THU 24 - 10 - 2024
 
Date: May 11, 2011
Source: جريدة الحياة
ثورة... أم إصلاح ديموقراطي لن يرى النور؟ - شريف حتاتة

ما حدث في مصر منذ يوم 25 كانون الثاني (يناير) الماضي ليس سوى انتفاضة فتحت الباب لإحداث تغيير. لكن هذه الانتفاضة لم تحقق ثورة، بل إن تحققها في المدى القريب ما زال مستبعداً. فالثورة أمامها مراحل من النضال الديموقراطي السلمي متتالية. هذا النضال السلمي الذي أثبت الشعب المصري أنه يُدرك معناه، وقيمته لأنه صاحب حضارة عريقة علمته قيمة الإخاء والتضامن لمواجهة محن الحياة، تلك القيمة التي ربما غيبها موقتاً نظام بُني على الاستبداد، والقهر، وسرقة قوت الناس. أقول إنها كانت انتفاضة لن تُحقق تغييراً جذرياً خلال مرحلة الانتقال التي تمر بها البلاد، ولا حتى أثناء السنين التي ستأتي بعدها. فكل ما تستطيع أن تُحققه هذه الانتفاضة هو أن تفتح الباب أمام إصلاح ديموقراطي محدود، بل قد أذهب أبعد من ذلك لأقول إن الاحتمال الأكبر هو أن يتم وأد هذا الإصلاح المحدود، والحيلولة دون أن يُولد، ويرى النور.
الحياة كثيراً ما تكون غنية باحتمالات تُكذب ما يتنبأ به الناس أمثالي، لكن ما يدفعني إلى هذا القول هو أن التوازن السياسي القائم ليس في مصلحة حدوث تحول ديموقراطي حقيقي في البلاد، على رغم الخطوات التي تمت حتى الآن.


إن ركائز النظام السابق في المجتمع وفي جهاز الدولة، في الاقتصاد، والأمن، والإعلام وفى الحكم المحلي والمحافظات ما زالت قوية. غاب بعض القيادات، لكن لا نعلم إلى أي مدى. فالقانون حمَّال أوجه، ومطاط والقوى السياسية هي التي تحكم في نهاية المطاف، لكن تُوجد قيادات أخرى، وبعد خلع الرأس ما زال الجسم حياً يتحرك في المركز وعند الأطراف. التيارات الدينية المحافظة والسلفية تمتلك تنظيمات سياسية واجتماعية قوية، ونفوذاً إعلامياً وثقافياً وفكرياً واسعاً. إنها متغلغلة في قطاعات مهمة من المجتمع وفي جهاز الدولة. جمعياتها منتشرة في القطاع المدني للمدينة والريف، هذا فضلاً عن نشاطها الاقتصادي في البنوك، والعملات، والمعادن الثمينة، والتجارة، والمهن، ومجالات أخرى خفية في بعض الأحيان. السلطة التي تحكم الآن هي سلطة المجلس الأعلى للقوات المسلحة تُعاونها حكومة انتقالية، وهذه السلطة ليست جزءاً أصيلاً من الحركة الشعبية التي انطلقت منذ شهور ثلاثة.


لذلك تتميز القرارات التي اتخذتها، والقوانين التي أصدرتها بقدر كبير من التحايل على مطالب الشعب. يتضح ذلك مثلاً في قانون الأحزاب الجديد الذي صدر تحت مسمى «تكوين الأحزاب بمجرد الإخطار»، ومع ذلك فرض إجراءات تنظيمية، وأعباء مالية يصعب على القوى السياسية الجديدة التي ما زالت في مرحلة التكوين الوفاء بها. بالإضافة إلى أن مصر جزء من السوق الحرة العالمية ومن نظام العولمة، تُؤثر فيها مصالح دولية وإقليمية تملك وسائل اقتصادية وعسكرية للضغط عليها، وترى في أي تحول ديموقراطي عميق ما يُمكن أن يُهدد مصالحها، ومصالح إسرائيل في منطقة حيوية غنية بالنفط، مصالح تُدرك أن لمصر نفوذاً وقدرة للتأثير على التطورات التي قد تحدث فيها. يقابل هذا من الجانب الآخر الحالة التي تُعاني منها القوى السياسية الديموقراطية الساعية إلى تكوين دولة مدنية تكفل للمواطنين والمواطنات نظاماً يحترم الحريات الجماعية، والفردية، ويُحقق قدراً متزايداً من العدالة الاجتماعية، ومن التوزيع العادل للثورة القومية.


