خرقت المواقف التي عبّر عنها نائب وزير الخارجية الاميركي انطوني بلينكن، عقب جولته في بيروت على عدد من المسؤولين والسياسيين، الجمود الذي طبع المشهد الداخلي في الايام الاخيرة نظراً الى الدلالات البارزة التي اكتسبتها هذه المواقف وخصوصاً لجهة اطلاقه كلاماً نارياً حيال النظام السوري وداعمه "حزب الله " من جهة وأزمة الفراغ الرئاسي في لبنان من جهة اخرى. ولم يقتصر تحريك الجمود على مواقف بلينكن وحدها، ذلك ان تطوراً ذا دلالات مهمة أيضاً سجّل في موقف البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي من الازمة الرئاسية بتحميله للمرة الاولى فريقاً سياسياً داخلياً مسؤولية تعطيل الانتخابات الرئاسية، الامر الذي يعد بمثابة نقلة نوعية في تصعيد نبرة البطريرك حيال معطلي هذه الانتخابات الرئاسية وإن يكن لم يبلغ حد تسمية الفريق المعطِّل.
ولعل ما أكسب موقف الراعي هذا البعد ان ملامح التباين بين بكركي ورئيس "تكتل التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون برزت مع غياب الاخير عن القداس الاحتفالي بعيد الفصح في بكركي الاحد، اذ حضر الرئيسان السابقان امين الجميّل وميشال سليمان ولم يحضر العماد عون ولا زار بكركي معايداً، علماً ان رئيس حزب "القوات اللبنانية " سمير جعجع كان زارها بدوره يوم الجمعة العظيم. وقد كرّر الراعي في عظة الفصح مواقفه المعروفة من ازمة الفراغ الرئاسي، لكنه طور هذا الموقف امس في الكلمة التي القاها في تكريم السفير الفرنسي باتريس باؤلي معرباً عن "الاسف ان يكون مجلس النواب، بسبب ما يقوم به فريق سياسي، يتنكر لواجبه الدستوري في انتخاب رئيس للجمهورية". وقال متوجهاً بالشكر الى فرنسا "لكل الجهود التي تقوم بها في هذا المجال ونصلي لتستمر في المساعدة من أجل ان يقوم مجلس النواب بواجبه بعيدا من الوقوع في اطماع اللعبة السياسية الداخلية ودون أي تدخل من القوى الخارجية خارج وساطة ديبلوماسية صديقة".
ومعلوم ان الراعي سيبدأ زيارة لباريس في 25 نيسان الجاري ويلقي كلمة أمام المجلس التنفيذي لمنظمة الاونيسكو، كما يدشن مقر مطرانية أوروبا، ثم يلتقي الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند. وسجل في المقابل مزيد من تبادل اللفتات الايجابية بين الرابية ومعراب، ذلك أن عون بادر أمس الى الاتصال بجعجع معايداً بالفصح رداً على مبادرة الاخير ارسال هدية العيد الى الجنرال مع موفده ملحم رياشي، ووصف الاتصال بأنه كان ودياً. بلينكن في غضون ذلك، علمت "النهار" أن بعداً أساسياً برز في زيارة بلينكن لبيروت غداة التوصل الى اتفاق اطار بين القوى الكبرى وايران على البرنامج النووي الإيراني تمثل في اطلاع المسؤولين على مناخ هذا التطور وتبديد المخاوف من تداعياته ولو ان الزيارة كانت مقررة قبل التوصل الى الاتفاق.
وقد شدد بلينكن على أهمية حفاظ اللبنانيين على الاستقرار القائم، وإذا ما تمكنوا من إنتخاب رئيس جديد للجمهورية فسيكون ذلك أمراً بالغ الاهمية، ولكن إذا لم يتمكنوا فعليهم محاذرة هزّ "الستاتيكو" الحالي وإلا فإن لبنان سيدخل في المجهول. ودعا الى عدم إنتظار معطيات خارجية لإنجاز الاستحقاق الرئاسي والى عدم البناء على الموضوع النووي بين الغرب وإيران. وشدد على دعم الولايات المتحدة للجيش اللبناني على مستوى طارئ يتمثل بتلبية الحاجات العسكرية الطارئة وعلى مستوى دائم وفق خطة طويلة الامد اذ تقدم واشنطن 200 مليون دولار سنوياً للجيش. وأبرز أهمية تعزيز قوى الاعتدال الاسلامية، قائلاً إن الاتفاق النووي لا يعني أن إيران تملك تأثيراً في قضايا المنطقة.
