TUE 19 - 8 - 2025
 
Date: Jan 5, 2011
Author: Sulaiman Sweiss
 
حقوق الإنسان أمام مرحلة جديدة

د. سليمان صويص


ما هو مستقبل حقوق الإنسان في العالم ؟ أصبح هذا السؤال يؤرق الملايين في العالم الذي يدخل بعد أيام في عشرية جديدة من القرن الواحد والعشرين. ويزداد الأرق والقلق أكثر فأكثر عندما يستعرض المراقب مسار حقوق الإنسان في البلدان العربية خلال العقد الاول من القرن المذكور.


 خلقُ بؤرِ التوتر وتأجيجُ النزاعاتِ والحروب، غالباً تحت شعار 'مكافحة الإرهاب'، كان الطابع الأول الذي وسم العقد المنصرم. من العراق إلى أفغانستان، مروراً ببلدان أخرى عديدة، تفاقمت انتهاكات حقوق الإنسان التي شملت ملايين البشر وقوضت أمن ملايين أخرى، وأدت إلى قتل مئات الآلاف من الأبرياء وسجن وتعذيب عشرات الآلاف. وإلى جانب الدول والحكومات المسئولة عن هذه الاوضاع الخطيرة، تتحمل المسئولية عنها أيضاً منظمات لجأت إلى العنف المسلح تحت يافطات وحجج مختلفة.


السمة الثانية تمثلت في النمو الاقتصادي الهائل الذي شهدته آسيا خلال العقد المنتهي. كان هذا النمو مفيداً ولاشك للعالم ولشعوب بلدان القارة، خاصة الصين والهند (يضمان نصف سكان الأرض تقريباً)، لكنه ترافق مع تفاقم التفاوت في توزيع الثروات ولم ينعكس دائماً على الأوضاع المعيشية وعلى تحسين مستوى إعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لقطاعات واسعة من السكان. بالمقابل، انتشل النمو الاقتصادي والسياسات الاجتماعية المتوازنة بضعة عشرات الملايين من السكان من وهدة الفقر، خاصة في البرازيل.


الأزمة المالية ـ الاقتصادية العالمية التي يبدو أن الاقتصاد العالمي لم يتعافى منها بعد شكلت السمة الثالثة لهذا العقد. انعكست آثار هذه الأزمة على حياة مئات الملايين من البشر، خاصة في بلدان العالم الغربي والصناعي المتقدم، بصور مختلفة من بينها زيادة نسب البطالة والحد من الانفاق الاجتماعي وارتفاع تكاليف المعيشة إضافة إلى تباطؤ النمو الاقتصادي. وقد أثارت هذه كلها حركات احتجاجية شارك فيها ملايين المواطنين، خاصة في أوروبا.


بالرغم من احتفال العالم بذكرى مرور ستين عاماً على صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قبل عامين (2008)، إلا أن العديد من هذه الحقوق لا يزال في عداد 'الاوهام' بالنسبة لأكثر من نصف سكان الكرة الارضية. على سبيل المثال لا الحصر : لا يزال نحو مليارين من البشر محرومين من المياه الصالحة للشرب ومن خدمات الصرف الصحي ؛ ونصف هؤلاء على الأقل يعاني من سوء التغذية والجوع، هذا عدا عن مئات الملايين الذين لا يزالون حتى الآن محرومين من خدمات التعليم والصحة، ناهيك عن الفقر والبطالة اللذين ينخران مجتمعات كثيرة في العالم، بما فيها المجتمعات المتقدمة. أما عن الفساد المالي والإداري للأنظمة الحاكمة، وازدهار تجارة السلاح والمخدرات وتجارة البشر والدعارة وانتشار الجريمة بنسب مرتفعة فحدّث ولا حرج ـ كما يقال ! يضاف لذلك كله ـ وهذا ينطبق بشكل خاص على أنظمة البلدان العربية ـ القمع السياسي وغياب أو ضعف حرية التعبير والعنف ضد المرأة والاعتقال والقتل خارج نطاق القضاء.


إن العديد من الانظمة العربية التي كانت ـ وربما لا تزال ـ تتبجح بشعارات حقوق الإنسان قد أدارت ـ على أرض الواقع ـ ظهر المجن لهذه الشعارات، وأصبحت لا تخجل من ممارسة شتى صنوف القمع السياسي لكل من يعارض سياساتها. وبلغ بها الصلف أن تدير الظهر للدساتير الأصلية وأن يسعى زعماؤها غلى 'توريث' أبنائهم ـ وهم في أنظمة جمهورية ـ رئاسة الدولة بمختلف أساليب التزوير والقمع والديماغوجية. ولا تتوانى الأنظمة العربية أن تساند بعضها بعضاً في المحافل الدولية، كمجلس حقوق الإنسان في جنيف مثلاً، حيث يقف مندوب الدولة (س) ليشيد ب'إحترام حقوق الإنسان وتطور الديمقراطية' في الدولة (ص) ؛ ويتم تبادل 'شهادات' النفاق والدفاع عن انتهاكات حقوق الإنسان بين مندوبيها جهاراً، على الرغم من التوثيق الدقيق لهذه الانتهاكات في تقارير المنظمات المحلية والدولية.


