SAT 26 - 10 - 2024
 
Date: May 17, 2011
Author: AbdelAziz Karraky
Source: the network
لحظة سحب المشروعية

عندما نسمع عن القمع والظلم الذي كانت تمارسه الأنظمة السياسية العربية، التي عصفت بها الثورات، ونقارن حجم الثروات التي تم تكديسها في أبناك أوروبا والولايات المتحدة وبعض الدول الآسيوية، باسم الحكام ومن يدور في فلكهم، بالمعاناة والفقر التي  عاشتها ولازالت الشعوب، نصاب بدهشة لامثيل لها. فهذه التلفزة في تونس تقتحم قصر بن علي الذي يفاخر مغارة علي بابا فتعرض ما ظهر من كنوزه، و لا شك أن الأمر نفسه موجود في دول أخرى، فكيف كانت الشعوب العربية تصبر على تحمل كل ذلك الظلم؟ وكيف تحولت إلى مسخرة تدعو إلى البحث في قدرة العرب الفائقة على تحمل الاستبداد؟


لقد سبق للمفكر الألماني ماكس فيبر أن وضع نمذجة للمشروعية، وحصرها في ثلاثة وهي التقليدية التي تقوم على تقديس التقاليد وتجعل منها آلية لاختيار الحكام، والكاريزماتية التي ترتكز على الاعتقاد بقدرة الحكام الفائقة الذين تسند إليهم السلطة في ظروف حرجة فيقودون شعوبهم نحو التخلص منها، ثم المشروعية العقلانية، التي تعتمد اختيار الحكام بناء على قواعد وضوابط قانونية وضعت على أساس عقلاني. وعلى العموم، فإن المشروعية هي التي تجعل الأفراد يقبلون الخضوع برضاهم لسلطة الحاكمين.
لقد بنت الأنظمة السياسية العربية مشروعيتها على كل شيء ما عدا الديمقراطية، وبحثت لا هتة عن أفكار ومشاريع تجدد وتشد بها عضد رصيدها من المشروعية، و لعبت القضية الفلسطينية والحروب ضد إسرائيل عنصرا مهما في هذا المجال، إذ كان على الشعوب أن تقبل انتخابات مزورة، وعدم توزيع الثروات، والفقر والبؤس والظلم، واستبعاد الحرية والمساواة والمحاسبة...، بذريعة أن  حالة الحرب حاضرة، وأن العدو يتربص وقد يهاجم في أي لحظة وحين.


 واستحسن بعض الحكام قوانين الطوارئ، التي وضعت أصلا لتدوم عادة فترات صغيرة فإذا بها تعمر عند العرب عشرات السنين. غير أن توقيع اتفاقيات السلام، جعل شبح الحرب يبتعد، والكلام عن التعبئة لم يعد ينفع كآلية لشحد الهمم، واستغربت الشعوب العربية، وهي تشاهد تكدس الفلسطينيين في مشهد مخز، أملا في أن تفتح بوابة رفح، لكي يطلوا عبرها على العالم، حيث انتقلت مصر من الدولة التي طالما تغنت مع الشعوب العربية بالحرية، واحتضنت المناضلين الشرفاء، إلى دولة تتفرج على إبادة الشعب الفلسطيني، فما رضي الشعب المصري بذلك، ولا قبل بالاستكانة إلى دور الشرطي المدافع عن أمن إسرائيل أولا. وفي سياق اللهث وراء تدعيم المشروعية المتآكلة تم توظيف الرياضة، وكرة القدم على وجه الخصوص كرياضة شعبية، فتحولت مقابلة عادية بين فريقي شعبين شقيقين، هما الشعب المصري والجزائري، إلى معركة حقيقية ذكرتنا بالعصر الجاهلي، وبهويتنا القبلية، وتنافس فيها الحكام في البلدين في جر الشعوب نحو الكراهية ورفض الآخر، بشكل لم يسبق له مثيلا في التاريخ العربي، وعند انتهاء المباراة اتضح أنها تركت جروحا عميقة لدى الشعبين، يصعب رتقهما في القريب من الآجال.   وفي المقابل باتت الأنظمة السياسية تشكو من عجز متواصل في مجال المشروعية، وامتد النزيف إلى أن وصل إلى مرحلة الإفلاس الحقيقي، فما عادت الشعوب العربية تقبل بأية مشروعية غير تلك التي تكرس الديمقراطية بكل مضامينها ، وباتت الشعارات هي الشعب يريد إسقاط النظام، وإرحل... إنها لحظة سحب المشروعية، اختفت معها الرعايا، وتراجع الجلادون رهبة لا رحمة، وما عاد الموت يخيف، وعند استرخاص الحياة في سبيل الحرية ولد المواطن العربي الجديد.
لقد مات ماكس فيبر في سنة 1920، ولو كتب له أن يعيش اليوم لكتب  بأن  العرب أكدوا أن المشروعية التي تصلح لكل زمان ومكان  هي المشروعية الديمقراطية. و قبله مات مونتسكيوه وغيره ممن كتبوا عن الاستبداد الشرقي ماذا كان عساهم يقولون لو شهدوا ربيع الثورات العربية، واستنشقوا أريج زهورها؟


The views and opinions of authors expressed herein do not necessarily state or reflect those of the Arab Network for the Study of Democracy
 
Readers Comments (1)
DateNameTitleComment
17/5/11القندوسيربما هي نفضة وليس لحظة في الحقيقة ايها الكاتب العزيز لقد اعطيت عنوانا لو نتأمل أول كلمة فيه لعاودت الشعوب العربية ثوراتها بشكل يومي لتحقيق مشروعيةماكس فيبر , فهل يعني ان الشعوب العربية استرجعت ثقتها قي نفسهافي هذه اللحظة التي ماان وصلوا اليها حتى استضافوا التقليدية التي ذكرت في موضوعك والتي تجلت في السماح للغرب بالتدخل قي هذه الظروف الحرجة علما ان الغرب سيعمل جاهدا على جعل اللحظة تقف في حدود اللحظة.ثانيا هل توجد مقومات الاستمرار للوصول الى المشروعية الديمقراطيةبدون التدخل الغربي والذي له من المكر ما اصبح من المقومات الضرورية في سياساتهم؟واترك الباب مفتوحا امام المقومات .هل الاوكسجين وصل الى العقل من خلال هذه الثورات ام اقتصر على انحاء من الجسم؟هل فعلا لو كان ماكس فيبر حيا كان سيكتب بأن العرب أكدوا أن المشروعية قد تحققت في الدول العربية حتى يقول ان المشروعية فعلا تصلح لكل زمان ومكان؟

Add your comment

Enter the security code below*

 Can't read this? Try Another.
 
Articles for the same author
Democracy is to ensure resolution of all these problems and I think that people in this region are aware of this
Mali coup strengthens rogue groups
The International Criminal Court should be involved in trying Saif al-Islam
The 09/11 terrorist attack, a shock to the entire world
Maghreb societies need to move towards separation of powers
Related News
Morocco arrests over 4,300 for breaching emergency rules
Moroccan YouTuber arrested for 'public insults'
Morocco: Journalist’s abortion sentence stirs rights protest
Morocco journalist's trial for alleged abortion postponed after protest
Morocco’s King Mohammed VI: Between monarchy and modernity
Related Articles
EU, Morocco and the stability myth
Morocco’s Party of Authenticity and Modernity under pressure
Morocco, Western Sahara issue back at AU
Record gains for Morocco’s Islamist party usher in new political era
It’s truth time for Morocco’s Islamists
Copyright 2024 . All rights reserved