هذه القوى قد تملك نفوذاً إعلامياً وثقافياً مهماً، كما تملك القدرة على التحرك السياسي بين مراتب الطبقة الوسطى. مع ذلك ما زالت تُعاني من إمكاناتها المحدودة في تحريك الجماهير الواسعة وتنظيمها. ليست لديها أحزاب قوية، بل على العكس الانقسامات في صفوفها مستشرية، والأحزاب الموجودة غير فعالة. هذا ينطبق أيضاً على مجموعات الشباب التي فتحت الباب أمام انطلاق الحركة الشعبية، تلك الحركة التي أرغمت «مبارك» على التنحي عن الحكم، والتي أدت إلى تطبيق بعض الخطوات المحدودة لمحاصرة قوى النظام القديم. ما ينطبق على الأحزاب ينطبق أيضاً على نشاطها في مجالات القطاع المدني، في النقابات العمالية والمهنية، في منظمات حقوق الإنسان، وحقوق المرأة، وفي منظمات العمل الاجتماعي. هذه التنظيمات محدودة النطاق، محدودة التأثير على القطاعات الجماهيرية الأساسية في المدينة والريف.
وهذه الحقائق لا تقلل من قيمة الصحوة التي شملت قطاعات واسعة من الشعب، من روح المبادرة والمواجهة التي انتشرت بين جماهيره، من الوعي السياسي الذي اكتسبته خلال الشهور الماضية. لكن إدراك طبيعة المرحلة التي تمتد أمامنا، والوعي بصعوباتها وعثراتها يُمكن أن يكون له أثر مهم على فكر، ومواقف، وأسلوب عمل أنصار التحول الديموقراطي الساعين إلى تحقيقها. إنه يُمكن أن يكون دافعاً إضافياً للسعي بدأب، ومرونة، وسعة أفق من أجل إقامة تحالف، أو ائتلاف ديموقراطي واسع تُساهم فيه الأحزاب والتنظيمات كافة التي تُؤمن بضرورة إقامة مجتمع مدني ديموقراطي، تحالف قادر على تعبئة الجماهير في المدينة والريف، في الصراع السلمي الديموقراطي ضد قوى الطغيان والفساد القديمة، وضد قوى الردة الدينية التي تبذر الفتنة، والانقسام، والتعصب في صفوف الشعب.


* كاتب مصري


The views and opinions of authors expressed herein do not necessarily state or reflect those of the Arab Network for the Study of Democracy
 
Readers Comments (0)
Add your comment

Enter the security code below*

 Can't read this? Try Another.
 
Related News
Egyptian celeb faces backlash over photo with Israeli singer
Three Egyptian policemen, four militants killed in prison break attempt
Acting leader of Egypt's Muslim Brotherhood arrested in Cairo
Egypt mulls law to protect women's identities as MeToo movement escalates
Egypt homeless, street children hit hard by pandemic scourge
Related Articles
Private-equity fund sparks entrepreneurial energy in Egypt
Young Egypt journalists know perils of seeking truth
What Sisi wants from Sudan: Behind his support for Bashir
Egypt’s lost academic freedom and research
Flour and metro tickets: Sisi’s futile solution to Egypt’s debt crisis
Copyright 2024 . All rights reserved