WED 20 - 8 - 2025
 
Date: Jan 3, 2011
 
«ذئب وحيد»... أم صهر العشيرة وابنها؟

الأحد, 26 ديسيمبر 2010
حازم الأمين


تم في 2010 تفتيت الإرهاب، من دون أن يتم القضاء عليه. هذا ما أطلق عليه في الغرب ظاهرة «الميكرو-تيروريزم» (الإرهاب الصغير)، أي ذلك الإرهابي الوحيد والعصامي الملتصق بجهاز الكومبيوتر، والذي تقتصر دائرة المخاطر التي يشكلها على أفراد قليلين. ثم انه غير متصل بغيره من الإرهابيين، ولا هو بصدد ذلك، ومشاعره حيال ضحاياه كما حيال المجتمع الذي يقيم فيه غريباً ومقتلعاً، هي من ذلك النوع الذي يتطلب فهمها طبيباً نفسياً لا محللاً سياسياً أو خبيراً في الإسلام وتعاليمه.


انه إرهابي غربي حقاً، فالـ»ميكرو-تيروريزم» ظاهرة غير ناجمة عن القضاء على الإرهاب بصفته عملاً منظماً، وهي ليست ثمرة تفتيت التنظيم الأم، إنما أيضاً هي عملية تماه معقدة بين الإرهابي وبين مجتمعه الغربي. انه الإرهاب عندما يجعل من «الفردية» نموذجاً يمكن توظيفه. الفردية بصفتها منتجاً رئيساً من منتجات الحداثة والتغريب. فهذه الأخيرة ومثلما أنتجت تقدماً وتفوقاً وإبداعاً، انتجت أيضاً انتحاراً وكآبة وجريمة فردية، ومدناً وأحزمة فقر وضواحي صناعية. وهذه كلها ظواهر لم تُدرج في سياق إدانة الحداثة، إنما في سياق وصفها وتحديد ملامحها.


إذاً ما الذي يمنع من إدراج «الميكرو-تيروريزم» في منظومة منتجات الحداثة والعيش في مجتمع الأفراد، لا سيما أولئك الذين تحفل بهم مدن الغرب ومجتمعاته؟
فالعودة بالإرهابي الغربي إلى إسلامه الأول، وإلى الهوية التي غادرها، أو التي غادرها والده وربما جده، لن تجدي نفعاً في ظل العقم الكبير الذي تتخبط به تلك الهويات في بلاد المنشأ. بماذا يفيدنا البحث في عراقية تيمور العبدلي الذي فجر نفسه في استوكهولم قبل أسابيع؟ فهو غادر العراق في 1992 إلى السويد ودرس في جامعة بريطانية. البحث في سويدية الرجل سيكون مجدياً أكثر، ووضع فعلته في سياق ما أنتجه اغترابه وفرديته يساعد على فهم دافعه، في حين لا تساعد عراقيته على ذلك إطلاقاً. فـ «الذئب الوحيد»، على ما يسمى الإرهابي الغربي الجديد، ما كان وحيداً لو انه جزء من البنية الاجتماعية والذهنية ما قبل الاغترابية.


هذه ملامح إرهابي الغرب المسلم في نسخة 2010، وهي تختلف على نحو جوهري عن نسخة إرهابي الشرق في الـ2010. فهذا الأخير أصابت الحرب على الإرهاب تركيبته التنظيمية، فتفتتت البنية العنقودية التي كانت تربطه بجماعته، لكن ذلك لم يجعله «ذئباً وحيداً». وإذا كان تيمور العبدلي النسخة الأحدث عن إرهابي الغرب، وهو نسخة مجددة عن فيصل شاه زاد الباكستاني الذي كان وراء التفجير في ساحة تايم سكوير في أيار (مايو) الفائت، فإن النسخة الأحدث من الإرهابي الشرقي، هو الأردني الذي قتل مؤخراً في مدينة الموصل العراقية. فمحمد كان غادر إلى العراق وقبلها إلى الشيشان، حكم عليه في بلده غيابياً بالسجن المؤبد. أما في العراق فتزوج من سيدة عراقية من الموصل وأنجب منها أولاداً، ثم ألقي القبض عليه في العراق وسجن لمدة خمس سنوات أفرج عنه بعدها ليعود ويقيم في الموصل، في كنف أنسبائه، فيما انقطعت أخباره عن عائلته، ليعود ويقتل في مواجهة مع الجيش العراقي.


