SAT 16 - 8 - 2025
 
Date: Jan 13, 2011
 
مسؤوليتنا عن تحوّل الأقباط الى مواطنين من الدرجة الثانية

الخميس, 13 يناير 2011
عمرو حمزاوي *


كثيراً ما يحزن القلب حين متابعة السياسة وشؤونها في مصر ويعجز العقل عن إيجاد مخرج من الافق المسدود، إلا أن حزن وعجز اليوم بعد تفجير كنيسة القديسين في الاسكندرية والأحداث التي تلته ليسا كغيرهما.


دعونا كمصريين، إجلالاً لمصر التي نحبها جميعاً وخوفاً عليها من خطر نزع إنسانيتها، نعترف بأن ما حدث في اول كانون الثاني (يناير) 2011 بالإسكندرية لم يكن فقط نتيجة مؤامرة خارجية حاكها إرهابيون أجانب (بافتراض صحة التفسير الرسمي هذا، وهو ما لم يتم التأكد منه بعد)، بل في المقام الأول هو الحصاد المر لإخفاقنا في بناء مجتمع المواطنين المتساوين، وجل ما يترتب على هذا الاخفاق من تحريض طائفي وترويج كارثي لخطابات التطرف الإقصائية وتقاعس الغالبية المسلمة عن القيام بواجبها كضامنة لتماسك النسيج الوطني واستساغتها التمييز ضد الأقباط وسلبية مؤسسة الحكم في معالجة أسباب هذا التمييز.


دعونا لا نستسلم لمقولاتنا وممارساتنا التحايلية التي اعتدنا إعادة إنتاجها وتفعيلها كلما سالت دماء في جرائم عنف طائفي. أرجوكم لا تركنوا إلى احتفاليات الوحدة الوطنية وقبلات القساوسة والشيوخ وأحضان البابا والإمام الأكبر. ولا تجزعوا حين يرفض بعض الحضور المسيحي في كاتدرائية العباسية وكنيسة القديسين تقبل عزاء مندوب رئيس الجمهورية والمسؤولين الرسميين أو تظنونه تطاولاً على الحكم ورموزه، ففي ذلك تعبير صريح عن إحباط الكثيرين من الأقباط المصريين إزاء سلبية مؤسسة الحكم والسلطات الرسمية في حمايتهم والتعامل الجاد مع أسباب ومظاهر التمييز ضدهم. لا تصدقوا كذلك كل من يكتب اليوم في الصحافة أو يتحدث في وسائل الإعلام عن أخيه إدوارد أو مايكل وجاره جرجس وحياتهم المشتركة وتضامنهم في السراء والضراء، فالكثير من هؤلاء روّج في لحظات سابقة لخطابات التطرف الإقصائية وكال الإتهامات للكنيسة المصرية في توافه الأحداث (شائعات تحوّل نساء قبطيات الى الإسلام وغيرها) ووظّف بانتظام مفردات طائفية رتبت تحريضاً غير مسبوق. بل، وبصراحة شديدة، لا تعولوا على خطاب أخوّة المسلمين والأقباط هذا، فالبيئة المجتمعية الراهنة جردته من معظم مضامينه واستبدلته بواقع معاش، الاعتيادي فيه أن لا يلتقي أحمد بجرجس إلا فيما ندر.


