TUE 19 - 8 - 2025
 
Date: Jan 5, 2011
 
تشويه الليبرالية... بالتحريض على مثقفين أحرار

الثلاثاء, 04 يناير 2011
حمد الراشد


بدايةً لم أكن أريد الكتابة حول ما قدمه عبدالله الغذامي في محاضرته السابقة وما لحقها من نقاشات، نظراً لكونها لا تحمل أي قيمة ثقافية أو معرفية تضاف لمن لديه أدنى حصيلة من الثقافة وأدنى مستوى من الوعي، إلا أن ما دفعني للكتابة وجود متلقٍ يستثار ويوجه بأجندة عند الغذامي وأمثاله فوجب تنبيهه لتمكينه من التصدي لمغريات التزييف. وأول ملاحظة على المحاضرة أنه في البداية يزعم استبعاد حكم التعميم من خلال إقراره بعدم تطابق السلوكيات مع المصطلح، وبأن المواقف مهما كثرت لا تدل على حقيقة المصطلح وأهليته، وملاحظتي أن نقطة البداية تلك ما هي إلا غطاء منه للخروج عليها بعد ذلك في نقاط عدة داخل محاضرته، من حيث وقوعه بالتعميم المفرط والهجوم على الليبرالية من خلال انتقاء مواقف وممارسات بعينها دون غيرها.


ويبدأ المحاضر لتوضيح منهجه بحال مقارنة ساذجة لا تدل على أي تمييز عن طريق تمثيله الذهاب إلى الطبيب، وكما يعرف الجميع الفرق بين مهنة تخصصية لها شروطها واتجاه ثقافي وفكري متاح لكل فرد في كل المجتمعات بحسب إطلاعه ووعيه. وينتقل المحاضر إلى زعم جديد بأن الليبراليين لا يسمحون بتوجيه أي نقد لهم. والسؤال: ما الأدلة الواقعية ومؤشرات ذلك؟ إلا إذا كان المحاضر يبني زعمه على مواقف لمراهقين لا يفقهون من الليبرالية إلا اسمها؟، فإن كان كذلك فهو يثبت ثانية وقوعه بالانتقائية والتعميم الذي نفاه في البداية.


ومن النقاط التي أثارها الغذامي تساؤله عن المؤسسات التي تحتوي الليبراليين، وهذا دليل على قصور نظرته من حيث تقييد الليبرالية بشرط مؤسسي لا يتحقق إلا بعد مراحل من جهود الأفراد كما حدث عند كل الأمم والمجتمعات، فعدم احتواء الليبراليين ضمن مؤسسات رسمية ليس مبرراً لتهميش الليبرالية بمفهومها الفردي والذي يعتبر الأساس قبل النشوء المؤسسي، والأهم من ذلك أن الفرد بثقافته وبتطوير ذاته وبوعيه لمفاهيم الحرية المختلفة، يمكن أن نطلق صفة ليبرالي عليه حتى وإن لم يكن لديه نتاج فكري يرضي الغذامي، فالفرد ليس مسؤولاً عن عدم وجود مؤسسات تتبنى فكره – على رغم أهميتها ودورها - حتى يكتسب صفة الليبرالي، ووضع ذلك الشرط ما هو إلا تعجيز وتهميش متعمد لحقه ولحريته وتثبيط ليس له ما يبرره، وحتى في حال عدم قناعة المحاضر بأن الليبرالية لها تعريفات، وأن لها قيمة فقط، فهذا لا يغير من حق الفرد باعتباره ليبرالياً لأن للفرد الحق أن يؤمن بالقيمة وإن كانت تواجهه تحديات أثناء تحققها، لأن الإيمان بالقيمة يسبق تحققها، ولأن الفرد هو اللبنة في حدوث ذلك التحقق للقيمة. ومن الأمثلة على الانتقائية الفجة التي ينتهجها المحاضر اعتماده على تحليل مفكرين دون غيرهم، فهو مثلاً يورد تحليل عبدالله العروي، ومن المعروف أن أضعف نتاج للعروي هو ما يتعلق بالحرية نظراً لمساره الفكري الذي يقترب من الماركسية، ونحن نعرف ما بين الليبرالية والماركسية من تباين شديد.


وعند تتبعنا لما يطرحه المحاضر نجد قصوراً في الوعي بالليبرالية فهو يريدها نظاماً شمولياً بأهداف سياسية محددة فقط، وبذلك فهو بطريق غير مباشر يلزم الليبرالية بما لا يلزمها بحيث تتحدد بصفة مطلقة إجبارية من خلال نماذج، وهو ما يتعارض أساساً مع الليبرالية كونها ضماناً لحق الفرد في جميع نواحي الحياة من دون استثناء.


