم في ما خص ذاك الجزء من المسؤولية عن التحريض والعنف الطائفي الذي تتحمله الحكومة والأجهزة الرسمية.


فالثابت هو أن الحكومة لم تتحرك خلال الأعوام الأخيرة للحد من التمييز القانوني ضد الأقباط والذي يطول حرياتهم الدينية (بناء دور العبادة وصيانتها)، كما أنها لم تقم الكثير للتعقب القضائي الفعال لمرتكبي أعمال العنف ضد الأقباط. كذلك قبلت الحكومة عملا، ودون مبادرات حقيقية للتغيير، تطور بيئة سياسية تتسم بتهميش خطير للأقباط في المجالس التشريعية والأجهزة الإدارية والتنفيذية. وفي عدد النواب الأقباط المنتخبين في مجلس الشعب الجديد دليل بين على التهميش هذا. بل إن الحكومة وفي ظل محدودية فعلها الهادف إلى الحد من التمييز القانوني والتهميش السياسي للأقباط وغياب المبادرات الجادة، اختزلت التوترات الطائفية وأعمال العنف إلى مكونها الأمني وحاولت بأدواتها الأمنية المعهودة السيطرة عليها، وكانت النتيجة فشلا ذريعا وتراكما للتمييز ضد الأقباط حولّهم عمليا مواطنين من الدرجة الثانية.


المسؤولية عن العنف الطائفي والتمييز ضد الأقباط هي إذا مسؤولية مشتركة بين الغالبية المسلمة والحكومة، ولن نستطيع القضاء على الأمرين إلا بفعل مباشر ومنظم من قبل الطرفين المجتمعي والحكومي. في المدى القصير، يمكن للحكومة تغيير البيئة القانونية الى الأفضل من خلال إصدار قانون عادل وموحد لدور العبادة والتعقب القضائي السريع لمرتكبي أعمال العنف الطائفي. فلم يصدر إلى اليوم حكم قضائي نهائي واحد بشأن أعمال العنف هذه منذ كشح التسعينيات وإلى نجع حمادي مطلع 2010. في المدى القصير، يمكن الغالبية المسلمة أو لنقل للقطاعات بداخلها التي مازالت محصنة ضد التحريض الطائفي القيام سريعا بمبادرات أهلية تنتصر للأقباط وأمنهم وحرياتهم الدينية.


أما في المدى الطويل، فينبغي على الحكومة التدبر في السياسات والإجراءات التي تحد إن طبقت من التهميش السياسي للأقباط مثل إدخال الكوتا القبطية في البرلمان والمجالس المحلية. وفي المدى الطويل أيضا، ليس لنا إلا أن نعول على قدرة الغالبية المسلمة محاصرة خطابات التحريض الطائفي والابتعاد عنها بتجديد دماء التزامها التسامح والانفتاح على الآخر في ظل مواطنة مدنية تضمن، نصا وواقعا، الحقوق المتساوية بغض النظر عن الانتماء الديني. ولا يساورني أدنى شك بأن الغالبية المسلمة إن نجحت في تجديد التزامها بالتسامح والمواطنة المدنية ستجد العدد الأكبر من الأقباط المصريين في صفها ومعها وأمامها.

 

(باحث مصري في مركز كارنيغي للسلام) 


The views and opinions of authors expressed herein do not necessarily state or reflect those of the Arab Network for the Study of Democracy
 
Readers Comments (0)
Add your comment

Enter the security code below*

 Can't read this? Try Another.
 
Inside:
Why Algeria will not go Egypt's way
When revolutionary euphoria subsides: Lessons from Ukraine
A letter from the Cedar Revolution to the Nile Revolution
Mubarak, save Egypt and leave
Barack Obama sees Egypt, but remembers Indonesia
Just changing generals is not freedom
Egypt’s Youth are Responsible for Defending their Revolution from Those who Would Climb upon It
Can Lebanon kill its own tribunal?
Egypt's future in Egyptian hands
Social media are connecting Arab youths and politicians
The Mediterranean between sunny skies and clouds of pessimism
For the West, act of contrition time
Why Arabs have airbrushed Lebanon out
The Tunisian experience is likely to mean evolution in Morocco
Can Egypt's military become platform for political change?
Lost generations haunt Arab rulers
Democracy: not just for Americans
For better or worse, Arab history is on the move
The Middle East's freedom train has just left the station
Mubarak's only option is to go
Ben Ali's ouster was the start, and Mubarak will follow
Is this a Gdansk moment for the Arabs?
Tunisia may be a democratic beacon, but Islamists will profit
The Arabs' future is young and restless
Egypt's battle requires focus
Arab rulers' only option is reform
Exhilarating Arab revolts, but what comes afterward?
Hezbollah enters uncharted territory
Resisting change fans the flames
To participate or not to participate?
choice decisive for Lebanon
Lebanon typifies Arab political poverty
Between Tunisia’s Uprising and Lebanon’s Tribunal
Lebanon, Between Partnership and Unilateralism
What might Hezbollah face once the trial begins?
In Lebanon, echoes of the Iraq crisis
Is Hezbollah's eye mainly on Syria?
Egypt's Copt crisis is one of democracy
The thrill and consequences of Tunisia for the Arab region
Three Arab models are worth watching
Tunisia riots offer warning to Arab governments
Tunisia has a lesson to teach
Time for Lebanese to re-think stances
Amid stalemate, let negotiations begin!
North Africa at a tipping point
The Options Available When Faced with the Failure of Arab Governments
Latifa and Others
Troubling trends in this Arab new year
The past Lebanese decade
Beyond the STL
Yet another Arab president for life
An independent Egyptian Web site gives women a voice
Fight the roots of extremism
Fractures prevail as Arabs cap 2010
Truth about injustice will help reduce Muslim radicalization
Christian flight would spell the end for the Arab world
Defining success in the Lebanon tribunal
60% of the Lebanese and 40% of Shiites Support the Choice of Justice
Without remedy, Lebanon faces abyss
The Saudi succession will affect a broad circle of countries
The Arab world faces a silent feminist revolution
The canard of regime change in Syria
Egypt faces a legitimacy crisis following flawed elections
Lebanon: Reform starts with politicians
Human Rights: Three priorities for Lebanon
What's changed?
Monitoring in the dark
Myths about America
Lessons from the fringes
On campus, not all get to vote
'Your credit is due to expire'!
Blood for democracy
Lebanon can solve its own problems
The Janus-like nature of Arab elections
Social Structural Limitations for Democratization in the Arab World
Jordan’s Public Forums Initiative
Islamic Historic Roots of the Term
Copyright 2025 . All rights reserved