دعونا أيضاً لا ننزع نحو طروحات شعبوية تروج لها اليوم بعض أحزاب وحركات المعارضة، الرسمية وغير الرسمية، وتلقى بأحادية مخلة بكامل مسؤولية الإخفاق في بناء مجتمع المواطنين المتساوين والحد من التوترات الطائفية على مؤسسة الحكم والأجهزة الرسمية. نعم، تتحمل مؤسسة الحكم بعض المسؤولية، إلا أننا جميعاً وبوجه خاص الغالبية المسلمة، أخفقنا أيضاً بقبولنا وضعية الأقباط كمواطنين من الدرجة الثانية، وبإستجابة البعض للتحريض الطائفي ورفعهم لمروجي خطابات التطرف الإقصائية من أشباه الدعاة إلى مصاف أبطال شعبيين يأمرون بالتظاهر ضد الكنائس ويحرضون على «مقاطعة بضائع النصارى» فيطاعون. نعم، يمكن القول إن مؤسسة الحكم تميز بممارساتها السلطوية وفي ظل غياب الديموقراطية ضد عموم المصريين، مسلميهم وأقباطهم، وتهمشهم سياسياً وتعرضهم باتنظام لتعسف الأجهزة الرسمية وأصحاب النفوذ. إلا أن إدعاء تساوي المسلمين والأقباط في المعاناة من التمييز والتهميش وطرح الديموقراطية كحل سحري للمعاناة هذه يستندان إلى تعامل إنكاري مع حقيقة أن الأقباط يواجهون بجانب معاناة العموم معاناة خاصة ذات أبعاد قانونية ودينية وسياسية واجتماعية، جوهرها وضعيتهم كمواطنين من الدرجة الثانية، بل وأن أمنهم الشخصي بات عرضة لتهديدات بالغة الخطورة من دون أن تتوافر لهم وسائل الحماية الكافية.


إذا ابتعدنا كمصريين عن الارتكان والاستسلام إلى أحاديث المؤامرات الخارجية وخطاب «أخوة أحمد وجرجس» التحايلي والتعامل الإنكاري مع التمييز ضد الأقباط بالدفع بعمومية التمييز ضد غالبية المصريين، سنجد أننا صرنا أمام بيئة مجتمعية وسياسية، لا تكفل من جهة للأقباط حريات دينية مساوية لحريات المسلمين، وتضيّق عليهم في ما خص بناء الكنائس وصيانتها، ومن جهة أخرى تهمّش تمثيلهم في المجالس التشريعية (يقل عدد الأقباط المنتخبين في مجلس الشعب الجديد بمقاعده الـ 508 المنتخبة عن عدد أصابع اليد الواحدة) وأجهزة السلطة التنفيذية الإدارية والأمنية إلى مستويات دنيا بعيدة كل البعد عن نسبتهم إلى إجمالي عدد المواطنين، وتلك تدور حول 10 بالمئة. سنجد أنفسنا أيضاً أمام أعمال عنف طائفي متزايدة ضد المواطنين الأقباط وضد الكنائس، كان آخرها قبل تفجير كنيسة القديسين حادثة نجع حمادي في مطلع العام الماضي، وتقاعس الأجهزة القضائية المخولة معاقبة المتورطين في أعمال العنف هذه عن إصدار أحكام قانونية قاطعة وسريعة بحقهم، على نحو أوجد انطباعاً كارثياً مؤداه في الحد الأدنى أن كلفة الاعتداء على الأقباط ودور عبادتهم ليست باهظة، وفي حده الأقصى أنهم فريسة مشروعة للعنف والتحريض الطائفي.


أما مؤسسة الحكم، وعلى رغم أن بعض التعديلات الدستورية والقانونية التي أدخلتها خلال الأعوام الأخيرة أعلت من شأن مبدأ تساوي المواطنين في الحقوق بغض النظر عن الانتماء الديني وتحركها مؤخراً لإغلاق بعض القنوات الفضائية التي دأبت على التحريض الطائفي، فما زالت إلى اليوم عاجزة عن أو غير راغبة في دفع السلطة التشريعية إلى إصدار قانون موحد لدور العبادة ووضع حد للقيود المفروضة على حريات الأقباط الدينية أو الضغط على الأجهزة القضائية لمعاقبة المتورطين في أعمال العنف ضدهم. كذلك تتعامل مؤسسة الحكم مع التهميش السياسي للأقباط ومحدودية تمثيلهم في الأجهزة الإدارية والأمنية وكأنه واقع غير قابل للتغيير. فقد برر الحزب الوطني، على سبيل المثال، في الانتخابات البرلمانية الاخيرة اقتصار عدد مرشحيه الأقباط على عشرة من عدد إجمالي اقترب من 800 مرشح بضغوط البيئة المجتمعية، وما زالت قيادته ترفض دعوة بعض المفكرين والنشطاء إلى دراسة إمكانية إقرار كوتا قبطية لللمجالس التشريعية على غرار الكوتا النسائية متذرعة بحقوق المواطنة المتساوية المكفولة في الدستور على رغم كل نواقصها في الممارسة الواقعية، وبعدم حاجة الأقباط إلى تشريعات تميزهم إيجابياً على رغم تهميشهم المستمر. ولا تقل خطورة عن عجز مؤسسة الحكم وقصور سياساتها، حقيقة نزوعها الدائم في لحظات التوتر الطائفي وعند وقوع أعمال عنف ضد الأقباط إلى التعويل بداية على القبضة الأمنية باعتقال المسؤولين المباشرين عنها ثم إعادة انتاج خطاب المؤامرات الخارجية واحتفاليات الوحدة الوطنية المعهودة من دون تغيير حقيقي في القوانين أو السياسات.