ولوحظ أن الاختراق الوحيد في لقاءات بلينكن خارج الاطار الرسمي تمثل في لقائه رئيس "اللقاء الديموقراطي" النائب وليد جنبلاط في حضور نواب اللقاء والدكتور غطاس خوري ممثلاً "تيار المستقبل".
وأطلق المسؤول الاميركي في بيان معد سلفاً عقب لقائه رئيس الوزراء تمّام سلام مواقف متشددة من نظام الرئيس السوري بشار الاسد وتورط "حزب الله" في سوريا، فيما برز تقاطع موقفه من الازمة الرئاسية مع موقف البطريرك الراعي، اذ قال: "إن انتخاب الرئيس هو قرار يعود اتخاذه كلياً الى اللبنانيين، ولكن عليهم أن يتخذوه، والذين يعرقلون تأمين النصاب النيابي ينبغي أن يخضعوا للمساءلة العامة". وفي الملف السوري حمل بعنف على نظام الرئيس الاسد، مكررا قول وزير الخارجية الاميركي "إن ديكتاتوراً وحشياً مثل الاسد لا مكان له في هذا المستقبل". واعتبر ان "دعم حزب الله للاسد لا يؤدي إلا الى اطالة أمد الصراع والمعاناة ويقدم لداعش أداة لتجنيد المقاتلين ويدفع اللاجئين الى الفرار الى لبنان".
نصرالله في المقابل، صرّح الامين العام لـ"حزب الله " السيد حسن نصرالله بأن "الحرب على سوريا فشلت ما دامت الدولة موجودة والنظام موجوداً والدور السيادي موجوداً، يعني ان هذه الحرب لم تحقق شيئاً". وقال في مقابلة مساء أمس مع محطة "الاخبارية السورية" إنه "حيث تدعو الحاجة في سوريا سنكون" و"إن معركة القلمون هي حاجة سورية ولبنانية مشتركة". وواصل تصعيد هجماته على المملكة العربية السعودية، قائلاً إنها "فشلت في لبنان وسوريا والعراق وفي كل مكان ذهبت اليه". وفي أول تعليق له على الاتفاق على البرنامج النووي الايراني قال نصرالله: "لا شك في ان الاتفاق النووي الايراني ستكون له نتائج مهمة وكبيرة على المنطقة وان حصل سيبعد شبح الحرب الاقليمية والحرب العالمية عن منطقتنا". وعلى هامش الإطلالة التلفزيونية للأمين العام لـ"حزب الله"، أبلغت مصادر وزارية "النهار" أنها استغربت نقل "تلفزيون لبنان" الرسمي حديث نصرالله مباشرة على رغم تعرض الاخير الشديد للمملكة العربية السعودية، بما يخالف توجهات الحكومة باعتماد سياسة "النأي بالنفس". وأوضحت أنها ستثير الموضوع غداً خلال جلسة مجلس الوزراء. عودة مخطوفين على صعيد آخر، سجل انفراج في الساعات الاخيرة في قضية السائقين الذين احتجزوا او خطفوا عند معبر نصيب الحدودي بين سوريا والاردن، اذ عاد ستة سائقين مساء الى لبنان ولا يزال هناك خمسة أو ستة سائقين في طريق العودة. كما افرج ليل الاحد عن المخطوف حسين سيف الدين من بلدة حوش الرافقة الذي كان خطف الى جرود عرسال.
بلينكن: لا مكان لنظام الأسد الوحشي
في بيان مكتوب أدلى به من المصيطبة حيث إلتقى رئيس الحكومة تمام سلام، أكد نائب وزير الخارجية الاميركي انطوني بلينكن دعم بلاده للبنان ولمؤسساته العسكرية، مجدداً الدعوة الى انتخاب رئيس للجمهورية، ومشدداً على ضرورة مواجهة الارهاب والتنظيمات الارهابية. وهاجم "حزب الله" الذي "يبقي نظام الديكتاتور الأسد ويطيل أمد الازمة". وقال: "عرضنا الاتفاق بين مجموعة 1+5 وايران حول البرنامج النووي الايراني والصراعات في سوريا واليمن ومستقبل سلام الشرق الأوسط".