يعود المحاضر للتناقض مع مبدأ الليبرالية بتشويهها بضرب أمثلة عن آليات وحالات الانتخاب وممارسات لا تتطابق بالضرورة مع الليبرالية وتحقق حرية الفرد، وبذلك يكرس نظرة عامة عن جميع الأفراد والمواطنين الليبراليين ويحملهم مسؤولية الواقع الاجتماعي والسياسي، فكأني به يحرضهم على تبني برنامج أو تغيير بالقوة، وإلا فهم ليسوا ليبراليين، حتى وإن شاركوا بكتابات ضمن المتاح لهم إعلامياً، فهم لا يستحقون صفة الليبرالية إذا لم يتبنوا رأيه الإيديولوجي، وهذا تشفٍ وشماتة لهم تتعارض مع مبدأ الاحترام لفرديتهم وحقهم في الاختيار خارج التكتل والتحزب الذي يلمح إليه، وما يثبت ذلك ما تبعه من حديث حول الزعامة السياسية ممثلة بمانديلا ولوثر، وذكره لهؤلاء الزعماء يدلل على ما يريده من تحريض على مواطنين أحرار، كل ذنبهم أنهم يحترمون مقدرات الوطن ويتجنبون الفتنة ولا يريدون إجبار الناس على ثقافة وفكر حتى وإن رأوا تلك الثقافة سليمة وذلك الفكر يستحق، فتغيير الواقع يتم عبر تنوير ووعي الناس أولاً، وهي الاعتبارات التي يحاول الغذامي أن يبعدها عن الليبرالية ويتجاهلها متعمداً لتبرير موقفه، بينما يدرك من لديه ثقافة أفقية ترابط الليبرالية القوي مع تلك القيم، وهنا يبتعد الغذامي عن أدنى موضوعية ممكنة.

* كاتب سعودي.


The views and opinions of authors expressed herein do not necessarily state or reflect those of the Arab Network for the Study of Democracy
 
Readers Comments (0)
Add your comment

Enter the security code below*

 Can't read this? Try Another.
 
Inside:
Why Algeria will not go Egypt's way
When revolutionary euphoria subsides: Lessons from Ukraine
A letter from the Cedar Revolution to the Nile Revolution
Mubarak, save Egypt and leave
Barack Obama sees Egypt, but remembers Indonesia
Just changing generals is not freedom
Egypt’s Youth are Responsible for Defending their Revolution from Those who Would Climb upon It
Can Lebanon kill its own tribunal?
Egypt's future in Egyptian hands
Social media are connecting Arab youths and politicians
The Mediterranean between sunny skies and clouds of pessimism
For the West, act of contrition time
Why Arabs have airbrushed Lebanon out
The Tunisian experience is likely to mean evolution in Morocco
Can Egypt's military become platform for political change?
Lost generations haunt Arab rulers
Democracy: not just for Americans
For better or worse, Arab history is on the move
The Middle East's freedom train has just left the station
Mubarak's only option is to go
Ben Ali's ouster was the start, and Mubarak will follow
Is this a Gdansk moment for the Arabs?
Tunisia may be a democratic beacon, but Islamists will profit
The Arabs' future is young and restless
Egypt's battle requires focus
Arab rulers' only option is reform
Exhilarating Arab revolts, but what comes afterward?
Hezbollah enters uncharted territory
Resisting change fans the flames
To participate or not to participate?
choice decisive for Lebanon
Lebanon typifies Arab political poverty
Between Tunisia’s Uprising and Lebanon’s Tribunal
Lebanon, Between Partnership and Unilateralism
What might Hezbollah face once the trial begins?
In Lebanon, echoes of the Iraq crisis
Is Hezbollah's eye mainly on Syria?
Egypt's Copt crisis is one of democracy
The thrill and consequences of Tunisia for the Arab region
Three Arab models are worth watching
Tunisia riots offer warning to Arab governments
Tunisia has a lesson to teach
Time for Lebanese to re-think stances
Amid stalemate, let negotiations begin!
North Africa at a tipping point
The Options Available When Faced with the Failure of Arab Governments
Latifa and Others
Troubling trends in this Arab new year
The past Lebanese decade
Beyond the STL
Yet another Arab president for life
An independent Egyptian Web site gives women a voice
Fight the roots of extremism
Fractures prevail as Arabs cap 2010
Truth about injustice will help reduce Muslim radicalization
Christian flight would spell the end for the Arab world
Defining success in the Lebanon tribunal
60% of the Lebanese and 40% of Shiites Support the Choice of Justice
Without remedy, Lebanon faces abyss
The Saudi succession will affect a broad circle of countries
The Arab world faces a silent feminist revolution
The canard of regime change in Syria
Egypt faces a legitimacy crisis following flawed elections
Lebanon: Reform starts with politicians
Human Rights: Three priorities for Lebanon
What's changed?
Monitoring in the dark
Myths about America
Lessons from the fringes
On campus, not all get to vote
'Your credit is due to expire'!
Blood for democracy
Lebanon can solve its own problems
The Janus-like nature of Arab elections
Social Structural Limitations for Democratization in the Arab World
Jordan’s Public Forums Initiative
Islamic Historic Roots of the Term
Copyright 2025 . All rights reserved