وكما تعجز مؤسسة الحكم عن مواجهة التمييز ضد الأقباط وتستسيغ استمراره، يتقاعس المجتمع بفاعلياته المختلفة عن التعامل الجاد مع هذا التمييز ويسمح من ثم بتماديه وبلوغه حد تعريض إنسانية وتماسك النسيج الوطني إلى خطر عظيم. والأمر هنا أن المكون الأساس في مسؤولية المجتمع يقع على عاتق الغالبية المسلمة المنوط بها، ومنذ قيام الدولة الحديثة في مصر، الحفاظ على قيم التنوع والتسامح والعيش المشترك والانفتاح الإيجابي على المواطنين الأقباط بحماية أمنهم وضمان تساويهم مع المواطنين المسلمين في الحقوق والحريات والواجبات وبرفض التمييز ضدهم أو اضطهادهم. بيد أن الغالبية المسلمة، وباستثناء بعض المبادرات الأهلية الإيجابية وآخرها المبادرة التي تبلورت بعد تفجير كنيسة القديسين بمشاركة المواطنين المسلمين في حماية الكنائس القبطية ليلة الاحتفال بعيد الميلاد (6 كانون الثاني/ يناير)، تبدو ايضاً عاجزة عن أو غير راغبة في الاضطلاع بدورها المجتمعي كحاضنة للأمة المصرية وضامنة لتماسكها. قطاعات واسعة بين المسلمين المصريين، وفي ظل نزوع ديني غير مسبوق، تفترسها اليوم خطابات التطرف الإقصائية التي يروج لها في وسائل الإعلام التقليدية والحديثة من دون ضوابط. وقابليتها للشحن الطائفي، الذي باتت مدينة الإسكندرية ذات الماضي الكوزموبوليتي والتنوع الديني والعرقي ساحة من ساحاته الرئيسية في الآونة الأخيرة، في تصاعد مرعب. ثم يتعجب ويمتعض ويحاجج مروجو ومتلقو خطابات التطرف حين تروج أيضا بين الأقباط خطابات إقصائية بديلة تواجه «قاطعوا بضائع النصارى» بـ «مصر بلدنا وأنتم ضيوف علينا»، وتقارع التشكيك في المقدسات المسيحية بتشكيك مماثل في مقدسات المسلمين.


إذا ما أردنا خلاصاً حقيقياً لمصر من خطر العنف الطائفي ورغبنا في استعادة إنسانية نسيجنا الوطني بتغيير الوضعية الراهنة للأقباط كمواطنين من الدرجة الثانية وتجديد تماسكه على نحو يعيد الى «أخوة أحمد وجرجس» المحتوى والمضمون المجتمعي الذي جردت منه، لا بديل أمام مؤسسة الحكم وعلى المدى الزمني القصير سوى إدخال التعديلات القانونية والسياسية والإجرائية اللازمة لضمان أمن الأقباط وكفالة حرياتهم الدينية وتحسين نسب تمثيلهم في المجالس التشريعية والأجهزة الإدارية والأمنية. أما الغالبية المسلمة فعليها، ومن خلال الفعاليات الأهلية والمدنية المختلفة، استعادة ماضي تسامحها وانفتاحها على الأقباط والتزامها بالشعار الخالد للوطنية المصرية «الدين لله والوطن للجميع» وترجمتها في البيئة المجتمعية فعلاً جمعياً صريحاً ومنتظماً يرفض التمييز ضد الأقباط ويضيق الخناق على دعاة الطائقية ومروجي خطابات التطرف الإقصائية.