لعل أبرز ما يلفت متتبع سيرة محمد، كي يقارنها بسيرة زملائه الغربيين في الإرهاب، أن الأخيرين أصيبوا بغربة في مهاجرهم على رغم انتقالهم إليها مع عائلاتهم النواتية، فيما لم تصب هذه الغربة محمد حين ترك عائلته في السلط وانتقل إلى الموصل وحيداً لكنه غير غريب. في الموصل تزوج وأقام وسُجن وأفرج عنه، وعاود نشاطه وكأنه ولد هناك. عائلته في السلط، لا بل أيضاً عشيرته الكبيرة والنافذة في عاصمة الشرق أردنيين، لم يعن ابتعاده عنها تحوله «ذئباً وحيداً»، إذ في الموصل امتداد لها، وإن كان غير رحميّ. والغريب أن إخراجه من السجن العراقي، وهو الأردني، لم يعن ترحيلاً من البلد الذي ليس بلده. أفرج عنه في الموصل وتوجه إلى منزل أنسبائه هناك وأكمل حياته كأي عراقي كان في السجن. انه بلده وهذه عشيرته وتلك زوجته وهذا العالم عالمه!


محمد هو الإرهابي الذي أنتجناه هنا، وتيمور هو الإرهابي الذي انتجته «الفردية» في الغرب. وإذا كان الثاني «ذئباً وحيداً» فالأول «ذئب غير وحيد على الإطلاق». يستدعي ذلك من الغرب أثناء تفكيره بإرهابييه تخفيف التعويل على الجوهر الإسلامي في الدافع إلى الإرهاب، ومباشرة البحث في الهوية الغربية لمن يباشره في بلاده. وربما يُساعد نزع هذا الجوهر عن تلك الأفعال في جعل الإرهاب جريمة عادية غير مقدسة في وعي أجيال المهاجرين.


أما ما تستدعيه منا حكاية محمد قطيشات، وقبله حكاية عمر البرقاوي المطابقة تماماً لحكاية محمد، فهو بالإضافة إلى التفكير بالجوهر الديني لهذا العنف، بداية تفكير في كيفية ترسيخ هويات وطنية حديثة لا يشعر في ظلها محمد وغيره عندما ينتقل من الأردن إلى العراق، أو من السعودية إلى اليمن، أو من الجزائر إلى ليبيا، انه ما زال في كنف أهله وفي حماهم. فقد كشفت ضائقة الإرهاب التي تكابدها بلداننا ضعفاً كبيراً في إيمان مجتمعاتنا بالقواعد والحدود التي يفترضها وجود دولة، وسعي نظام إلى إرساء هوية وطنية مستقلة عن الروابط الاجتماعية والقبلية العابرة للحدود.


لكن المقارنة بين الإرهابي الغربي والإرهابي الشرقي تغري أيضاً بالتفكير في لحظة يلتقي فيها الإرهابيان. إنها لحظة هوليودية من دون شك. أنور العولقي الأميركي المولد واللغة والثقافة، واليمني الأصل، والذي تعرف إلى الإسلام في نيويورك، وليس عبر والده المهاجر كما أنشأ مجلة «انسباير»، الناطقة باسم «القاعدة» باللغة الإنكليزية، أنور هذا فر إلى اليمن الذي لا يعرفه عندما اكتشف أمره في أميركا، وهو اليوم المطلوب رقم واحد في اليمن. ومن المرجح وفق الصحافة الغربية انه يقيم ويختبئ في حمى عشيرته هناك. عشيرته التي لم يولد في كنفها، والتي لم يسمع أفرادها باسمه ولا باسم والده المهاجر. عشيرته المستعدة اليوم لأن تخوض حرباً ضارية من أجله. أنور العولقي هذا من القلة في تنظيم القاعدة ممن يستقبلون أسئلة الصحافيين عبر قنوات إلكترونية، ويجيبون عنها. وربما كان مفيداً أن نسأله، هو الأميركي المولد والنشأة، وغير المجيد للغة العربية، عما إذا كان قد أنس للإقامة في كنف عشيرته التي لا يعرفها، أم انه ضجِرٌ ويتمنى أن يعود إلى نيويورك؟