من الواضح أن أطنان الأوراق التي تتحدث عن حقوق الإنسان، وآلاف المؤسسات والمنظمات الدولية والإقليمية والمحلية لم تتمكن من إحداث تغيير جوهري في الواقع المؤلم، خلال العقود الثلاثة الماضية، بما فيها العقد الذي يوشك على الإنتهاء. ومن الواضح أيضاً بأن الدول والحكومات لا تقيم وزناً لتلك المؤسسات والمنظمات والجهود التي تبذلها من أجل إعمال وتطوير حقوق الإنسان.
لقد أدى هذا الواقع، في النصف الثاني من العقد، إلى بروز حركات اجتماعية وسياسية مستقلة عن الأحزاب التقليدية القائمة، وأيضاً عن منظمات حقوق الإنسان. هذه الحركات 'فهمت' الدرس جيداً، وأطلقت نضالاتها المطلبية مباشرة في مواجهة الحكومات، في الشارع وبين المواطنين وعلى صعيد وسائل الإعلام. وبذلك أعادت هذه الحركات (وآخرها في تونس) الأمور إلى نصابها الصحيح : مواطنون محرومون من الحقوق ومستغلّون في مواجهة حكومات قمعية متسلطة.


إن انتزاع الحقوق يتوقف على تطوير أشكال النضال الشعبي وخوض الصراع على أسس ومفاهيم ديمقراطية واضحة وحقيقية؛ أما 'النقابات المزورة' التي تتلاعب بها أجهزة المخابرات وتفرض عليها القيادات التي تريدها، فإن بإمكانها أن 'تتفرج' على النضال الشعبي، هذا إذا لم تتواطأ مع الحكومات ضده !
إنه طريق جديد لإنتزاع الحقوق ؛ يثبت واقع تفاقم القمع، ومن خلال التجارب المريرة، أن جميع الطرق الأخرى تقود إليه !


The views and opinions of authors expressed herein do not necessarily state or reflect those of the Arab Network for the Study of Democracy
 
Readers Comments (0)
Add your comment

Enter the security code below*

 Can't read this? Try Another.
 
Inside:
Why Algeria will not go Egypt's way
When revolutionary euphoria subsides: Lessons from Ukraine
A letter from the Cedar Revolution to the Nile Revolution
Mubarak, save Egypt and leave
Barack Obama sees Egypt, but remembers Indonesia
Just changing generals is not freedom
Egypt’s Youth are Responsible for Defending their Revolution from Those who Would Climb upon It
Can Lebanon kill its own tribunal?
Egypt's future in Egyptian hands
Social media are connecting Arab youths and politicians
The Mediterranean between sunny skies and clouds of pessimism
For the West, act of contrition time
Why Arabs have airbrushed Lebanon out
The Tunisian experience is likely to mean evolution in Morocco
Can Egypt's military become platform for political change?
Lost generations haunt Arab rulers
Democracy: not just for Americans
For better or worse, Arab history is on the move
The Middle East's freedom train has just left the station
Mubarak's only option is to go
Ben Ali's ouster was the start, and Mubarak will follow
Is this a Gdansk moment for the Arabs?
Tunisia may be a democratic beacon, but Islamists will profit
The Arabs' future is young and restless
Egypt's battle requires focus
Arab rulers' only option is reform
Exhilarating Arab revolts, but what comes afterward?
Hezbollah enters uncharted territory
Resisting change fans the flames
To participate or not to participate?
choice decisive for Lebanon
Lebanon typifies Arab political poverty
Between Tunisia’s Uprising and Lebanon’s Tribunal
Lebanon, Between Partnership and Unilateralism
What might Hezbollah face once the trial begins?
In Lebanon, echoes of the Iraq crisis
Is Hezbollah's eye mainly on Syria?
Egypt's Copt crisis is one of democracy
The thrill and consequences of Tunisia for the Arab region
Three Arab models are worth watching
Tunisia riots offer warning to Arab governments
Tunisia has a lesson to teach
Time for Lebanese to re-think stances
Amid stalemate, let negotiations begin!
North Africa at a tipping point
The Options Available When Faced with the Failure of Arab Governments
Latifa and Others
Troubling trends in this Arab new year
The past Lebanese decade
Beyond the STL
Yet another Arab president for life
An independent Egyptian Web site gives women a voice
Fight the roots of extremism
Fractures prevail as Arabs cap 2010
Truth about injustice will help reduce Muslim radicalization
Christian flight would spell the end for the Arab world
Defining success in the Lebanon tribunal
60% of the Lebanese and 40% of Shiites Support the Choice of Justice
Without remedy, Lebanon faces abyss
The Saudi succession will affect a broad circle of countries
The Arab world faces a silent feminist revolution
The canard of regime change in Syria
Egypt faces a legitimacy crisis following flawed elections
Lebanon: Reform starts with politicians
Human Rights: Three priorities for Lebanon
What's changed?
Monitoring in the dark
Myths about America
Lessons from the fringes
On campus, not all get to vote
'Your credit is due to expire'!
Blood for democracy
Lebanon can solve its own problems
The Janus-like nature of Arab elections
Social Structural Limitations for Democratization in the Arab World
Jordan’s Public Forums Initiative
Islamic Historic Roots of the Term
Articles for the same author
Copyright 2025 . All rights reserved