* أكاديمي مصري

 


The views and opinions of authors expressed herein do not necessarily state or reflect those of the Arab Network for the Study of Democracy
 
Readers Comments (0)
Add your comment

Enter the security code below*

 Can't read this? Try Another.
 
Inside:
Why Algeria will not go Egypt's way
When revolutionary euphoria subsides: Lessons from Ukraine
A letter from the Cedar Revolution to the Nile Revolution
Mubarak, save Egypt and leave
Barack Obama sees Egypt, but remembers Indonesia
Just changing generals is not freedom
Egypt’s Youth are Responsible for Defending their Revolution from Those who Would Climb upon It
Can Lebanon kill its own tribunal?
Egypt's future in Egyptian hands
Social media are connecting Arab youths and politicians
The Mediterranean between sunny skies and clouds of pessimism
For the West, act of contrition time
Why Arabs have airbrushed Lebanon out
The Tunisian experience is likely to mean evolution in Morocco
Can Egypt's military become platform for political change?
Lost generations haunt Arab rulers
Democracy: not just for Americans
For better or worse, Arab history is on the move
The Middle East's freedom train has just left the station
Mubarak's only option is to go
Ben Ali's ouster was the start, and Mubarak will follow
Is this a Gdansk moment for the Arabs?
Tunisia may be a democratic beacon, but Islamists will profit
The Arabs' future is young and restless
Egypt's battle requires focus
Arab rulers' only option is reform
Exhilarating Arab revolts, but what comes afterward?
Hezbollah enters uncharted territory
Resisting change fans the flames
To participate or not to participate?
choice decisive for Lebanon
Lebanon typifies Arab political poverty
Between Tunisia’s Uprising and Lebanon’s Tribunal
Lebanon, Between Partnership and Unilateralism
What might Hezbollah face once the trial begins?
In Lebanon, echoes of the Iraq crisis
Is Hezbollah's eye mainly on Syria?
Egypt's Copt crisis is one of democracy
The thrill and consequences of Tunisia for the Arab region
Three Arab models are worth watching
Tunisia riots offer warning to Arab governments
Tunisia has a lesson to teach
Time for Lebanese to re-think stances
Amid stalemate, let negotiations begin!
North Africa at a tipping point
The Options Available When Faced with the Failure of Arab Governments
Latifa and Others
Troubling trends in this Arab new year
The past Lebanese decade
Beyond the STL
Yet another Arab president for life
An independent Egyptian Web site gives women a voice
Fight the roots of extremism
Fractures prevail as Arabs cap 2010
Truth about injustice will help reduce Muslim radicalization
Christian flight would spell the end for the Arab world
Defining success in the Lebanon tribunal
60% of the Lebanese and 40% of Shiites Support the Choice of Justice
Without remedy, Lebanon faces abyss
The Saudi succession will affect a broad circle of countries
The Arab world faces a silent feminist revolution
The canard of regime change in Syria
Egypt faces a legitimacy crisis following flawed elections
Lebanon: Reform starts with politicians
Human Rights: Three priorities for Lebanon
What's changed?
Monitoring in the dark
Myths about America
Lessons from the fringes
On campus, not all get to vote
'Your credit is due to expire'!
Blood for democracy
Lebanon can solve its own problems
The Janus-like nature of Arab elections
Social Structural Limitations for Democratization in the Arab World
Jordan’s Public Forums Initiative
Islamic Historic Roots of the Term
Copyright 2025 . All rights reserved