 


The views and opinions of authors expressed herein do not necessarily state or reflect those of the Arab Network for the Study of Democracy
 
Readers Comments (0)
Add your comment

Enter the security code below*

 Can't read this? Try Another.
 
Inside:
Why Algeria will not go Egypt's way
When revolutionary euphoria subsides: Lessons from Ukraine
A letter from the Cedar Revolution to the Nile Revolution
Mubarak, save Egypt and leave
Barack Obama sees Egypt, but remembers Indonesia
Just changing generals is not freedom
Egypt’s Youth are Responsible for Defending their Revolution from Those who Would Climb upon It
Can Lebanon kill its own tribunal?
Egypt's future in Egyptian hands
Social media are connecting Arab youths and politicians
The Mediterranean between sunny skies and clouds of pessimism
For the West, act of contrition time
Why Arabs have airbrushed Lebanon out
The Tunisian experience is likely to mean evolution in Morocco
Can Egypt's military become platform for political change?
Lost generations haunt Arab rulers
Democracy: not just for Americans
For better or worse, Arab history is on the move
The Middle East's freedom train has just left the station
Mubarak's only option is to go
Ben Ali's ouster was the start, and Mubarak will follow
Is this a Gdansk moment for the Arabs?
Tunisia may be a democratic beacon, but Islamists will profit
The Arabs' future is young and restless
Egypt's battle requires focus
Arab rulers' only option is reform
Exhilarating Arab revolts, but what comes afterward?
Hezbollah enters uncharted territory
Resisting change fans the flames
To participate or not to participate?
choice decisive for Lebanon
Lebanon typifies Arab political poverty
Between Tunisia’s Uprising and Lebanon’s Tribunal
Lebanon, Between Partnership and Unilateralism
What might Hezbollah face once the trial begins?
In Lebanon, echoes of the Iraq crisis
Is Hezbollah's eye mainly on Syria?
Egypt's Copt crisis is one of democracy
The thrill and consequences of Tunisia for the Arab region
Three Arab models are worth watching
Tunisia riots offer warning to Arab governments
Tunisia has a lesson to teach
Time for Lebanese to re-think stances
Amid stalemate, let negotiations begin!
North Africa at a tipping point
The Options Available When Faced with the Failure of Arab Governments
Latifa and Others
Troubling trends in this Arab new year
The past Lebanese decade
Beyond the STL
Yet another Arab president for life
An independent Egyptian Web site gives women a voice
Fight the roots of extremism
Fractures prevail as Arabs cap 2010
Truth about injustice will help reduce Muslim radicalization
Christian flight would spell the end for the Arab world
Defining success in the Lebanon tribunal
60% of the Lebanese and 40% of Shiites Support the Choice of Justice
Without remedy, Lebanon faces abyss
The Saudi succession will affect a broad circle of countries
The Arab world faces a silent feminist revolution
The canard of regime change in Syria
Egypt faces a legitimacy crisis following flawed elections
Lebanon: Reform starts with politicians
Human Rights: Three priorities for Lebanon
What's changed?
Monitoring in the dark
Myths about America
Lessons from the fringes
On campus, not all get to vote
'Your credit is due to expire'!
Blood for democracy
Lebanon can solve its own problems
The Janus-like nature of Arab elections
Social Structural Limitations for Democratization in the Arab World
Jordan’s Public Forums Initiative
Islamic Historic Roots of the Term
Copyright 2025 . All rights reserved