وأضاف: "تحدثنا عن جهود مواجهة عنف المتطرفين والقضاء على تهديد "داعش" وغيرها لنا. وهذا لا يتطلب ردا عسكريا فحسب، بل انخراطا عالميا لعكس اتجاه دعاية الجماعات المتطرفة وتمويلها وتدفق المقاتلين الاجانب. كما يتطلب التوصل إلى أولئك الذين قد يكونون قابلين للتجاوب مع نداء التطرف العنيف، والعمل على وضع استراتيجيات لمنعهم من الانضمام الى تلك الجماعات. ولبنان شريك قوي في هذه الجهود. لذلك قمنا بالتعجيل في وتيرة مساعداتنا له".
وتابع: "نريد أن نساعد في تعزيز مؤسسات الدولة والقادرة على تأمين حدودها، وفقا لقرار مجلس الأمن 1701، وإعلان بعبدا، ونستمر في دعم الأجهزة الأمنية، ومساعداتنا الأمنية بلغت أكثر من مليار دولار مدى السنوات التسع الماضية، وهي تعزز قدرات الحكومة على حماية اللبنانيين، وهزيمة المتطرفين، وتأمين الحدود. عندما وضعت أحداث الخريف الماضي في عرسال تحديا جديدا أمام قواتكم الامنية، ردّت الولايات المتحدة بمساعدة عملية وسنواصل القيام بذلك".
وأكد التزام بلاده "المساعدة في إحداث تحول سياسي في سوريا يؤدي إلى تشكيل حكومة تضم الجميع وتؤمن مستقبلاً من الحرية والكرامة والأمن للشعب السوري. والكرامة لا يمكن أن تتحقق إذا بقي الديكتاتور الحالي الذي يقصف شعب سوريا بالغاز والبراميل. وكما أكد وزير الخارجية كيري، إن ديكتاتورا وحشيا مثل الأسد لا مكان له في هذا المستقبل.
وفي هذا الصدد، إن دعم حزب الله للأسد – بل في الواقع شريان الحياة الذي يقدمه - لا يؤدي إلا إلى إطالة أمد الصراع والمعاناة، ويقدم لداعش أداة لتجنيد المقاتلين، ويدفع باللاجئين للفرار إلى لبنان. إن أعمال حزب الله في سوريا سيئة لشعبيّ سوريا ولبنان.
إن حكومتنا تدعم عمل الحكومة والمجتمع لإستيعاب اللاجئين، ونحن ملتزمون تقديم الدعم لهم، وللمجتمعات المضيفة. ونبقى أكبر جهة مانحة بعد تقديم نحو 800 مليون دولار من المساعدات الإنسانية للبنان".
ورأى انه "لا يمكن مواجهة التحديات التاريخية مع كرسي فارغ. فانتخاب رئيس لن يحل جميع المشاكل، إنما سيكون بمثابة خطوة حاسمة في الاتجاه الصحيح، والى أن يُملأ هذا الكرسي، لن يتمكن لبنان من اتخاذ قرارات مهمة تتعلق بالسياسات، من شأنها العمل على تحسين حياة شعبه.
وحضّ "زعماء لبنان على ألا ينظروا خارج وطنهم من أجل حل للجمود الرئاسي، بل العمل على حل من الداخل، والأصوات المسؤولة في المجتمع الدولي ستدعمكم. ولكن اذا لم يتم، وحتى اختيار رئيس، فإن الوضع لن يؤدي الا الى تعميق تآكل المؤسسات السياسية".
وجدّد دعوة "البرلمان الى انتخاب رئيس في أقرب وقت ممكن، وفقا للدستور والميثاق الوطني. إن انتخاب الرئيس هو قرار يعود اتخاذه كليا الى اللبنانيين، ولكن عليهم أن يتخذوه، والذين يعرقلون تأمين النصاب البرلماني ينبغي أن يخضعوا للمساءلة العامة".
وكان بلينكن التقى رئيس المجلس نبيه بري، ثم وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل فقائد الجيش العماد جان قهوجي في اليرزة.
وكان رئيس اللقاء "الديموقراطي" النائب وليد جنبلاط استقبله في دارته مساء الأحد في حضور هيل وأركان السفارة وحضر تيمور جنبلاط، والوزيران وائل ابو فاعور، وأكرم شهيب، والنائبان مروان حماده وغازي العريضي، والنائب السابق غطاس خوري، ونائب رئيس الحزب دريد ياغي. وإستبقى جنبلاط ضيوفه إلى العشاء.
|